تقرير خاص: كفر السنابسة تودّع بناتها في يوم حزين.. وعزاء جماعي يتحول إلى مظاهرة غضب ضد “طريق الموت”
آخر تحديث: الأحد 29 يونيو 2025 - 1:09 ص بتوقيت القاهرة
مصطفى الملاح
في يوم يملؤه الحزن والغضب، تحوّلت قرية كفر السنابسة، التابعة لمركز منوف بمحافظة المنوفية، اليوم السبت، إلى ساحة عزاء جماعي مهيبة، في وداع بناتها ضحايا حادث الطريق الإقليمي الذي وقع صباح الجمعة، وأسفر عن وفاة 19 شخصًا، بينهم 18 فتاة من أبناء القرية، وإصابة 3 آخرين.
وبعد دفن الجثامين مساء الجمعة، وسط جنازات مؤلمة، شهدت شوارع وساحات كفر السنابسة في اليوم التالي توافد آلاف المواطنين من مختلف القرى المجاورة، لتقديم واجب العزاء لأسر الضحايا، في مشهد لم تشهده القرية من قبل، وصفه الأهالي بأنه "يوم أسود لن يُنسى من ذاكرة المنوفية".
وتقدّم اللواء إبراهيم أبو ليمون، محافظ المنوفية، صفوف المعزّين في سرادق كبير أُقيم بالقرية، بحضور الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، وعدد من القيادات التنفيذية والشعبية والدينية، وممثلي وزارة الأوقاف ومجلس النواب، وسط أجواء يغلب عليها الحزن والذهول.
وأكد المحافظ، خلال لقائه بأسر الضحايا، أن الدولة لن تتخلى عنهم، موجّهًا بتوفير الدعم النفسي والصحي للمصابين، ورفع تقرير عاجل بشأن مطالب الأهالي الخاصة بإصلاح الطريق الإقليمي وتأمينه.
وعلى هامش العزاء، تصاعدت أصوات الغضب بين الأهالي، الذين طالبوا بإغلاق الطريق الإقليمي بشكل فوري أو إعادة تخطيطه بالكامل، ووصفوه بأنه "طريق الموت" الذي يفتقر لأبسط معايير الأمان المروري، ويشهد حوادث متكررة وسط غياب الرقابة وتجاهل الجهات المختصة.
وقال عدد من أهالي الضحايا لـ"الشروق" إن الحادث ليس قضاءً وقدرًا فحسب، بل نتيجة للإهمال المزمن، وتكرار مشاهد الدهس والتصادم على نفس الطريق دون أي تدخل فعلي.
ورصدت "الشروق" خلال التغطية شهادات مؤلمة من أسر الضحايا وزميلاتهن؛ حيث روت إحدى الناجيات أنها كانت تجلس في المقعد الأخير بالميكروباص، ولم تدرك لحظة التصادم إلا عندما وجدت نفسها ملقاة على الأسفلت.
فيما قالت زميلة أخرى للضحايا: "كانوا بيشتغلوا علشان يعيشوا.. وكل واحدة كان ليها حلم.. وكلنا كنا بنسمي الطريق ده طريق الرعب والموت."
واتهمت أسرة الضحية "هنا مشرف" سائق التريلا بأنه كان يقود تحت تأثير المخدرات، مؤكدين أن الحادث ناتج عن "الإهمال والفوضى"، مطالبين بمحاكمته وعدم ترك دماء الفتيات تذهب دون حساب.
وروى محمد جابر، والد الطالبة سارة، التي كانت في يومها الثاني للعمل، كيف أقنعته ابنته بالسماح لها بالنزول إلى العمل، قبل أن يتلقى خبر وفاتها وهو في السعودية، ويصل بعد دفنها.
وشهد العزاء الجماعي حضور وكيل وزارة الأوقاف، وعدد من مشايخ الأزهر، إلى جانب نواب البرلمان ورؤساء الوحدات المحلية، الذين عبّروا عن تضامنهم مع أهالي القرية، فيما دعا مسؤولو الأوقاف بالرحمة للضحايا، والصبر لأهلهم.
بين العزاء والدموع، الغضب والمطالبات، توحّدت أصوات أهالي كفر السنابسة اليوم في رسالة واحدة: "عايزين نحمي اللي باقيين"، فالحادث ترك جرحًا مفتوحًا لن يُشفى إلا بإعادة النظر في كل ما يهدد أرواح الأبرياء.
وبينما تستكمل النيابة العامة تحقيقاتها، يترقّب أهالي القرية خطوات حقيقية تضمن ألا يكون ما حدث مجرد رقم جديد في قائمة طويلة من ضحايا الإهمال.
وكان الطريق الإقليمي، في نطاق مركز أشمون بمحافظة المنوفية، قد شهد صباح الجمعة حادث تصادم مروع بين سيارة نقل ثقيل (تريلا) وميكروباص يقل عددًا من الفتيات العاملات، أغلبهن من قرية كفر السنابسة التابعة لمركز منوف.
وأسفر الحادث عن وفاة 19 شخصًا، بينهم 18 فتاة تتراوح أعمارهن بين 14 و18 عامًا، وإصابة 3 آخرين، أثناء توجههم إلى العمل.
وسيطرت على القرية حالة من الحزن والغضب الشعبي، وسط مطالبات واسعة من الأهالي بإغلاق الطريق أو إصلاحه، وتوفير وسائل نقل آمنة للعمالة اليومية، خاصة الفتيات، واصفين الطريق بـ"طريق الموت" نتيجة تكرار الحوادث عليه وغياب معايير الأمان.
وتُعد هذه الحادثة من أبشع الكوارث المرورية التي شهدتها محافظة المنوفية في السنوات الأخيرة، وأعادت تسليط الضوء على أزمة الطرق، وواقع التشغيل غير الآمن للعمالة القاصرَة، خاصة في القرى الفقيرة.