مجاعة غزة.. كيف يدين القانون الدولي جرائم التجويع التي ينتهجها الاحتلال في حرب الإبادة؟

آخر تحديث: السبت 23 أغسطس 2025 - 10:32 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

أكدت الأمم المتحدة، أمس الجمعة، أن تقييم المجاعة في قطاع غزة "موثوق ومحايد"، وجاء وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي "IPC" بمشاركة مصادر دولية واسعة. وأوضح التصنيف أن المجاعة وقعت بالفعل في محافظة غزة، مع توقع انتشارها إلى دير البلح وخان يونس بحلول نهاية سبتمبر المقبل، مشيرًا إلى أن أكثر من 500 ألف شخص يواجهون ظروفًا كارثية من الجوع الشديد وسوء التغذية والموت.

-لحظة عار جماعي

قال وكيل الأمين العام للشئون الإنسانية توم فليتشر، إن المجاعة في غزة "كان يمكن تفاديها بالكامل لو لم تُمنع الأمم المتحدة بشكل ممنهج من إدخال المساعدات". وأضاف: "المساعدات الغذائية تتكدس عند الحدود بسبب العرقلة الإسرائيلية. إنها مجاعة ينبغي أن تؤرقنا جميعًا، وهي لحظة عار جماعي".

- ماذا يقول القانون الدولي في جرائم التجويع؟

ووفقًا للمادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف 1977، يحظر تمامًا استخدام التجويع كسلاح ضد المدنيين، كما لا يجوز مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل المقومات الأساسية لبقائهم، مثل المواد الغذائية والأراضي الزراعية المخصصة لإنتاج الغذاء والمحاصيل والماشية ومنشآت مياه الشرب وإمداداتها وأعمال الري، إذا كان الهدف هو حرمان المدنيين أو الطرف الخصم منها، سواء بغرض تجويعهم أو إجبارهم على النزوح أو لأي سبب آخر. وتظل هذه الحماية قائمة حتى في حال استخدامها من قبل الطرف الخصم لتزويد قواته المسلحة بالغذاء أو لدعم مباشر للعمل العسكري، ما لم يؤد ذلك إلى ترك المدنيين دون غذاء أو ماء كافٍ يسبب لهم المجاعة أو التهجير. ويحظر كذلك استهداف هذه المقومات كوسيلة انتقامية

كما تقول المادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تشمل "الإبادة" تعمد فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان.

- عقاب جماعي وجريمة إبادة مكتملة

تربط منظمات حقوقية ودوائر أممية بين مشهد المجاعة المتفاقمة في غزة وسياسة إسرائيلية "ممنهجة" في استخدام التجويع كأداة حرب، سواء عبر منع دخول المساعدات، أو استهداف قوافل الإغاثة، أو التضييق على المواد الغذائية والدوائية عند المعابر. ويصف مراقبون هذه الممارسات بأنها عقاب جماعي يطال المدنيين بالحرمان من أبسط مقومات البقاء.

-نقاط توزيع المساعدات.. رصاص في صدور الجوعى

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، الشهر الماضي، "أن ما لا يقل عن 798 مدنيًا قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية في غزة منذ نهاية مايو 2025".

وأوضح متحدث باسم مكتب المفوض السامي أن 615 من الضحايا سقطوا في محيط مواقع تابعة لمؤسسة "غزة الإنسانية"، فيما استشهد 183 آخرون على طرق قوافل المساعدات، ليتحوّل طابور انتظار الخبز والطحين إلى مشهد موت برصاص الاحتلال.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن الاحتلال الإسرائيلي حول موقع توزيع المساعدات من نقاط للإغاثة الإنسانية إلى مصائد للقتل الجماعي، بينما اعتبرت منظمة "أطباء بلا حدود" أن إسرائيل تستخدم المساعدات أداة لتهجير السكان قسرا.


-الإنزال الجوي.. جريمة قتل مغلّفة بقلب المساعدات الرحيم

يتنامى الرفض الشعبي في غزة لآلية الإنزال الجوي للمساعدات، التي تعتبرها هيئات محلية ودولية "غير مجدية"، ولا تمثل حلًا مناسبًا أمام حالة التجويع الشديد الناتج عن الحصار المشدد وإغلاق المعابر ومنع الاحتلال إدخال الإمدادات الإنسانية منذ 2 مارس الماضي.

وترافق هذه العمليات مشاهد مؤلمة لمجوعين يتدافعون ويتصارعون للحصول على كميات ضئيلة من المعلبات والوجبات الجاهزة التي تحملها الصناديق. وبرزت على منصات التواصل مقاطع فيديو عديدة، من بينها تسجيل لشاب من دير البلح أظهر حصوله على بضعة أرغفة تالفة ومتعفنة، إضافة إلى مظلة النايلون التي كانت تحمل صندوق المساعدات، والتي لجأ إلى استخدامها لتغطية خيمته المتهالكة.

ويؤكد أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أن الإنزال الجوي لا يلبّي الحد الأدنى من الاحتياجات، إذ تعادل كل عملية إنزال بالكاد حمولة شاحنة أو شاحنتين مقارنة بما يمكن إدخاله برًا، ما يجعلها غير ذات جدوى في مواجهة المجاعة المتفاقمة.

وانتقد فيليب لازاريني، رئيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، آلية الإنزال الجوي للمساعدات، واصفًا إياها بأنها "باهظة التكلفة، غير فعّالة، وقد تودي بحياة المدنيين الجائعين إذا سارت الأمور بشكل خاطئ".

وقال لازاريني، إن هذه العمليات تمثل "تشتيتًا للانتباه وتمويهًا"، مشددًا على أن "الجوع الذي تسبّب فيه البشر لا يمكن معالجته إلا عبر إرادة سياسية حقيقية".

ودعا المسئول الأممي الاحتلال إلى "إنهاء الحصار وفتح المعابر وضمان التنقل الآمن والوصول الإنساني الكريم للمحتاجين"، باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء المجاعة في غزة، حسبما نقلت بي بي سي.

-مجزرة الطحين.. الاحتلال ينصب كمينًا للجوعى

في فبراير 2024، فتحت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على مئات المدنيين الذين تجمعوا عند دوار النابلسي في غزة للحصول على مساعدات غذائية، ما أسفر عن سقوط أكثر من 100 شهيد ومئات الجرحى.

وأكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن العشرات من الضحايا أصيبوا بأعيرة نارية مباشرة، نافيًا رواية الجيش الإسرائيلي بأنهم لقوا حتفهم نتيجة التدافع.

ووصف المرصد ما جرى بأنه كمين للجوعى، حيث تزامن مرور المساعدات عبر شارع الرشيد مع تجمع النازحين وسكان غزة والشمال، قبل أن تبدأ قوات الاحتلال عمليات قنص مكثفة بالآليات والدبابات والجنود، وحتى الطائرات المسيّرة التي استهدفت المدنيين بدقة.

-دوار الكويت.. طلقات الاحتلال تقتل الصائمين

بعد نحو أسبوعين فقط من مجزرة الطحين، كرر الاحتلال الإسرائيلي جريمته في دوار الكويت بمدينة غزة، منتصف مارس 2024.

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة استشهاد 23 فلسطينيًا وإصابة مثلهم تقريبًا، بعدما فتحت القوات الإسرائيلية -مدعومة بالدبابات- نيران أسلحتها الرشاشة على المدنيين الذين كانوا ينتظرون المساعدات وأكياس الطحين خلال شهر رمضان.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved