بالروح بالدم: الناصرية ومواريثها.. كتاب يعيد النقاش إلى قلب التجربة الناصرية
آخر تحديث: الثلاثاء 29 يوليه 2025 - 7:31 م بتوقيت القاهرة
شيماء شناوي
صدر حديثًا عن دار الجديد في بيروت، كتاب "بالروح بالدم: الناصرية ومواريثها" للكاتب والباحث البريطاني آليكس راول، وذلك بعد صدوره قبل عامين في بريطانيا والولايات المتحدة عن دارَي سايمون أند شوستر ونورتون أند كومباني، ليُتاح حاليًا لقراء العالم العربي.
رغم كثرة ما كُتب عن جمال عبد الناصر وسياساته، يأتي هذا الكتاب من زاوية جديدة، تتخطى سيرة القائد أو نقد النظام، لتسلّط الضوء على الشعوب التي خضعت للحكم الناصري، وعلى أشكال الرفض والمقاومة التي أبداها الناس من داخل المشروع ذاته.
يكتب راول:“يتفادى الباحثون دراسة الشعوب التي حكمها ناصر، والتي لم تنصع بالضرورة لاستبداده، بل ثارت مرارًا وتكرارًا على النظام الذي أرساه”،يكتب راول، مشيرًا إلى نقطة قلّما تطرّق إليها باحث أو مؤرخ من قبل.
استند راول، في كتابه إلى مصادر غنية ومفتوحة، أبرزها أكثر من 1300 خطاب وتصريح للرئيس جمال عبد الناصر، محفوظة في مكتبة الإسكندرية، ومذكرات زملائه وأقاربه ومعاصريه، ومقابلات خاصة مع شخصيات وناشطين عايشوا التجربة الناصرية، ليرسم من خلالها بروفايلات فردية لضحايا السلطة.
واختار المؤلف أن يقسم بحثه على سبعة بلدان كان للناصرية فيها حضور قوي أو تأثير واضح، وهي: مصر، العراق، سوريا، لبنان، الأردن، اليمن، وليبيا، واختيار هذه البلدان يعكس مدى تشابك مصائر الشعوب العربية في ظل المشروع القومي الناصري.
اللافت في الكتاب أنه لا يُقرأ كبحث أكاديمي جافّ، بل يميل في لغته إلى السرد الأدبي، ويزخر بمعلومات طريفة وتفاصيل إنسانية، حيث تأتي بعض فصوله أشبه بـ”روايات مصغّرة”، تتتبّع فيها مصير فردٍ أو مجموعة في خضم الزمان الناصري.
لا تخلو صفحة في الكتاب من معلومة جديدة، وما من فقرة لا تدفع القارئ إلى إعادة التفكير في المسلّمات أو الخروج من أسر الأفكار المعلّبة، ومن بين المقتطفات اللافتة، يورد الكاتب قولًا منسوبًا للرئيس جمال عبد الناصر عام 1948، حين كان محاصرًا مع كتيبته في الفالوجة: “إن المصريين يخوضون الحرب الخطأ، مع العدو الخطأ، في الوقت الخطأ.”
هذه العبارة، بقدر ما تختصر خيبة جيلٍ بكامله، تضيء أيضًا على الوعي المبكر بمأزق الأمة، حتى قبل أن يصبح ناصر نفسه على رأس المشروع القومي.
لم يكن إصدار النسخة العربية مجرد ترجمة، بل ضرورة ثقافية ومعرفية؛ فالمصري قد لا يعرف تمامًا ما جرى في لبنان أيام الوحدة مع سوريا، والعراقي قد لا يحيط بتفاصيل ما جرى في مصر. الكتاب يملأ هذه الفجوات، ويوسّع رقعة الإدراك النقدي للتاريخ المشترك.
لا شك في أن “بالروح بالدم” هو واحد من أهم الكتب التي صدرت عن العالم العربي في السنوات الأخيرة.
ليس فقط لأنه يعيد قراءة مرحلة مركزية من تاريخه، بل لأنه يحرّض على التفكير خارج الاصطفافات والانتماءات.