الناقد أمير العمري يرصد التحربة الإبداعية وسينما مابعد الحداثة للمخرج الأمريكي كوينتين تارانتينو

آخر تحديث: السبت 26 يوليه 2025 - 12:04 م بتوقيت القاهرة

خالد محمود

صدر مؤخرًا عن مؤسسة غايا للإبداع كتاب "عالم تارانتينو وسينما ما بعد الحداثة" للناقد السينمائي أمير العمري، الذي يتناول التجربة الإبداعية للمخرج السينمائي الأمريكي المرموق كوينتين تارانتينو، إذ يقع الكتاب في 304 صفحات، ويضم عشرة فصول، وثلاثة ملاحق وقائمة كاملة بأفلام المخرج.

ويلخص المؤلف موضوع كتابه في تقديم له: "إن تارانتينو هو أكثر أبناء جيله تأثيرا في جمهور السينما، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في العالم، وهو أساسًا هاوٍ سينما، وهذا أكثر ما يعجبني فيه، أي إنه عاشق للأفلام، لكل أنواع الأفلام، كما أنه يعبر عن نفسه في اندفاع صادق وحميمي ساخن عندما يرفع فيلماً ما إلى عنان السماء، أو يهوي بفيلم آخر حتى من أفلام المخرجين الذين نعتبرهم من العمالقة، إلى أسفل سافلين، وهو يفعل ذلك مثل أي طفل مشاغب أدمن مشاهدة الأفلام، ويعبر في كل أفلامه، بطريقة ما، عن تقلصاته الشخصية، أي مزاجه المتقلب العنيف".

وأضاف: "وحوارات هذه الأفلام مستوحاة من الحوارات التي يستمع إليها في الشارع، عند ناصية ما، أمام إحدى محطات الحافلات، داخل مقهى أو حانة، أو مطعم بيتزا، كما تعبر شخصيات أفلامه عن خياله الخاص، ولا صلة لها بما عرفناه عن الواقعية، فهو لا يكترث لفكرة تصوير الواقع أو الإيهام به، فاهتمامه الأساسي ينصب على التعبير الشخصي عن عالمه، عما يشعر به تجاه البشر والعالم والتاريخ، ومن التاريخ يستقي بعض أفلامه البديعة كما سنرى، لكنه يلوي عنق التاريخ ويطوعه لحسابه، لفكره الخاص وأساسا، لخياله الجامح، إنه بهذا المعنى "فنان سينما"، صاحب رؤية، وليس مجرد مخرج ينفذ سيناريوهات يكتبها غيره ولا شأن له بما تتضمنه".

وتابع: "تمتليء أفلام تارانتينو بالحوارات العبثية الغريبة والقريبة في نفس الوقت من المشاهدين، التي تخرجنا عن السياق الموضوعي أو الدرامي للأحداث، وتشغلنا بتعليقات طريفة ترتبط بالثقافة الشعبية (البوب)، سواء على بعض الأفلام والممثلين والمغنين، أو الأبطال الخرافيين (سوبرمان وسبايدر مان)، وهذا المزيج أو "الـ pastiche يعتبر العصب الأساسي في فنون ما بعد الحداثة".

وواصل: "رغم أن تارانتينو لم يدرس السينما بل جاء إلى عالم الإخراج من الهواية، ومن مشاهدة الأفلام، إلا أنه نجح، وأجبر هوليوود على الاعتراف به وبموهبته، ففُتحت الأبواب أمامه دون وضع أي قيود عليه، ومع ذلك، ورغم نجاح أفلامه، لم يخرج تارانتينو طوال 31 سنة، سوى تسعة أفلام روائية طويلة فقط، يتناولها المؤلف في الكتاب بالتحليل من خلال منهجه العلمي الدقيق الذي ميز كتبه الأربعة السابقة عن المخرجين الكبار: فيديريكو فيلليني، سيرجيو ليوني، مارتن سكورسزي، وودي ألن، فهو يدرس العلاقة بين المخرج (الذي هو في الوقت نفسه مؤلف جميع أفلامه وبالتالي صاحب رؤيتها)، وبين نظرته للعالم، أي فلسفته الخاصة في النظر إلى ما يحدث في عالمنا، وكذلك ميله الواضح إلى الاقتباس من أعمال فنية أخرى، ثم يصوغ هذه الاقتباسات في سياق جذاب يتمتع بالاستقلالية والوجود الحر".

وقال: "أصبح كل فيلم جديد لتارانتينو، يُعتبر حدثا يثير اهتمام الموزعين والنقاد والملايين من عشاق سينما هذا المخرج الذي أحدث ظهور فيلمه "كلاب المستودع"Reservoir Dogs ، عام 1992 انقلابا في تاريخ السينما الأمريكية، خاصة في صياغة أفلام الجريمة التي تحولت على يديه إلى بناء سينمائي شديد الجاذبية، كأنها رقصات رعب، ومرح، وقتل يمارس كلعبة عبثية، وهي عادة ما تمتلئ بالشخصيات العدمية، التي لا تكف عن الصياح والشجار وتبادل الاتهامات والشتائم، تقطعها مشاهد تسيل فيها الدماء أنهارا".

وأضاف: "لكن على الرغم من الإتقان الشديد في تنفيذ هذه المشاهد الدموية، واقتباس بعضها من أفلام أخرى تنتمي إلى ما يعرف بـ "الفيلم - نوار"film-noir، إلا إنها بإخلاصها لما يدور في الواقع (من مشاحنات وهياج عصبي... إلخ) تتخذ طابع الكوميديا مع بلوغ الإحساس بعدمية اللحظة نفسها. فكل شيء في أفلام تارانتينو لا معنى له، فما تفعله من الممكن جدا أن يؤدي، إما إلى النجاة، أو إلى الهلاك، وما تظنه ضعيفا يمكنه أن يفاجئك بقوته الكامنة فجأة، ويصعقك بها، فالقوة والحق والحقيقة كلها أمور نسبية، والواقع بالمعنى الكلاسيكي لا وجود له، بل لدينا واقع آخر نخلقه نحن من خيالاتنا وأوهامنا ورغباتنا، والصدام الذي ينتج ما هو سوى نتاج لرغبتنا في تطويع الواقع لما نريده ونسعى لتحقيقه: المال والجنس والسلطة".

وتابع: "ونهايات أفلام تارانتينو؛ نهايات خيالية، تعني إن الخيال مستمر، وهي نهايات غير تقليدية تكاد تدفع الجمهور إلى الجنون، فرغم إنها ليست نهايات سعيدة؛ إلا أنها لا تغلق الدائرة ولا تنفي مختلف الاحتمالات".

واختتم: "الرحلة في الكتاب توفر متعة ذهنية خالصة، وتدفع دون شك إلى العودة لمشاهدة الأفلام نفسها والاستمتاع بها بعد غدراك الكثير من خفايا الأسلوب واللغة السينمائية".

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved