التوقيت الصيفي.. كيف غيرت الحروب وأزمات الطاقة نظام الوقت في العالم؟

آخر تحديث: الخميس 24 أبريل 2025 - 7:13 م بتوقيت القاهرة

أدهم السيد

مع بدء تطبيق التوقيت الصيفي في مصر، تتقدم الساعة 60 دقيقة إلى الأمام، ويستيقظ الناس مبكرا لتتزامن أنشطتهم اليومية مع ساعات النهار المضيئة. ورغم أن هذا الإجراء يُحدث تغييرا واضحا في روتين الحياة اليومية، إلا أن القليل يعرف أن وراء هذا النظام قصة طويلة ومعقّدة، تشكَّلت عبر قرون من التجربة، ولعبت فيها الحروب- وفي مقدمتها حرب أكتوبر المجيدة- دورًا محوريًا في تعميمه واعتماده على نطاق واسع.

وتستعرض جريدة الشروق، استنادا إلى كتب مثل اغتنام ضوء النهار، والسيرة الذاتية لمخترعي التوقيت الصيفي، ومذكرات السفير الأمريكي بنيامين فرانكلين، المسار التاريخي لهذا التوقيت، وأسباب ظهوره، وكيف انتقل من فكرة فردية إلى نظام عالمي مرتبط بأزمات الطاقة والسياسات الدولية.

طبيعي دون تدخل الإنسان

اعتمد الإنسان منذ العصور القديمة على ضوء الشمس لتحديد أوقات أنشطته اليومية، قبل ظهور الساعات القياسية. فمع زيادة ساعات النهار طبيعيًا في فصل الصيف وانخفاضها شتاءً، كان المزارعون وأصحاب الحرف يتابعون حركة الشمس لمزاولة أعمالهم التي تنتهي غالبًا مع غروبها. وحتى الشعائر الدينية لدى المسلمين واليهود ارتبطت بحركة الشمس، دون الاعتماد على توقيت موحد أو ساعة معيارية، التي كانت تختلف من منطقة إلى أخرى.

لعب الجولف وصيد الحشرات وراء اختراع التوقيت الصيفي

بدأت أولى الاقتراحات لاعتماد توقيت صيفي رسمي في نهاية القرن الـ18، عندما دعا السفير الأمريكي في فرنسا، بنيامين فرانكلين، الحكومة الفرنسية إلى إطلاق المدافع وقرع أجراس الكنائس مع شروق الشمس خلال الصيف لإيقاظ الناس مبكرًا. كما طالب بفتح الستائر وإطفاء الشموع لتوفير الشمع المستخدم في الإضاءة.

ورغم أن دعوته لم تلقَ استجابة حينها، إلا أن الفكرة عادت للظهور بعد قرن كامل، وتحديدًا عام 1885، من خلال صائد الحشرات النيوزيلندي جون هاتسون، الذي رغب في الاستفادة من ضوء النهار لصيد الحشرات، فقدم ورقة بحثية مكوّنة من نحو 1900 صفحة لإقناع النيوزيلنديين باعتماد توقيت صيفي رسمي.

وفي عام 1908، ظهرت أولى المطالب الرسمية لاعتماد التوقيت الصيفي في بريطانيا، حين اقترح هاوي لعبة الجولف، ويليام ويليت، الفكرة على البرلمان البريطاني. وقد لاحظ ويليت أن كثيرين ينامون في الصباح رغم سطوع الشمس، بينما كان هو يرفض تأخر انتهاء ساعات العمل حتى غروب الشمس، لأنه يقلل من فرصته في لعب الجولف بعد الظهر. ورغم أن حزب العمل تبنّى الفكرة، فإن البرلمان رفضها، وظل ويليت يدعو إلى اعتماد التوقيت الصيفي حتى وفاته عام 1915.

توقيت الحرب

ظهر أول تطبيق فعلي للتوقيت الصيفي في مدينة بورت آرثر الكندية عام 1908، لكن الانتشار الأوسع للفكرة جاء خلال الحرب العالمية الأولى، حين واجهت الإمبراطورية الألمانية وحليفتها النمسا-المجر أزمة في الموارد اللازمة للحرب. وعلى النقيض، كانت دول الحلفاء تملك إمدادات طاقة من مستعمراتها. لذا، قررت الإمبراطوريتان تبني التوقيت الصيفي كوسيلة لتوفير الطاقة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي بقيت بعيدة عن ساحات القتال في معظم الحرب، فقد اعتمدت التوقيت الصيفي لأسباب أخرى، منها خفض تكاليف تشغيل اللافتات الدعائية التي تستهلك كهرباء بشكل كبير. ومع انتهاء الحرب، أوقفت معظم الدول الأوروبية العمل بهذا التوقيت.

نصر أكتوبر والانتشار العالمي للتوقيت الصيفي

ظل التوقيت الصيفي مرتبطًا بالحروب وأزمات الطاقة، فعاد إلى الواجهة خلال الحرب العالمية الثانية، ثم اختفى مجددًا بعد انتهائها، ليعود مرة أخرى بشكل غير منتظم. لكن الأزمة الكبرى التي أعادت فرض التوقيت الصيفي على نطاق عالمي كانت عقب حرب أكتوبر 1973، عندما قررت الدول العربية المصدّرة للبترول مقاطعة الدول الغربية لدعمها الاحتلال الإسرائيلي، مما فجّر أزمة نفطية عالمية.

ومع تصاعد أسعار الوقود والبحث عن بدائل لتقليل استهلاك الطاقة، عاد العالم لاعتماد التوقيت الصيفي، واستمر في تطبيقه حتى بعد انتهاء الأزمة، ليصبح نظامًا توقيتيًا رائجًا في كثير من دول العالم حتى اليوم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved