تاريخ موجز للغباء.. رحلة عبر الفلسفة والأدب والسياسة من دون كيشوت وحتى ترامب
آخر تحديث: السبت 27 سبتمبر 2025 - 7:29 م بتوقيت القاهرة
منى غنيم
أعلن الصحفي البريطاني، ستيوارت جيفريز، عن صدور كتاب جديد له بعنوان "تاريخ موجز للغباء" تناول من خلاله موضوع الغباء البشري؛ مقدمًا له التعريف، والأسباب، بالإضافة إلى ذكر تأثيره على المجتمعات والأفراد عبر العصور المختلفة.
وواجه المؤلف تحديين رئيسيين عند تأليف الكتاب؛ التحدي الأول خاص بالتساؤل عمّا إذا كان يمكن الحديث عن الغباء كتاريخ فعلي؟ فالغباء موجود ببساطة في كل زمان ومكان، وهناك الكثير منه، وقد أدرك المؤلف ذلك حين حاول تأريخ مفهوم الغباء عبر العصور، فقدم ما أسماه "تاريخًا موجزًا للغباء"، أوضح من خلاله كيف نظرت المجتمعات والمفكرون إلى هذا الفعل وكيف تفاعلوا معه.
وكان التحدي الثاني بالنسبة للمؤلف يتمثل في تعريف الغباء ذاته، هل هو الجهل؟ أم الحماقة؟ أم رفض التعلم، كما كان يسميه الإغريق amathia؟ أم العجز عن استخلاص النتائج الصحيحة مما تعلمناه؟ وهل هو صفة شخصية أم صفة للأفعال؟ ففي الحياة اليومية مثلًا يشمل الغباء كل هذه المعاني، ويصبح أمرًا يصعب تحديده إلا من خلال التعرف عليه عند رؤيته.
وتناول الكاتب كيف تعامل كل عصر مع مفهوم الغباء، ومن هذا المنظور يمكن اعتبار الكتاب ليس تاريخًا للغباء بحد ذاته، بل جولة فريدة من نوعها عبر تاريخ الفلسفة تبحث في مفهوم العقلانية وحدودها وتجاوزاتها.
وطرح الكتاب تساؤلًا هامًا؛ ألا وهو: إذا كان من الغباء عدم السعي وراء الحقيقة، فهل من الغباء الأكبر افتراض وجود حقيقة مطلوبة للوصول إليها؟ فالفلاسفة القدماء، مثل سقراط، رأوا أن العقل والفضيلة مرتبطان مباشرة، ومع عصر التنوير، أصبح الغباء يُفهم باعتباره قصورًا معرفيًا أكثر من كونه فشلًا أخلاقيًا. ومع ذلك، عند قراءة تأملات الفيلسوفة الألمانية، هانا أرندت، في كتابها "تفاهة العقل"، عن الظابط النازي، أدولف آيخمان، المسئول عن تنفيذ سياسات النازيين، الذي لم يكن شخصًا شريرًا بالمعنى الحرفي، بل كان مجرد عبد للأوامر العليا بلا وعي، نرى انعكاسًا للنظرة القديمة في النظر لمفهوم الغباء.
وشمل الكتاب فصلًا عن التقاليد الشرقية، حيث ترى الطاوية والكونفوشيوسية والبوذية أن الحكمة والفضيلة مرتبطتان، ولكن الحكمة هنا ترتبط أكثر بالانسجام مع النظام الطبيعي للأشياء من كونها عقلانية استنتاجية، كما أن مفهوم "الو-وي" الطاوي، أي العمل بلا جهد والتماشي مع مجرى الأمور، يعتبر مفتاح الحكمة، وقد أشار المؤلف إلى أن الفردية الغربية تصنع ذواتًا متماسكة ومستقلة، بينما في الشرق توجد "ذوات مرنة" تتكيف مع المحيط بطريقة غير مباشرة.
ولم يقتصر الكتاب على الفلسفة المجردة، بل طرح بعض القرءات في مفهوم الغباء والتي وردت عبر بعض الأعمال الأدبية الخالدة؛ على غرار روايتيّ "دون كيشوت" للكاتب الإسباني، ميجيل دي ثيربانتس، ورواية "بوفار وبيكوشيه" للكاتب الفرنسي، جوستاف فلوبر، كما تناول حماقات شخصيات "شكسبير" في الملك لير، نقلًا عن صحيفة الجارديان.
وناقش المؤلف أيضًا مواضيع في العلوم المعرفية، متسائلًا عما إذا كانت العقلانية نفسها أكبر أشكال الغباء؟ وبرز ذلك من خلال عدة فصول تناولت اختبارات تحديد نسب الذكاء، و علم تحسين النسل، و "غباء الجماهير" في الأنظمة الشمولية، و"الغباء البنيوي" للحياة في ظل الرأسمالية، ولم يخلو الكتاب أيضًا من إشارات لفلاسفة معاصرين مثل فوكو ودريدا وجون جراي، وانتقادات ضمنية للساسة الحاليين؛ مثل دونالد ترامب وبوريس جونسون.