زمن زياد.. قديش كان فيه ناس: عن رمزية زياد رحباني الثقافية وتأثيره على عصره
آخر تحديث: السبت 26 يوليه 2025 - 6:40 م بتوقيت القاهرة
الشيماء أحمد فاروق
رحل عن عالمنا الفنان اللبناني البارز زياد الرحباني، تاركا لجمهور اللبناني والعربي إرثاً من الموسيقى والمسرحيات والأفكار، عن عمر ناهز 69 عامًا، وزياد هو نجل الفنانين فيروز والراحل عاصي الرحباني ويُعد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي.
تعد شخصية زياد من الشخصيات الثرية ثقافيا، لأنه إنسان صاحب موقف فني وتراث من التجديد، وايضاً شخص صاحب موقف سياسي وآراء جدلية كثيرة، وهذه التفاصيل المتشابكة في شخصيته تجعله محل اهتمام من الجمهور للتعرف عليه أكثر، ومن أهم الكتب التي يمكن التعرف على زياد من خلالها، كتاب "زمن زياد.. قديش كان فيه ناس"، من تأليف طلال شتوي.
كتاب "زمن زياد.. قديش كان فيه ناس"، صدر عن دار الفارابي، في أكتوبر عام 2016، والكاتب اعتمد في اختياره للعنوان على مقولة للشاعر جوزف حرب عام 1993: "زياد الرحباني يلتقي مع كل إنسان جاء إلى هذه الأرض"، والتي شكلت نقطة الانطلاق لتجميع الحكايات المتنوعة حول شخصيات مرت في زمن زياد، وهي العبارة التي يفتتح بها شتوي الكتاب.
يشير شتوي إلى أن الكتاب ليس سيرة غيرية عن زياد الرحباني، بل سجل روائي لحياة أشخاص عاشوا في بيروت عبر عقود، ومن خلالهم نستحضر الموسيقى والسياسة، الثقافة والخذلان، الفرح والحزن، ضمن قالب سردي تسجيلي، يتقاطع بين التوثيق وسرد السيرة، والأسلوب الروائي في الحكي.
يقدم الكتاب قصصًا وحكايات لأشخاص لم يلتقوا زياد شخصيًّا، لكن قصصهم تصادفت مع فنه وفكره في لحظات ومواقع مختلفة من بيروت والعواصم المجاورة، وهذه النقطة تعبر عن مدى تأثير زياد الممتد خارج مدينته، وبذلك يكون شتوي لا يكتفي بتقديم زياد كرمز موسيقي مهم، بل يضعه ضمن سياق اجتماعي وثقافي أوسع، ويغطي فترات من السبعينات حتى بدايات الألفية.
أيقونة ثقافية
وزياد الرحباني في هذا الكتاب لا يظهر كشخص، بل كـ علامة ثقافية، الناس لا تتحدث عنه مباشرة، بل تستحضر أفكاره، أغانيه، مسرحياته، لغته الساخرة، ومواقفه السياسية، من خلال حياتهم هم.
يختار شتوي شخصيات النص بصورة تتطابق تجاربهم مع السياق السياسي الذي كانت أعمال زياد تنتقده: الانكسار بعد الحرب، الشعور بالخذلان من التنظيمات السياسية، انهيار الطبقة الوسطى، فقدان الأمل، ولكن دون التخلي عن السخرية.
وهذه الأنساق الثقافية، اي البُنى من القيم والمعتقدات والعادات والرموز التي تحكم تصرفات الناس وطريقة فهمهم للعالم من حولهم، تجعل من زياد حاضرًا داخل عمق الزمن حتى عندما يغيب عن الحضور الجسدي، فهو روحُ يتقاسمها الجميع، كما يضع النص زياد كرمز لمواقف ورغبات جيله، الذي عاش الحرب وشهد الموت في كل مكان.