رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي يوضح كيف شددت الصين تكتيكاتها ضد تايوان؟

آخر تحديث: الإثنين 28 يوليه 2025 - 12:32 م بتوقيت القاهرة

د ب أ

سعت الولايات المتحدة في أواخر أكتوبر 1975 لاستغلال الانقسام الصيني- السوفيتي وتأسيس تفاهم مع الصين الشيوعية، وسافر وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسينجر آنذاك إلى بكين لمقابلة رئيس الحزب الشيوعي المريض ماو تسي تونج.

وقال ماو لكيسينجر آنذاك إن الصين قد تنتظر 100 عام "لضم" تايوان إذا لزم الأمر، وأضاف: "إذا أعدتم (تايوان) إلى مجددا الآن، لن أرغب بها؛ لأنها غير مرغوبة. إن هناك مجموعة كبيرة من مناهضي الثوار هناك. سنرغب فيها بعد 100 عام، وسنقاتل من أجلها".

وكتب مايكل فرومان، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في تحليل نشره الموقع الإلكتروني للمجلس، أنه بعد نحو 50 عاما، يسعى الرئيس الصيني شي جين بينج لتسريع الجدول الزمني الذي أشار إليه ماو.

وقال في 2013 إن القضية التايوانية "لا ينبغي أن تورث من جيل لآخر".

وفي الواقع، في ظل قيادة شي، أجرت الصين واحدة من أكبر عمليات الحشد العسكرية في زمن السلم في التاريخ، مع تركيز على القدرات البرمائية والبحرية والضربات الدقيقة المصممة للاستيلاء على تايوان.

وفي عام 2023 أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك بيل بيرنز أن شي قال لجيش التحرير الشعبي أنه يجب أن يكون مستعدا لغزو الصين بحلول 2027.

وكما خلص معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي فإن "الخيارات الأكثر وضوحا، مثل الغزو الشامل أو الحصار البحري، تظل ممكنة، لكنها تنطوي على مخاطر كبيرة من شأنها تهديد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على السلطة. وطالما ينظر شي إلى هذه المخاطر باعتبارها مقنعة، فمن غير المحتمل أن تكون الإجراءات التي قد تتصاعد سريعا لتتحول إلى حرب مساره المفضل".

ووصف قائد القوات البحرية التايوانية، في مقابلة مع مجلة "إيكونوميست" في أكتوبر، حملة الإكراه الصينية بأنها "استراتيجية ثعبان الأناكوندا"، حيث تهدف الصين إلى محاصرة الجزيرة "ببطء لكن بثقة" لتقييدها. ووصفها آخرون بغلي ضفدع.

وذكر فرومان أن جيش التحرير الشعبي حلق بطائراته العام الماضي داخل نطاق تحديد الدفاع الجوي 3075 مرة في عدد قياسي بارتفاع بنسبة 81% مقارنة بـ 2023. كما زادت التوغلات البحرية أيضا، فيما يجري خفر السواحل الصيني والبحرية الآن دوريات حول الجزيرة لأيام في المرة الواحدة، بما في ذلك على الجانب الشرقي ويتدربان على علميات الحصار أو العزل البحري بسرعة ملحوظة.

وفي بعض المرات، قطعت سفن ترفع علم الصين كابلات إنترنت تحت البحر تصل إلى جزر تايوانية صغيرة قبالة البر الرئيسي الصيني. وفي مارس، كشف جيش التحرير الشعبي لأول مرة عن أسطول مؤلف من ثلاث صنادل خاصة يمكنها أن تشكل جسر هبوط متينا طويلا يمكنه أن يمكن القوات البرمائية من دخول تايوان برا. وهذا بالإضافة إلى الإجراءات غير العسكرية، مثل حظر استيراد المانجو والأسماك من تايوان الذي تم تطبيقه في 2023، والقيود الصارمة على السفر عبر المضيق، والاستفزازات الدبلوماسية الكبيرة.

وقد يأمر شي جيش التحرير الشعبي بفرض حصار شامل على تايوان، رغم أن الحصارات تعتبر عملا حربيا صريحا. وبدلا من فرض حصار رسمي، قد يوجه شي القوات الصينية لفرض عزل بحري عن طريق نشر خفر السواحل الصيني لتفتيش السفن المتجهة للخارج وتلك المتجهة إلى تايوان قسرا، وإعادة توجيه الشحنات إلى البر الرئيسي الصيني.

ويرى فرومان أن مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تكشف مواطن الضعف الشديد لتايوان باعتبارها جزيرة تستورد 97 % من احتياجاتها من موارد الطاقة، و 70% من إمداداتها الغذائية وتدر أكثر من 100 % من من ناتجها المحلي الإجمالي من التجارة. وفي حالة حدوث سيناريو العزل، من المحتمل أن يكون هدف شي أن يحصل على تنازلات سياسية سريعة وكبيرة من الحكومة التايوانية.

ويكمن أحد التحديات في أن الصين يمكن أن تجعل التمييز بين التدريبات وتصعيد نشط محتمل أمرا صعبا. ومن المحتمل أن تجري الصين تدريبات كبرى وتختبر الوضع بحجز السفن، على سبيل المثال، وإما أن تنسحب على اعتبار أن "التدريب" قد انتهى، اعتمادا على كيفية استجابة الولايات المتحدة والأطراف الأخرى، أو تواصل التصعيد إذا لم يتم اعتراضها. عند أي نقطة ستشعر الولايات المتحدة أنها مضطرة إلى التدخل؟

لقد عزز الرئيس التايواني لاي تشينج- تي وسلفه تساي إنج- وين الإنفاق الدفاعي، ومددا الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور في سن التجنيد، وأقاما علاقات أوثق مع الولايات المتحدة.

ولفت فرومان إلى أن تايوان اختتمت، الأسبوع الماضي، تدريبات "هان كوانج" العسكرية التي استمرت 10 أيام، وهي أكبر وأطول تدريبات عسكرية تجريها على الإطلاق، لكن هذا هو القدر الذي يمكن أن تردع به الجزيرة بكين بمفردها، حتى إذا استخدمت ما يسمى باستراتيجية النورس للحرب غير المتماثلة.

وبحسب البديهية العسكرية "الكم ميزة بحد ذاته"، لا مناص من الحقيقة المرة وهي أن الدعم الخارجي، من الولايات المتحدة بالتحديد، هو ركيزة استمرار الحكم الذاتي في تايوان.

وتطرح هذه المسألة السؤال الاستراتيجي الرئيسي للسياسة الخارجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في الإدارة الثانية لترامب وهو : هل يمكننا أن نحافظ على الردع في مضيق تايوان؟

لطالما حافظت الولايات المتحدة على سياسة الغموض الاستراتيجي إزاء تايوان، لكن الغموض الاستراتيجي بعيد عن الاكتفاء الذاتي. إنه يتطلب تهديدا مقنعا بالتدخل، ويرتفع ثمن الإقناع سريعا، تماشيا مع القدرات العسكرية الصينية المزدهرة. إن رغبة ترامب في تحمل هذا العبء غير محسومة إلى حد كبير.

واختتم فرومان تحليله قائلا إنه من جهة، عين ترامب عددا من الساسة المتشددين تجاه الصين في إدارته. وصعّد (ومن ثم خفض التصعيد جزئيا) في الصراع التجاري مع الصين. كما عزمت إدارته أيضا على تسريع المبيعات العسكرية الخارجية، وهي نقطة ألم جوهرية بالنسبة لتايوان التي لها متأخرات بقيمة 21 مليار دولار من أنظمة الأسلحة الأمريكية، بل إن ترامب دعا الكونجرس إلى تخصيص مليار دولار من أجل دفاع تايوان عن نفسها في العام الجاري.

ومن جهة أخرى، يعارض ترامب صراحة الدخول في حروب جديدة ويتوق إلى إبرام صفقات كبرى. هل قد تتضمن صفقة كبرى مع شي طعن تايوان في ظهرها مقابل تنازلات تجارية؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved