الفنان لطفي لبيب.. الجندي الذي خاض الحرب وعاد منها فنانا وإنسانا
آخر تحديث: الأربعاء 30 يوليه 2025 - 12:04 م بتوقيت القاهرة
محمد حسين
رحل عن عالمنا صباح اليوم الأربعاء، الفنان الكبير لطفي لبيب، عن عمر ناهز 77 عاما، بعد صراع مع المرض، وفق ما أعلنه أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، في بيان مقتضب أكد فيه أن الساحة الفنية فقدت واحدًا من أبرز أبنائها، كان فنانًا مثقفًا وإنسانًا نبيلاً، وصوتًا فنيًا ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ السينما والدراما المصرية.
ويعد لُطفي لبيب، من الوجوه المحبوبة والمألوفة لدى الجمهور، ليس فقط بفضل موهبته الفنية، بل لما تميز به من بساطة الأداء، وعمق التعبير، وخفة الظل التي لم تخلُ يومًا من الجدية.
وقدّم عشرات الأدوار التي تراوحت بين الكوميديا والدراما، ونجح في تجسيد شخصيات متنوعة أظهرت قدراته الكبيرة كممثل مثقف، يعرف كيف يُمسك بتفاصيل الشخصية دون أن يضيع إحساسها.
- من قلب الميدان.. لطفي لبيب في حرب أكتوبر
لكن ما قد لا يعرفه كثيرون، أن لطفي لبيب لم يكن فنانًا فقط، بل جنديًا مقاتلًا شارك في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 ضمن صفوف سلاح المشاة.
وتحدث بنفسه عن هذه التجربة الاستثنائية في أكثر من ظهور إعلامي، أبرزها في حواره مع الإعلامي عمرو الليثي ضمن برنامج واحد من الناس، حيث قال بتأثر واضح: "عبرنا القناة وحققنا المعجزة.. كنا بنعدّي الخوف والموت والضرب، وكل حاجة ضدنا.. كنت جندي مشاة، وكنت هناك، في قلب المعركة".
وفي شهادته تلك، يروي كيف واجه مع رفاقه ظروفًا قاسية، خصوصًا خلال حصار الجيش الثالث الميداني بعد الثغرة، حيث كانت الإمدادات المائية شحيحة للغاية، قائلا: "كل عسكري بياخد زمزمية مية يعمل بيها كل حاجة"، حسب تعبيره.
وتابع: "غير أن اللحظة الأصعب في تلك الأيام، جاءت بينما كنت أحتمي في حفرة ترابية، والتقطت أذيه صوت إذاعة العدو تبث أسماء الأسرى المصريين، وفجأة سمعت اسم شقيقي.. سمعت الاسم بوضوح... النقيب أكرم لبيب أخويا اتقال كده بالحروف. لا قدرت أعيط، ولا أتكلم. اتشلّت".
وأكمل: "رفضت النزول في إجازة بعد وقف إطلاق النار، خشية أن أضطر لمواجهة السؤال الأصعب من أمه: أين أخوك؟ هل هو حي أم أسير؟".
- الأخوان لبيب.. قصة أخرى من البطولة
لكن القصة لم تنتهِ عند لطفي، بل تكتمل من زاوية أخرى في شهادة النقيب أكرم لبيب، شقيقه، الذي روى تفاصيل موازية في حوار صحفي نادر.. قال أكرم: "أنا ولطفي كنا في الجيش وقت الحرب، وانتشرت شائعة إننا متنا.. أمي كانت تفرش سجادة في الشرفة، لا تتركها ليلًا ولا نهارًا، تنتظر عودتنا. رجعت أنا أولاً، وطلبت مني أمي أبحث عن لطفي أو عن جثته".
وفي محاولة للعثور على شقيقه، علم أكرم، أن لطفي ما زال داخل صفوف الجيش الثالث المحاصر، ولم يكن الدخول متاحًا لأي شخص سوى عربات التموين، فقرر أن يتنكر في زيّ سائق، ويخترق الحصار مع إحدى العربات، قائلا: "لبست هدوم السواق، وطلعت مع عربية أكل. كنت بدور عليه وسط الملاجئ، الكل بيقولي مات، بس قلبي ماصدقش.. لحد ما لقيته في ملجأ، واستأذنت القائد، وشوفت لطفي بعيني.. رجعت بيه لأمي، زي حلم اتحقق".
هكذا التقى الشقيقان مرة أخرى، بعد أن فرقتهما الحرب، وجمعتهما الأم، والقدر، والوطن.
ومثّل لطفي لبيب، ببساطة أدوار رجل الشارع، والعامل، والطبيب، والكاهن، والصديق، والجندي، وحتى الوزير، لكنه ظل في كل أدواره لطفي لبيب: صادقًا، وهادئًا، وعميقًا، وأليفًا في قلوب الناس وعاش حياة مليئة بالتجارب الثرية، من ميادين القتال إلى خشبات المسرح، ومن صمت الحفر إلى بريق الكاميرا.