كيف رأى زياد الرحباني المشهد السياسي في لبنان؟
آخر تحديث: الأحد 27 يوليه 2025 - 2:23 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
يشيّع اللبنانيون جثمان الفنان والموسيقي الراحل زياد الرحباني، في الرابعة بعد ظهر غدٍ الإثنين، من كنيسة رقاد السيدة بالمحيدثة، في وداع أخير لـ"الموسيقيار" الذي ترك بصمة لا تُمحى في الذاكرة الفنية اللبنانية والعربية.
وأحدث نبأ وفاة زياد الرحباني، صدمة واسعة في الأوساط الثقافية والفنية، حيث تناقل محبّوه عبر منصات التواصل الاجتماعي مقاطع من أعماله الموسيقية والمسرحية، مصحوبة بكلمات رثاء ووداع مؤثرة، عبّرت عن مدى الحزن لرحيل هذا الصوت المختلف والموهبة الفذة.
وعلى المستوى الرسمي، نعت الرئاسات الثلاث في لبنان الفنان الراحل، إذ تقدّم بالتعازي كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، في بيانات أكدت تقدير الدولة لإسهاماته الفنية والمجتمعية.
وعلى الرغم من اختلاف أصوات السياسيين، فإن رحيل زياد الرحباني وحّد المنابر اللبنانية، إذ اتفقت التصريحات الرسمية والشعبية على أن لبنان خسر برحيله أحد أجرأ مبدعيه.
وشغلت السياسة حيزاً واسعاً من مسيرة زياد الرحباني، إذ عبّر عن مواقفه وآرائه في مناسبات عديدة، شكّلت امتداداً لمشروعه الفني والإنساني.
ونستعرض فيما يلي جانباً من تلك المواقف التي قالها بصراحة ووضوح:
*الطائفية والدين والسلطة
في تصريحات سابقة، لقناة دويشه فيله الألمانية، انتقد الرحباني الواقع السياسي اللبناني، قائلاً إن الأحزاب في لبنان باتت "تكتلات طائفية" تخدم مصالح فئة محددة، ولا تقوم على أساس وطني أو اجتماعي شامل.
وأضاف: "حتى الحزب الذي يُفترض أنه يمثل الطبقات الاجتماعية من مختلف الطوائف، عاد ليصبح طائفياً خلال الحرب، قبل 1975، كانت هناك حركات طلابية ونقابية تُشبه مثيلاتها في أوروبا، لكن بعد اندلاع الحرب الأهلية، ضعفت الأحزاب العقائدية، وهيمنت الطائفية."
وحمل هذه القوى مسئولية استغلال الطائفية للبقاء في السلطة: "همّ هذه الأحزاب ليس التغيير أو خدمة الناس، بل البقاء في الحكم بأي ثمن، الطائفية وسيلة فعالة لجمع الأنصار وتكريس الزعامة، وهي أيضاً أداة للبقاء الدائم في السلطة."
وفي رؤيته لعلاقة الدين بالسلطة، أوضح أن التاريخ غالباً ما يظهر ارتباطاً وثيقاً بين رجال الدين والأنظمة الحاكمة، مستثنياً بعض التجارب النادرة في روسيا وأمريكا اللاتينية رجال الدين، تاريخياً، كانوا دائماً قريبين من السلطة، باستثناء حالات نادرة خرجوا فيها من مؤسساتهم وانحازوا للشعوب.
*حزب الله: دعم في الحرب وخلاف في حرية الفن
أصدرت العلاقات الإعلامية في حزب الله بياناً نعت فيه الرحباني، مقدّمةً أحرّ التعازي إلى عائلته ومحبيه في لبنان والعالم العربي، واصفةً إياه بـ"القامة الفنية الوطنية المقاومة"، التي رحلت بعد مسيرة حافلة بالعطاء والحب والإبداع.
وأشار البيان، الصادر مساء السبت، إلى أن الرحباني جسّد من خلال فنه ومواقفه نموذجاً للفن الهادف في خدمة الوطن والإنسان، مشيداً بقدرته على رسم "صورة الوطن الحُلم من على خشبة المسرح، وطن الكرامة والوحدة والعيش المشترك".
لكن علاقة زياد الرحباني، بحزب الله لم تكن دائماً متناغمة، إذ شهدت مواقفه تقاطعات وتحفظات، عكست استقلاليته الفكرية والسياسية، فرغم دعمه الواضح للمقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وظهوره في مهرجانات الانتصار بعد حرب تموز 2006، فإنه لم يتردد في انتقاد الحزب علناً عام 2014، في مقابلة مع الصحفي جاد غصن على قناة الجديد.
وأوضح "الرحباني"، أنه كان يُحيي حفلاً في منطقة الناقورة، وطلب من الجمهور تسجيل الحفل ومشاركته على وسائل التواصل، لكنه فوجئ بعدم ظهور أي تسجيل، مرجحاً وجود تشويش متعمّد على البث، قال إنه لا يمكن أن يصدر عن جهة عادية.
وربط هذا الحادث بانتقادات وجّهها خلال الحفل إلى حزب الله، لعدم اعترافه بدور الحزب الشيوعي اللبناني ومقاوميه، مستشهدًا بالمناضلة سهى بشارة، التي حاولت اغتيال العميل أنطوان لحد.
وقال الرحباني، إن موقفه لم يأتِ فجأة بل هو نتاج تراكمات، مضيفًا: "لا يمكن أن نخسر الحزب الشيوعي وكل البلد من أجل حزب الله.. نحن حلفاء، لكنه لا يردّ على هذا التحالف بالمثل، ولا يذكرنا في خطاباته."
وفي تمييز لافت، حاول الرحباني الفصل بين الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، وبين القيادات الأخرى: "هو شيء، وهم شيء آخر.. وهذا أمر لا يطمئن"، مضيفاً أن "السيد قد يتعرض لضغوط"، لكنه تساءل أيضاً: "لماذا لا يستخدم نصر الله كل طاقاته؟".
عبّر "الرحباني"، عن انزعاجه من غياب المشروع الفكري لدى حزب الله: "الاستشهاد شيء، لكن النظرية والمشروع شيء آخر"، منتقداً خلو الحزب من أي بنية فكرية تشبه النظرية الماركسية التي آمن بها طيلة حياته.
*الوعد الأجمل.. حسن نصر الله وقناعة هزيمة إسرائيل
مواقفه من حزب الله وحق المقاومة في لبنان في تصريحات لقناة الميادين، كشف الموسيقار اللبناني زياد الرحباني عن رؤيته الخاصة لموضوع المقاومة في لبنان، مؤكدًا دعمه الثابت لمبدأ المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال، مع إقراره بتراجع بعض القوى التقدمية عن هذا المسار لأسباب واقعية.
وفي حديثه عن الحزب الشيوعي اللبناني، الذي لطالما ارتبط به فكريًا، أقرّ بأن الحزب لم يعد قادرًا على التفرغ لمشروع المقاومة كما في السابق، مرجعًا ذلك إلى "ظروف داخلية صعبة، وضعف التمويل".
وفيما يتعلق بمشاركته في مهرجان الانتصار عام 2006، الذي أُقيم عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، دافع الرحباني عن حضوره قائلًا: "كان لا بد من الاحتفال بهذا اليوم، لأن لبنان انتصر بالفعل، ولأن مثل هذه الأخبار لا تتكرر كثيرًا في التاريخ المعاصر، ولا تُمحى بسهولة."
وأضاف مؤكدًا اقتناعه بأن ما حدث في حرب تموز غيّر النظرة الإسرائيلية بشكل جذري، وأعاد ترتيب حسابات الردع.
أما عن مشاركته في مهرجان "الوعد الأجمل"، الذي نُظم بعد اكتمال إعادة إعمار الضاحية الجنوبية، فقال: "ذهبت مع جمهور الناس، وكان الحضور ممثلًا من كل فئات الأجهزة الأمنية، سبب وجودي في المهرجان كان الاحتفاء بإعادة بناء الضاحية بهذه السرعة المذهلة، رغم الدمار الهائل والمجازر التي تعرضت لها."
وحين سُئل عن موقفه من حزب الله والسيد حسن نصر الله، رغم كونه مسيحيًا وعلمانيًا، أوضح الرحباني: "أنا لست من حزب الله، وإنما أنتمي إلى موقع الحزب الشيوعي، الذي يحتاج اليوم إلى إعادة تجديد."
لكنه أعرب في الوقت ذاته عن احترامه البالغ لحسن نصر الله، قائلًا: "السيد حسن نصرالله ليس خطيبًا دينيًا تقليديًا، بل هو أقل السياسيين استخدامًا للاستشهادات الدينية والآيات القرآنية، رغم طول خطاباته، بعكس كثير من النواب."
وأشار إلى أن نصر الله منحه جرعة من الاطمئنان، وأعاد إحياء القناعة بأن إسرائيل ليست قوة لا تُقهر، بل يمكن مواجهتها حين تتوافر الإرادة والإيمان بالمقاومة.