الخروج من هدوء الضيعة إلى فوضى المدينة .. عنوان تعاون زياد الرحباني مع والدته فيروز

آخر تحديث: السبت 26 يوليه 2025 - 3:52 م بتوقيت القاهرة

محمد حسين

ودع اللبنانيون الموسيقيار زياد الرحباني، نجل الأسطورتين فيروز وعاصي الرحباني، عمر ناهز 69 عاماً، بعد مسيرة فنية حافلة وأيقونية، ترك خلالها بصمته العميقة في الموسيقى والمسرح.
ونعى الرئيس اللبناني، جوزيف عون، الرحباني قائلاً في بيان: "لم يكن زياد الرحباني مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافية متكاملة، كان ضميراً حيّاً، وصوتاً متمرّداً على الظلم، ومرآة صادقة للمعذبين والمهمّشين"، معتبراً أنه "كان يكتب وجع الناس، ويعزف على أوتار الحقيقة، من دون مواربة".
ويُعد زياد أحد أبرز المجددين في الأغنية اللبنانية والمسرح السياسي الساخر. بدأ مسيرته الفنية مطلع السبعينيات، حين قدم أولى مسرحياته الشهيرة "سهرية"، وكتب ولحن لاحقاً لوالدته فيروز العديد من الأعمال، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء اللبنانية.

ثنائية زياد وفيروز.. الخروج من الضيعة للفوضى

وبحسب المفكر والكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز في مقال له جاء بكتاب"وطن اسمه فيروز"، فإن حقبة ما بعد عاصي الفيروزيّة هي حقبةُ ابنهما الكبير زياد، وزياد خِـرِّيجُ مدرسة عاصي والرّحابنة والخارج عليهما في آن، والفنّان الذي رَبِيَ على صوت والدته وانْسَكَنَ به، فما جَرُؤَ على إدارة الظّهر له في عزّ استقلال عمله الفنّـيّ عن الصّيغة الرّحبانيّة والبَصْمة الرّحبانيّة، وفي عزّ اندفاعته للبحث عن أصواتٍ أخرى تحْمل مشروعه (جوزف صقر، سامي حوّاط…).
ويضيف بلقزيز، ومع الثّنائيّ فيروز- زياد ستشهد الرّحبانيّةُ على مرحلتها الثّانية، ومعها سيدخل الصّوتُ الفيروزيّ طوراً من التّكـيُّف جديداً، من غير أن يَفْتَـاق إلى أيٍّ من مواردِ الطّاقةِ والقـوّةِ والجمال فيه؛ تلك التي صنعت لصوت فيروزَ سلطانَه السّاحرَ في النّفوس لردْحٍ من الزّمنِ طويل.

وواصل :"لقد بدأ عمل فيروز وزياد منذ وقتٍ مبكّـر من رحيل عاصي: منذ «سألوني النّاس» و«حَبّو بعضُن» وسواها في فترةٍ لم يبلغ فيها ابنُها سنّ الشّباب بعد. والأرجحُ أنّه تعاوُنٌ شجَّـعَ عليه عاصي ومنصور على عِلْمِهما باختلاف لغة زياد الموسيقيّة عن لغتهما (التي لا نعثر على بصمتها في عمل زياد سوى في أغنيات مسرحيّته الأولى «سهريّة» -1973-) تُـوِّج التّعاوُن بإصدار المجموعة الغنائيّة «وحْدُن»، ولكنّه استمرّ في سنوات الثّمانينيّات، وخصوصاً بعد وفاة عاصي، لِتَبْدأ ملامحُ التّجربة الجديدة في التّـبيّن في عشرات الأعمال؛ من تلك التي جُمِعَت في: «خلّيك بالبيت»، و«كيفك إنت»، و«مش كاين هيك تكون»، و«إيه فيه أمل»، أو التي قُـدِّمت في حفلات مهرجانات بيت الدّين وبعلبك، أو بعض ما أعاد زياد توزيعَه وإصدارَهُ في: «إلى عاصي»… إلخ".


 لماذا نجح التعاون بين فيروز وزياد؟


‫ ويؤكد أت العملُ بين فيروز وزياد أصاب حظّاً كبيراً من النُّجْاحِ لأسبابٍ تهيّـأتْ له منهما معاً: من قدرة الصّوت الفيروزيّ المذهلة على التّأقلُم مع كلّ قوالب التّعبير الموسيقيّ- الغنائيّ، وعلى أداء الجُمَل والنّصوص المؤلَّفة على تلك القوالب؛ ومن حاجة المشروع الموسيقيّ لزياد إلى أَجَـلِّ صوتٍ يحْمله إلى العالَم. فأمّا قدرةُ الصّوت الفيروزيّ فمَأْتاها من الطّاقات الهائلة التي يُضْمِرُها صوتُها… وينفرد بها. وقد أتى التَّبـدِّيُّ الأكبر لتلك القدرة على التّكيُّف يعبّر عن نفسه في أداءٍ غنائيّ سَلِس لنمطٍ من التّأليف الموسيقيّ مختلف يمزج فيه زياد بين الموسيقا الشّرقيّة والموسيقا الغربيّة (والجاز أحياناً)، بين تأليفٍ قائمٍ على الميلودي وآخر قائمٍ على تعدُّدٍ في النّغمات؛ بين ميلودي مُفْـرَد الصّوت Monophonic وثانٍ مزدوج Biphonic، وثالث متعدّد الأصوات Polyphonic؛ بين نصوصٍ مبْناها على النّغمة وأخرى على الإيقاع.

دفائن الغنى في الصّوت الفيروزيّ

ويوضح أن أسلوب زياد، وعلى ما يبدو عليه من بساطة، أسلوب تركيبيّ يتخطّى واحديّة اللّحن والتّنميط فيه، ويميل إلى كَسْرِ امتدادِ الجملة الموسيقيّة من غير إحداث أيّ نشاز وليس يسيراً على غيرِ صوتِ فيروز أن يستوعب مثل هذا التّأليف المركَّـب، وغيرِ النّمطيّ، ويؤدّيه غنائيّاً على النّحو الأمثل أمّا من جهة زياد، فقد نجح في أن يكشفَ عن دفائن الغنى في الصّوت الفيروزيّ، وأن يُجَلّيها في أعماله مُقيماً دليلاً جديداً على أنّه الصّوت الذي لا مستحيل لديه يمنعه من الأداء المتألّق، لأنّه - بكلّ بساطة - صوتٌ غير نمطيّ. ما من شكّ في أنّ تجربة فيروز- زياد أقلُّ رومانسيّةً من تجربة فيروز-عاصي/منصور، لكنّها أكثرُ واقعيّةً منها حتّى وإنْ كان الأَخَوان الرّحبانيّ سيِّدا الواقعيّة (بعد سيّد درويش)؛ ذلك أنّ واقعيّة زياد فاقعة وصارخة، أحياناً،… ومسكونة باليوميّ: واقعيّة تنتمي إلى فوضى المدينة وعنفِ علاقاتها الطّبقـيّة لا إلى هدْأةِ الضّيعة ورابطها الأهلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved