سياسة الفصل الأسري.. كيف حرمت إدارة ترامب المعتقل الفلسطيني محمود خليل من رؤية مولوده؟

آخر تحديث: الخميس 24 أبريل 2025 - 10:47 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

نشرت مجلة "التايم" الأمريكية، تقريرًا أشارت فيه إلى أن المواطن الفلسطيني محمود خليل المعتقل في مركز تابع لإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية بولاية لويزيانا حُرم من حضور ولادة ابنه، رغم تقديم طلب بالإفراج الإنساني المؤقت لهذا الظرف العائلي.

وذكرت "المجلة"، أن المسافة أو التحديات اللوجستية لم تكن السبب في هذا الغياب بل كان نتيجة قرار مباشر من السلطات الأمريكية؛ مما وصفه خبراء بأنه "جزء من سياسة متعمدة للفصل الأسري"، خصوصًا في حالات تتعلق بنشطاء مؤيدين للقضية والحق الفلسطيني.

وقالت الطبيبة الفلسطينية الأميركية نور عبد الله، زوجة المعتقل محمود خليل، في بيان صدر يوم الولادة: "كان هذا قرارًا متعمدًا من إدارة الهجرة كي نعاني أنا ومحمود وابننا.. لا ينبغي أن يبدأ طفلنا حياته بعيدًا عن والده".

وأكدت أن نضالها من أجل زوجها لن يتوقف، قائلة: "سأواصل القتال حتى يعود محمود إلى عائلته.. أريده أن يعلّم ابننا ما تعنيه الشجاعة والرحمة، تمامًا كما عرفته دومًا".

وربطت الدكتورة نور عبدالله، بين هذا الرفض والنشاط السياسي لزوجها، قائلة: "تمت سرقة هذه اللحظات المقدسة منّا، ليس لأن محمود ارتكب جريمة، بل لأنه رفع صوته دعمًا لفلسطين".

كواليس اعتقال محمود خليل

واعتُقل محمود خليل، الذي كان طالبا للدراسات العليا بجامعة كولومبيا، يوم 8 مارس الماضي، بعد مشاركته في احتجاجات طلابية مناهضة للحرب على غزة، ومنذ ذلك الحين وُضع في مركز احتجاز يبعد أكثر من 1000 ميل عن زوجته، رغم عدم توجيه تهم جنائية ضده.

ووفق التقرير، فإن قضية "خليل" باتت الأبرز ضمن قضايا الترحيل المثيرة للجدل خلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي يرى حقوقيون أنها تعيد ممارسات إدارة ترامب الأولى التي اتُّهمت باستخدام سياسات الفصل الأسري لأغراض سياسية، خاصة ضد المسلمين والمهاجرين من أصول شرق أوسطية.

وقالت المحامية الحقوقية ياسمين طايب: "الفصل الأسري أداة قمعية استخدمتها إدارة ترامب سابقًا، ويبدو أنها تعود إليها مجددًا.. محمود خليل لم يُعتقل صدفة في مركز معروف بانتهاكاته، بل تم نقله عمدًا بعيدًا عن زوجته ودعمه الاجتماعي".

قضايا مشابهة

ورصدت المجلة، حالات مشابهة، من بينها قضية باحثة تركية في جامعة تافتس، التي اعتُقلت يوم 25 مارس بالقرب من منزلها في ولاية ماساتشوستس، بعد إلغاء تأشيرتها على خلفية مشاركتها في كتابة مقال طلابي مؤيد لفلسطين.

كما اعتُقل محسن مهدوي الطالب الفلسطيني الحاصل على الإقامة الدائمة، أثناء مقابلة لتجديد وضعه القانوني في ولاية فيرمونت يوم 14 أبريل، بعد مشاركته في تنظيم احتجاجات طلابية.

وأشارت المحامية الحقوقية ياسمين طايب، إلى أن استهداف من يرفعون صوتهم دفاعًا عن فلسطين، يجب أن يُقلق الجميع، هذا يتجاوز قضايا الهجرة، ويمس جوهر حرية التعبير.

وأعاد التقرير، إلى الأذهان ما حدث عقب هجمات 11 سبتمبر، حين اعتقلت السلطات الأمريكية مئات المسلمين والعرب والآسيويين في ظروف وصفتها وزارة العدل لاحقًا بأنها "قاسية وغير مبررة"، مع انقطاع تام للتواصل بين المحتجزين وعائلاتهم.

ومن جهتها، قالت مونا إجي المعالجة النفسية تحت الإشراف في مؤسسة "روه كير" التي تُعنى بتقديم الدعم النفسي للمسلمين، إن الحرمان من مرافقة الزوجة في لحظة الولادة يمثل صدمًة نفسية ذات آثار طويلة الأمد، فهذه ليست فقط لحظة إنسانية فارقة سُرقت من الأب، بل من الطفل أيضًا الذي يبدأ حياته بغياب متعمد للأبوة.

وأكد التقرير، أن إدارة الهجرة والجمارك تملك الصلاحيات القانونية لمنح الإفراج المؤقت لأسباب إنسانية، إلا أنها رفضت الطلب في حالة محمود خليل دون تبرير كافٍ.

وقال المحامي باهر عزمي مدير الشئون القانونية في مركز الحقوق الدستورية: "رفضهم السماح لمحمود برؤية ابنه حديث الولادة يُجسد قسوة بلا حدود.. هذه ليست مسألة قانون، بل قرار انتقامي واضح".

ترامب يحذر من دعم القضية

وأعربت منظمات الحريات المدنية، عن قلقها من تصريحات رسمية أدلى بها ترامب في وثيقة للبيت الأبيض، قال فيها: "إلى كل المقيمين الذين شاركوا في احتجاجات جهادية، نبلغكم أننا سنعثر عليكم، وسنرحلكم.. وسألغي فورًا تأشيرات الطلاب المتعاطفين مع حماس في الجامعات التي غزتها الراديكالية".

رسالة مؤثرة

وفي سياق متصل، كانت صحيفة "الجارديان" البريطانية، نشرت قبل أسابيع، رسالة مؤثرة من الدكتورة عبلة عبدالله الشابة وزوجة محمود خليل، وجهتها إليه أثناء احتجازه، في واحدة من أقوى الشهادات الإنسانية التي وثقت ما وصفته بـثمن قول الحقيقة في وجه السلطة.

وكتبت "عبدالله"، في رسالتها: "كل ركلة، وكل تقلص، وكل حركة بسيطة أشعر بها بداخلي، تذكرني بالعائلة التي حلمنا ببنائها معًا"، في إشارة إلى حملها بابنهما الأول، الذي وُلد لاحقًا في غياب والده.

وتابعت: "ومع ذلك، أجد نفسي أخوض هذه الرحلة العميقة وحدي، بينما أنت محتجز خلف القضبان، ضحية لظلم لا يُطاق".

وأوضحت أن "محمود" لم تُوجَّه إليه أي تهم جنائية، لكن إدارة ترامب تسعى إلى ترحيله استنادًا إلى بند قانوني نادر الاستخدام، يتيح ترحيل غير المواطنين إن اعتُبروا تهديدًا للسياسة الخارجية.

وأكدت أن استهداف زوجها يأتي نتيجة مباشرة لنشاطه السياسي السلمي؛ دفاعًا عن الحقوق الفلسطينية.

وعبّرت "عبدالله"، في رسالتها عن فخرها العميق بـ"خليل"، واصفةً إياه بأنه الرجل الذي يمثل كل ما تمنّيت أن يكونه شريك حياتي ووالد أطفالي.

وأضافت: "ما الذي يمكن أن أطلبه أكثر من رجل يقف بثبات من أجل حرية شعبه؟ شجاعتك لا حدود لها، وأنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، مبهورة بإصرارك".

وانتقدت بشدة ما وصفته بالحملة القمعية التي تشنها الإدارة الأميركية ضد الأصوات المؤيدة لفلسطين، تحت ذريعة مكافحة معاداة السامية، مشيرة إلى أن الجامعات بدورها لم تحمِ طلابها، بل تواطأت بالصمت، وكتبت: "احتجازك الجائر هو الدليل على أنك أثّرت فيهم وفضحت رواياتهم".

واختتمت رسالتها برسالة تحدٍ وصمود، قالت فيها: "سنجتمع قريبًا، لكن حتى ذلك الحين، سأواصل النضال من أجلك، ومن أجلنا، ومن أجل عائلتنا.. أعلم أن روحك لا تنكسر، وأنهم لن يهزموك، وأنك ستخرج أقوى من أي وقت مضى وليس لدي شك أنك حين تُطلق سراحك، سترفع يديك عاليًا وتهتف: فلسطين حرة".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved