لماذا تتعبنا الحياة الحديثة رغم وفرة الخيارات؟ علم النفس التطوري يكشف سر صراعنا مع ضغوط العصر

آخر تحديث: الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 - 5:08 م بتوقيت القاهرة

سلمي محمد مراد

قد يظن البعض أن مشكلاتنا اليومية سببها ضغوط العمل أو ازدحام المدن، لكن الحقيقة أن كثيرًا منها يبدأ من داخلنا، فنحن في صراع دائم مع رغبات سريعة مثل الأكل أو التسوق أو تصفح الهاتف، بينما نحاول التركيز على أهداف أكبر مثل الصحة أو الاستقرار.

ويشرح تقرير مترجم من صحيفة "الجارديان" البريطانية كيف أنهكتنا تطورات الحياة العصرية السريعة، من خلال الاعتماد على فكرة "عدم التوافق" في علم النفس التطوري.

لماذا يحدث هذا؟

يشرح علماء النفس التطوري أن عقولنا ما زالت تعمل بطريقة صُممت لزمان مختلف؛ زمن عاش فيه البشر في مجموعات صغيرة من الصيادين والجامعين، حيث كان البحث عن الطعام أو رفيق الحياة حينها تحديًا أساسيًا، أما اليوم فقد أصبح كل شيء أسرع وأسهل، وأحيانًا أكثر إرباكًا، بشكل يفوق قدرتنا الجينية على التكيف معه.

الطعام والعلاقات أوضح الأمثلة

ويظهر أوضح مثال في الطعام، فالميل الفطري إلى الدهون والسكريات كان في الماضي وسيلة للنجاة، لكنه اليوم أصبح طريقًا للسمنة والأمراض المزمنة، بعدما غزت قنابل السعرات الحرارية رفوف المتاجر.

الأمر نفسه يتكرر في العلاقات، فبدلًا من دوائر صغيرة للتعارف، أصبح أمامنا آلاف الخيارات على تطبيقات المواعدة، وهو ما يخلق حالة من الإرهاق والارتباك والخوف من تفويت الأفضل.

التكنولوجيا والبحث عن المعنى

وكما تستغل الأطعمة الشهية شهيتنا القديمة، بدأت أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT أو Replika في استغلال حاجتنا الفطرية للمعنى والرفقة، والمثير أن شركات التقنية نفسها فوجئت بمدى التعلق العاطفي الذي يبديه الناس تجاه برامج الدردشة هذه، حتى أن بعض الدراسات حذرت من مخاطرها على الفئات الأكثر هشاشة نفسيًا.

عزلة في عالم مزدحم

إضافة إلى أن حياة الصيادين والجامعين كانت مليئة بالرفقة والعمل الملموس والطقوس المشتركة، أما نحن، فمعظم تلك المكونات أصبحت اختيارية لا أساسية، وهكذا يعيش كثيرون اليوم في عزلة، عالقين في وظائف فارغة من المعنى، ما يجعل الاكتئاب والقلق انعكاسًا لنقص في التجربة الإنسانية أكثر من كونه خللًا دماغيًا صرفًا.

ما الذي يمكننا فعله؟

ويؤكد التقرير أن الحل ليس بالعودة إلى الكهوف، بل ببساطة أن نتعامل مع هذه الفجوة بوعي، ويمكن ذلك من خلال اتباع بعض الإرشادات:-

1. تقليل الوجبات السريعة والاعتماد على طعام طبيعي أكثر.
2. إيقاف الإشعارات لبعض الوقت لنستعيد هدوءنا.
3. قضاء وقت مع العائلة أو الأصدقاء، حتى لو ساعة في الأسبوع.
4. البحث عن أنشطة تعطينا إحساسًا بالمعنى، سواء في عمل تطوعي أو هواية.

فنحن لسنا ضعفاء أو فاشلين، نحن فقط نحاول التأقلم مع عالم أسرع مما صُممت له عقولنا، وإدراك ذلك يمنحنا راحة أكبر مع أنفسنا، ويجعل خطوات صغيرة مثل إغلاق الهاتف ساعة أو المشي في الهواء الطلق بداية لتوازن أعمق وحياة أبسط وأجمل.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved