«بنت من القدس الجديدة».. لأسامة العيسة رواية تعيد تعريف المقاومة

آخر تحديث: الثلاثاء 24 يونيو 2025 - 2:00 م بتوقيت القاهرة

شيماء شناوي

تأخذنا رواية "بنت من القدس الجديدة" للكاتب الفلسطيني أسامة العيسة، الصادرة حديثًا عن منشورات المتوسط-إيطاليا، في رحلة عميقة إلى ذاكرة القدس، لا كما تُروى في كتب التاريخ الرسمية، بل من خلال التفاصيل الإنسانية الدقيقة التي غالبًا ما تُهمل.

ويواصل العيسة في هذا العمل الأدبي، مشروعه في التقاط نبض المدينة من شرايينها الصغيرة، ليقدم صورة شاملة للواقع الفلسطيني المعاش، حيث تتشابك مصائر الشخصيات بين الانتماء والانكسار، والأمل وخيبات المؤسسات.

تُقدم الرواية شخصية صالحة، ابنة حي البقعة، فتاة ذات جمال وثقافة وتمرّد، تتجرأ على الذهاب إلى المحكمة للمطالبة بحقها بعد أن "أُزيلت بكارتها دون وجه حق".

صالحة ليست مجرد ضحية، بل هي رمز لمقاومة فردية جريئة، تقف وحدها في مواجهة قاضٍ ومجتمع قاسٍ وميراث طويل من التواطؤ والخوف. هي تجسيد للجسد الهشّ في مدينةٍ تُبنى جدرانها ليس فقط من الحجر، بل من القيود الاجتماعية أيضًا.

بأسلوب ساخر، مشبع بالتفاصيل الدقيقة وعين ناقدة حادة، يتناول العيسة تقاطع الجسد مع القانون، ويكشف عن مفهوم الشرف حين يُعرّى أمام مؤسسات عاجزة. إنه يكتب عن القدس التي لا تُقرأ من حجارتها الشاهدة على التاريخ فحسب، بل من خلال نسائها اللواتي يحملن قصصًا لا تُحصى.

الرواية ليست مجرد حكاية فتاة، بل هي قراءة في مدينة كاملة تُروى من خلال الفجوات التي خلّفها الاحتلال، ومن خلال تفاصيل الحياة اليومية الشرسة في صدقها والغريبة في واقعها.

يعيد العيسة في رواية «بنت من القدس الجديدة»، تشكيل ذاكرة القدس من زواياها الهامشية: من خوخات السور، من المحاكم، ومن الشوارع التي شهدت الكثير وصمتت.

تُغمر الرواية بلغة سردية غنية، وتفاصيل المكان المقدسي غير المروّض، المتأرجح بين التاريخ والأسطورة، وبين المطبّات اليومية والخيبات الكبرى. في "بنت من القدس الجديدة"، تتحول الحكاية إلى وسيلة للمقاومة، ويصبح الهامش هو المتن الحقيقي الذي يكشف أعمق الحقائق. صدر الكتاب في 160 صفحة من القطع الوسط.

ومن أجواء الرواية نقرأ: أنا الكاملة المكمّلة، تُضرَب الأمثال في حُسني، وجمالي، وكمالي، وبهائي!. نبَّهها القاضي بضرورة التزام الصمت، وإلَّا غرامة بتهمة إهانة المحكمة. ردَّت: وماذا تسمّي أكاذيب هذا الكلب؟! أَليست إهانة؟.

شعر القاضي، أنَّ ليس فقط حبله سيفلت، ولكن حبالاً كثيرة قد تتقطَّع، وهو يتذكَّر قول المعرِّي لمَنْ وصفه بالكلب: الكلب مَنْ لا يعرف أنَّ للكلب سبعين اسماً. هذا المحمّد الغريب بالكاد يعرف اسماً واحداً!. طلب القاضي، مضطرّاً، إخراج صالحة من الغرفة. على الأرجح لم يسمعها، أو أنه سمعها تقول: محكمتكم مثل وادي عارة، يقطع فيه الطريق، وتجاهل القول".

وأسامة العيسة، كاتب وصحفي فلسطيني وُلد في مخيم الدهيشة بمدينة بيت لحم عام 1963م. له العديد من المؤلفات الأدبية والبحثية في القصص والروايات والآثار وطبيعة فلسطين. أعدّ أبحاثًا لأفلام تسجيلية عن الثقافة والسياسة في فلسطين. حصلت روايته "مجانين بيت لحم" على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة الآداب عام 2015، ووصلت روايته "سماء القدس السابعة"، الصادرة عن منشورات المتوسط، إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2024.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved