مواقف بريطانيا حول القضية الفلسطينية.. من وعد بلفور إلى الاعتراف بالدولة المستقلة

آخر تحديث: الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 11:31 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

في تحول تاريخي بموقفها من القضية الفلسطينية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، اليوم الأحد، أن بلاده اعترفت رسميًا بدولة فلسطين؛ لتنضم إلى أكثر من 150 دولة حول العالم اتخذت الخطوة ذاتها.

وقال ستارمر عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "اعترفنا اليوم بدولة فلسطين لإحياء أمل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. اليوم ننضم إلى أكثر من 150 دولة تعترف بالدولة الفلسطينية".

وتمثل بريطانيا، فصلًا مهمًا من تاريخ القضية الفلسطينية، إذ تقاطعت في تاريخها مع محطات عديدة، بدأت بوعد بلفور الذي مهد لقيام الكيان المحتل على أرض فلسطين التاريخية، وبعدها دعمت إسرائيل في مناسبات أخرى، وتبنت أحيانًا مواقف تدعم تسوية القضية بحل الدولتين، كما نستعرض في التقرير التالي:

وعد بلفور.. الهدية الأغلى للمشروع الصهيوني

في نوفمبر 1917، أصدرت الحكومة البريطانية وعد بلفور الشهير، الذي تعهّد فيه وزير الخارجية آرثر بلفور بإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين"، وهو ما شكّل نقطة هامة للمشروع الصهيوني.

كان الوعد على شكل رسالة قصيرة موجهة من وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور إلى رئيس الجالية اليهودية في بريطانيا اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، بعد موافقة مجلس الوزراء البريطاني على الوعد، الذي أتى نصّه على النحو التالي:

"إنّ حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل أقصى جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يُفهم جليًا أنه لن يُؤتى بأيّ عمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".

سنوات الانتداب.. الانسحاب يمهد لقيام كيان الاحتلال

وخلال سنوات الانتداب البريطاني (1920–1948)، فتحت بريطانيا أبواب فلسطين أمام موجات متتالية من الهجرة اليهودية، وقدّمت الغطاء السياسي والقانوني للمشروع الصهيوني، بينما قُمعت الثورات الفلسطينية الرافضة لتغيير الطابع الديموغرافي للأرض.

وقال المؤرخ المقدسي عارف العارف في كتابه "نكبة فلسطين والفردوس المفقود"، إن الشعب الفلسطيني لم يكن في مواجهة الهجرة اليهودية وحده، بل في مواجهة سلطة الانتداب البريطاني التي أمدّت الصهاينة بكل وسائل القوة، وأطلقت يدهم في الأرض، في الوقت الذي كانت فيه السجون والمشانق للفلسطينيين.

وأكمل العارف: "في 15 مايو 1948، انتهى الانتداب البريطاني، لكن ترك وراءه مأساة، إذ أعلن اليهود قيام دولتهم، وبدأت النكبة، حيث سالت الدماء وتشردت العائلات، وامتلأت الطرق باللاجئين الذين حملوا معهم مفاتيح بيوتهم وأمل العودة".

واعترفت بريطانيا، بإسرائيل بـ"حكم الأمر الواقع" (De Facto) عام 1948، وبعد تردد دام عامين، اعترفت بها رسميًا عام 1950 بـ"حكم القانون" (De Jure)، وفق موسوعة "بريتانيكا" البريطانية.

هزيمة يونيو.. حسابات بريطانية في الظل

أوضحت الوثائق البريطانية، أن لندن كانت تخشى عدة تداعيات محتملة على مصالحها في الشرق الأوسط في حالة تمكّنت القاهرة من فرض موقفها في أزمة إغلاق مضيق تيران، وتجنبت الحكومة البريطانية، برئاسة هارولد ويلسون، أي إعلان سياسي واضح بتأييد المواقف الإسرائيلية قبيل حرب 1967، بحسب "بي بي سي".

في مذكرة الخارجية البريطانية إلى مجلس الوزراء بتاريخ 29 مايو 1967، ورد أن الاستخبارات البريطانية تقدر أن فرص إسرائيل في تحقيق انتصار ميداني هي الأعلى، رغم التكلفة العالية.

وذكرت المذكرة، أن لندن تخشى من خسائر في مصالحها إذا تأخر توقيت الحرب.

وبجانب قرار مجلس الأمن 242، الذي أيّدته بريطانيا، صِيغ عمدا بعبارات غامضة؛ فالنص الإنجليزي لم يتحدث عن الانسحاب من كل الأراضي المحتلة، وهو ما أعطى إسرائيل ذريعة للاحتفاظ بالأرض.

- أوسلو.. دعم السلام بلا أرض

في يونيو 1980، وقعت بريطانيا، مع دول المجموعة الأوروبية "إعلان البندقية"، الذي اعترف لأول مرة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

لكن الباحثة روزماري هوليس، لاحظت أن لندن "لم تترجم التصريحات إلى سياسة عملية".

وندد المفكر إدوارد سعيد، باتفاقية أوسلو 1993 في كتابه "سلام بلا أرض"، متنبئًا بأنها لن تقود إلى إقامة دولة فلسطينية حقيقية، واعتبر أن منظمة التحرير الفلسطينية حوّلت نفسها من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة، مع بقاء ذات الحفنة من الأشخاص في القيادة.

وفي بداية انتفاضة الأقصى (2000)، دعت حكومة توني بلير، إلى وقف الاستيطان وأعلنت أن القوة الإسرائيلية غير متكافئة، لكن عمليًا دعمت خارطة الطريق الأمريكية التي كرّست السيطرة الإسرائيلية.

وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تحول الخطاب البريطاني بشكل أوضح إلى تبنّي مقولة "مكافحة الإرهاب"، وربط بعض فصائل الانتفاضة بحركات "التطرف"، ما صب في مصلحة إسرائيل.

وفي 2002، صوتت بريطانيا لصالح القرار 1402 في مجلس الأمن، الذي طالب إسرائيل بالانسحاب من المدن الفلسطينية، لكن لم يرافق ذلك ضغط حقيقي.

وزار بلير، إسرائيل والسلطة الفلسطينية أكثر من مرة، لكنه ركز على "إصلاح السلطة" أكثر من مناقشة الاحتلال.

- الأمم المتحدة.. غياب عن دعم فلسطين

حينما صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على منح فلسطين صفة "دولة مراقب غير عضو"، أيدت 138 دولة القرار، وعارضته 9، وامتنعت 41 عن التصويت، من بينها بريطانيا.

وبررت الخارجية البريطانية موقفها بأنها كانت ستصوت بنعم إذا التزمت السلطة الفلسطينية بالعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل "دون شروط مسبقة"، وبأنها "لن تستخدم هذه الخطوة لملاحقة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية".

وقال وزير الخارجية البريطاني حينها ويليام هيج، في بيان أمام البرلمان:

"نعتقد أن التصويت لصالح القرار كان ليصبح ممكنًا لو ضمنت القيادة الفلسطينية العودة غير المشروطة إلى المفاوضات، وعدم السعي إلى الانضمام إلى منظمات دولية بطريقة تقوّض جهود السلام".

2014.. حرب غزة توقظ الضمير البريطاني بالاعتراف بفلسطين

في أكتوبر 2014، صوت مجلس العموم البريطاني بأغلبية 274 صوتًا مقابل 12 على مذكرة غير ملزمة تدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب إسرائيل، والمذكرة كانت برعاية نائب حزب العمال جراهام موريس.

ورغم أن القرار كان رمزيًا؛ لأنه لا يُلزم الحكومة، فإن أهميته تمثلت في كونه أول إشارة برلمانية قوية داخل بريطانيا لتأييد الاعتراف.

وامتنعت حكومة ديفيد كاميرون، عن التصويت، واكتفت بالقول إن التوقيت غير مناسب، وإن الاعتراف يجب أن يأتي عبر المفاوضات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved