ماذا بعد دعوة عبدالله أوجلان لحل حزب العمال الكردستاني؟
آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2025 - 7:27 م بتوقيت القاهرة
محمد هشام
في إعلان وصف بـ"التاريخي"، دعا مؤسس حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، إلى حل الحزب وإلقاء السلاح، في بداية محتملة لإسدال الستار على صراع استمر أكثر من أربعة عقود، تخوض تركيا حربا ضد حزب العمال الكردستاني في شرق البلاد راح ضحيتها أكثر من 40 ألف شخص سواء في هجمات الحزب على أهداف عسكرية ومدنية، أو في العمليات العسكرية التركية ضد المسلحين.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، لا يزال من غير الواضح مدى فعالية دعوة أوجلان وما إذا كانت الحكومة التركية تقدم أي شيء للحزب مقابل إنهاء القتال.
• جذور الصراع
شن حزب العمال الكردستاني تمردا مسلحا ضد الدولة التركية في أوائل الثمانينيات، سعيا في الأصل إلى استقلال الأكراد، الذين يُعتقد أنهم يشكلون حوالي 15% أو أكثر من سكان تركيا.
وانطلق مقاتلو الحزب من الجبال في شرق وجنوب تركيا، وهاجموا القواعد العسكرية التركية ومراكز الشرطة، مما دفع الحكومة إلى شن حملات عسكرية لمواجهتهم.
وفي وقت لاحق، امتد الصراع إلى أجزاء أخرى من البلاد، مع تفجيرات حزب العمال الكردستاني المدمرة في المدن التركية والتي أسفرت عن مقتل العديد من المدنيين.
وفي عام 1999، ألقت تركيا القبض على أوجلان وأدانته بقيادة منظمة إرهابية مسلحة. وحُكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى السجن مدى الحياة. ومع سجنه، حول أوجلان أيديولوجيته بعيدًا عن الانفصال إلى حقوق الأكراد داخل تركيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وعلى مدى العقد الماضي، نجح الجيش التركي في هزيمة مسلحي حزب العمال الكردستاني في المدن الكردية الكبرى في جنوب شرق تركيا، بينما استخدم طائرات بدون طيار "درونز" لاستهداف قادة ومسلحي الحزب مما أعاق قدرته على تنظيم وتنفيذ الهجمات.
وكان الصراع في حالة غليان منخفضة لسنوات، على الرغم من أن هجمات حزب العمال الكردستاني العرضية أحيت المخاوف من صراع أوسع نطاقا.
• محاولات فاشلة للتسوية
شهد العقود الثلاثة الماضية، جهودا متعددة لتجميد أو إنهاء الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، بدءا بوقف إطلاق النار في عام 1993. ولكن جميع هذه الجهود انهارت، مما أدى في كثير من الأحيان إلى المزيد من إراقة الدماء.
وظل العنف يشتعل بين الحين والآخر حتى بدأت جولة جديدة من محادثات السلام في عام 2011.
وفي ذلك الوقت، التقى ضباط المخابرات التركية مع أوجلان في السجن لوضع خطة لنزع سلاح مقاتليه، كما نقل الساسة الأكراد الرسائل بينه وبين رفاقه في شمالي العراق، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
ولكن العملية انهارت في منتصف عام 2015، حيث ألقى كل طرف اللوم على الآخر في هذا الفشل.
وتلى ذلك واحدة من أكثر مراحل الصراع دموية، حيث اندلعت معارك ضارية في مدن جنوب شرق تركيا أسفرت عن مقتل أكثر من 7 آلاف شخص، وفقا لمجموعة الأزمات الدولية.
وتشير "نيويورك تايمز"، إلى أنه على الرغم من أن تركيا لا تزال تعتبر حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية انفصالية لا تمثل الأكراد، إلا أنها اعترفت بـ"بعض الانتهاكات التاريخية" لحقوق الأكراد ووسعت هوامش اللغة والثقافة الكردية. كما رخصت للبث التلفزيوني والإذاعي باللغة الكردية وسمحت باللغة الكردية كمادة اختيارية في بعض المدارس.
ولكن في الوقت نفسه، عزلت الحكومة أكثر من 150 رئيس بلدية كرديا منتخبا من مناصبهم منذ عام 2015، وفقًا لحزب "الشعوب للعدالة والديمقراطية" (ديم)، الظهير السياسي للأكراد والممثل بمقاعد في البرلمان. وقد اتُهم أغلب رؤساء البلديات المعزولين، بجرائم تتعلق بحزب العمال الكردستاني، وانتهت تلك القضايا بإدانة بعضهم.
• كواليس المفاوضات الأخيرة
يأتي إعلان أوجلان بعد أن اقترح دولت بهتشلي، رئيس حزب الحركة القومية وحليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكتوبر الماضي أن يُعرض على أوجلان الإفراج المشروط إذا أعلن حزب العمال الكردستاني رفضه للعنف وحل نفسه.
وقد زار نواب حزب "الشعوب للعدالة والديمقراطية"، أوجلان في سجنه مرتين منذ ديسمبر الماضي، وكانت الزيارة الثالثة قبيل إعلان تلك الدعوة اليوم خلال مؤتمر صحفي في إسطنبول.
أما عن دوافع الحكومة التركية لتلك الوساطة من جانب حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية، تشير إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية، إلى أن أردوغان قد يحتاج إلى دعم حزب الشعوب من أجل البقاء في السلطة، حيث لا يسمح له دستور تركيا بالترشح للرئاسة مرة أخرى، ويفتقر أردوغان حاليا إلى الأغلبية اللازمة في البرلمان لتعديل دستوري يسمح له بالترشح لولاية رئاسية رابعة في عام 2028.
• ارتدادات إقليمية مرتقبة
أما عن تداعيات دعوة أوجلان على الجماعات الكردية المسلحة في المنطقة، يقول سونر جاجابتاي مدير "برنامج الأبحاث التركية" في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني إنه لطالما شجعت الولايات المتحدة الحوار التركي-الكردي وإنهاء أنقرة للصراع مع حزب العمال الكردستاني.
وذكر أنه على الرغم من أن واشنطن تملك نفوذا محدودا، إن لم يكن معدوما، على الجهات السياسية التركية مثل حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية، إلا أنها قادرة على ممارسة ضغوط مباشرة على وحدات حماية الشعب الكردية (قوات سوريا الديمقراطية) في سوريا.
وأوضح جاجابتاي - في ورقة بحثية صادرة عن المعهد- أن الولايات المتحدة لديها حافز قوى لمتابعة هذا النهج، إذ أن إقصاء حزب العمال الكردستاني من المشهد السياسي في سوريا قد يمهد الطريق أمام تعاون إستراتيجي أوسع بين تركيا وواشنطن، إلى جانب تعزيز الشراكة مع الأكراد السوريين في عدة قضايا تخدم المصالح الأمريكية.
وتابع: "تشمل هذه القضايا الحد من خطر تنظيم داعش الإرهابي، وإعادة إعمار سوريا، إضافةً إلى بناء علاقات أكثر استقرارًا بين تركيا ومختلف الجماعات السورية"، معتبرا أنه "ينبغي على واشنطن مواصلة الضغط على قوات سوريا الديمقراطية للاستجابة لدعوة أوجلان من أجل تحقيق هذه الأهداف".
من جهته، يرجح الباحث المتخصص في الشأن الكردي، فلاديمير فان ويلجنبرج، أن تستجيب وحدات حماية الشعب الكردية لطلب أوجلان إذا دعاهم للتعاون مع تركيا، حتى لو نصحهم بعض القادة في معقل الحزب بجبال قنديل بعكس ذلك.
وأوضح ويلجنبرج، أنه على رغم أن أوجلان لم يكن القائد الفعلي لحزب العمال الكردستاني منذ عقود، لكنه لا يزال يحظى باحترام واسع داخل الحزب، حيث يُنظر إليه على أنه "المؤسس الملهم" وزعيمها التاريخي، وقد تم إعلانه "رئيسا فخريا" خلال وجوده في السجن، أما القيادة الفعلية للحزب، فتتوزع بين القادة المتمركزين في مقره الرئيسي بجبال قنديل، ومن بين هؤلاء القادة المعروفين جماعيا باسم "جماعة قنديل"، مراد كارايلان، وجميل بايك، ودوران كالكان.
وأشار ويلجنبرج إلى انتماء غالبية هؤلاء القادة إلى نفس الجيل الأيديولوجي لأوجلان، فهم أكراد من مواليد تركيا، تركوا جامعاتهم المرموقة في فترة السبعينيات لتأسيس الحزب وكرسوا حياتهم لتحقيق أهدافه.