الإشباع الديني والدعاية السياسية.. كيف استُخدمت الحلوى في العصر الفاطمي بمصر؟

آخر تحديث: الخميس 28 أغسطس 2025 - 11:18 ص بتوقيت القاهرة

محمد حسين

أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بأن يكون يوم الخميس الموافق 4 سبتمبر 2025، إجازة رسمية مدفوعة الأجر بمناسبة المولد النبوي الشريف، والذي يوافق 12 ربيع الأول 1447 هجريًا، وذلك لجميع العاملين في القطاعين العام والخاص.

ويحتفل المسلمون في مختلف أرجاء العالم بالمولد النبوي الشريف، الذي يوافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول، حيث وُلد النبي الكريم في مكة المكرمة ليكون نورًا ورحمة للعالمين، لم تقتصر على أهل ذلك الزمان فحسب، بل امتدت لتشمل الإنسانية جمعاء عبر التاريخ.

وارتبط الاحتفال بالمولد النبوي في مصر، بعادات اجتماعية راسخة، أبرزها صناعة وشراء "حلاوة المولد"، التي تتنوع بين الحلوى السكرية وعرائس المولد وحصان الحلوى، بجانب الموالد الصوفية التي تُقام في مختلف المدن والقرى، فيما تُعد هذه المظاهر من أبرز العلامات المميزة للمجتمع المصري بتلك المناسبة الدينية.

* الجذور الفاطمية للحلوى

ويشير كتاب "صور من حياة الفاطميين في مصر" للدكتور محمد أحمد إبراهيم، إلى أن هذه العادات لها جذور ضاربة في العصر الفاطمي، إذ أولى الفاطميون اهتمامًا خاصًا بصناعة الحلوى وتوزيعها في المناسبات والأعياد الدينية.

كما لم تشهد مصر تقدمًا وازدهارًا في صناعة الحلوى وانتشارها كما شهدته في عصر الدولة الفاطمية، إذ تضافرت عوامل عدة وراء هذا الازدهار، بعضها مرتبط بتطور صناعة السكر، وبعضها الآخر بطبيعة العصر الفاطمي نفسه؛ حيث استخدم الفاطميون الحلوى كوسيلة من وسائل الدعاية السياسية والدينية لدولتهم، في ظل كثرة احتفالاتهم بالأعياد والموالد والمواكب، التي كانت الحلوى وتوزيعها جزءًا ثابتًا من رسومها ومظاهرها.

* طبيعة تكوين الشخصية المصرية

وأولى الفاطميون اهتمامًا بالغًا بصناعة الحلوى لتوزيعها في الأعياد والاحتفالات والمناسبات، سواء على عامة الناس أو على أرباب الوظائف بالدولة، حيث زُيّنت موائدهم بها، فغدت الحلوى عنصرًا أساسيًا من أطعمتهم وطقوسهم.

ويرجع هذا الاهتمام إلى تفهّمهم لنفسية المصريين الذين عُرفوا بحب السمر والمرح، فضلًا عن أن الحلوى كانت تمثل في أي مجتمع آنذاك رمزًا للرفاهية والترف الذي يُدخل السرور على النفوس، في وقت لم يكن الفرد العادي قادرًا على شرائها باستمرار، إذ غالبًا ما استُعيض عنها بالفاكهة لانتشارها وانخفاض ثمنها مقارنة بالحلوى المصنّعة، ومع ذلك ظلّت الحلوى المكمّل الأصيل لموائد الطعام الأساسية التي حرص الفاطميون أيضًا على توزيعها في المناسبات والأعياد ليكتمل مظهر البر والإحسان.

وعلى جانب آخر، شكّلت رغبة الفاطميين في تثبيت شخصيتهم وإبراز مكانتهم في ظل وجود الخلافة العباسية عاملًا مهمًا في هذا الاهتمام؛ فقد كان بلاط القاهرة يتفنن في مظاهر الترف والمباهاة، ومنها توزيع أصناف عديدة من الحلوى في الأعياد والمناسبات، وإقامة "الأسمطة" في شهر رمضان، لتبدو الدولة الفاطمية منافسًا قويًا لبلاط بغداد وسامراء.

كما أن حرص الفاطميين على إشباع المصريين دينيًا عبر الاحتفال بالأعياد الدينية – السُنّية منها والشيعية – كان سببًا آخر لاستخدام الحلوى بكثرة في هذه المناسبات، فقد لجؤوا إليها وسيلةً لجذب المصريين إلى المذهب الشيعي من جهة، وإشغالهم بالمظاهر الاحتفالية عن محاسبة الحكّام من جهة أخرى، وهو ما يعكس الدور السياسي والدعائي للحلوى في الحياة الفاطمية، إلى جانب قيمتها الغذائية والرمزية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved