غزة مقبرة الصحفيين.. كيف تحاول إسرائيل محو تاريخ القطاع؟ - بوابة الشروق
الأحد 5 أكتوبر 2025 2:31 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

غزة مقبرة الصحفيين.. كيف تحاول إسرائيل محو تاريخ القطاع؟

منار عبدالسلام
نشر في: الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:52 م | آخر تحديث: الجمعة 3 أكتوبر 2025 - 6:52 م

في ظل حرب طاحنة مستمرة منذ أكثر من عامين، لم تعد غزة فقط ساحة للدمار والمعاناة الإنسانية، بل تحولت إلى أخطر مكان في العالم على الصحافة وأهلها.

أعداد غير مسبوقة من الصحفيين استشهدوا خلال تغطيتهم للأحداث، فيما تواصل إسرائيل منع دخول المراسلين الأجانب، تاركة الحقيقة مرهونة بشجاعة الصحفيين الفلسطينيين الذين يعملون بلا حماية ولا ملاذ. هذا الواقع القاتم دفع الاتحاد الدولي للصحفيين إلى دق ناقوس الخطر، مؤكدًا أن استشهاد الصحفيين لم يعد مجرد "خسائر جانبية"، بل أصبح استراتيجية ممنهجة لإسكات الشهود وإغلاق الرواية.

وقال الاتحاد الدولي للصحفيين، إن أنس الشريف لم يكن يريد أن يموت. كان يريد أن ينقل الحقيقة للعالم بأمان. موته، ووفاة 254 من زملائنا، تلزمنا بالتحرك.

لن يكون التاريخ رحيمًا إلا بشهود الحقيقة. ففي غزة، سيذكر اسم أنس الشريف، المراسل الشاب لقناة الجزيرة الذي استشهد في 10 أغسطس 2025. وسيتذكر أيضًا 254 صحفيًا فلسطينيًا آخرين استشهدوا خلال العامين الماضيين على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب رصد الاتحاد الدولي للصحفيين. أما الذين اختاروا القضاء على هؤلاء الإعلاميين فسيبقون مدانين إلى الأبد.

على مدى 24 شهرًا طويلة، أصبحت غزة أخطر مكان في العالم لممارسة مهنة الصحافة. فإسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى القطاع، لتصبح الحقيقة معتمدة حصريًا على الصحفيين الفلسطينيين، ومعظمهم أعضاء في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، وغالبًا ما يعملون بلا حماية ولا مأوى لعائلاتهم. وكثيرًا ما يكونون مستهدفين بشكل مباشر، وفقا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية.

 

-غزة أسوأ مقبرة للصحفيين في التاريخ المعاصر

لم يسبق لمهنة الصحافة أن شهدت مجزرة كهذه في صفوفها. فمنذ تأسيس الاتحاد الدولي للصحفيين عام 1926، والذي سيحتفل بمئويته في باريس في مايو 2026، لم يُسجل عدد مماثل من القتلى، لا خلال الحرب العالمية الثانية، ولا في فيتنام أو كوريا أو سوريا أو أفغانستان أو العراق. لقد أصبحت غزة أسوأ مقبرة للصحفيين في التاريخ المعاصر.

 

- استراتيجية لمحو الأطلال والناجين ومن يروون قصصهم

لكن الأمر ليس سلسلة مآسٍ عرضية. إنه استراتيجية واضحة: قتل الشهود، إغلاق غزة، والسيطرة على السرد. منع دخول الصحافة الدولية يعني إسكات المراقبين الأجانب المستقلين. وفي الوقت الذي يعد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"إعادة استعمار" غزة، يصبح التحكم في الرواية بنفس أهمية السيطرة على الأرض. فالتوسع يعني أيضًا محو الأطلال، والموتى، والناجين، ومن يروون قصصهم.

من الحدود الشمالية حتى مدينة غزة، أُجبر مئات الآلاف من السكان على النزوح جنوبًا. لكن الجنوب ليس ملاذًا؛ فهو لا يوفر الأمان ولا طريقًا للخروج. العائلات محاصرة بين القنابل والبحر، بلا وسيلة للهروب من فظائع الحرب. وهذه أيضًا هي حقيقة الحصار التام بالنسبة للصحفيين، المحكوم عليهم بالعمل في جيب مغلق حيث يصبح البقاء أكثر استحالة يومًا بعد يوم.

 

- اعتراف لا يحمي الأحياء ولا يحقق العدالة للأموات

في هذا السياق، فإن اعتراف عدد متزايد من الدول في الأمم المتحدة بدولة فلسطين أمر رمزي. لكنه جاء متأخرًا. فهو لا يحمي الأحياء ولا يحقق العدالة للأموات. الدبلوماسية تلحق بالتاريخ، لكن بعد أن وقع ما لا يمكن إصلاحه.

فمن يحمي هؤلاء الشهود؟ لا الأمم المتحدة المشلولة ولا القوى الكبرى المتواطئة عبر صفقات السلاح وصمتها. الصحفيون الفلسطينيون يواصلون مهمتهم بمفردهم، حتى الإنهاك، وحتى الموت.

أما الاتحاد الدولي للصحفيين، فهو يتخذ إجراءات على الأرض. يقدم دعمًا مباشرًا للصحفيين وعائلاتهم من خلال صندوق السلامة الدولي. يروي يوميات زملائه مثل سامي أبو سالم، غادة القدر وآخرين، حتى لا تُختزل قسوة واقعهم في مجرد أرقام. ومنذ سنوات، يطالب الاتحاد باتفاقية دولية عبر الأمم المتحدة تُلزم الدول بحماية الصحفيين ومعاقبة قتلتهم. وحتى يتحقق ذلك، ستظل سياسة الإفلات من العقاب قائمة، وتُحصّن القادة الإسرائيليين المسئولين عن هذه الجرائم.

وكرر الاتحاد الدولي للصحفيين لسنوات "لا قصة تستحق حياة إنسان". هذه ليست مجرد عبارة، بل قاعدة للبقاء. مؤكدا أن مهمة الصحفيين ليست الموت كـ"شهداء"، بل نقل الحقيقة بأمان. موضحا أن حمايتهم مسئولية جماعية. كل خوذة، كل سترة واقية، كل تدريب على السلامة في بيئات خطرة، أمر حاسم.

في غزة، يتساءل كثير من زملائنا: "ما جدوى الاستمرار؟". الأدلة تتزايد، والشهادات تتراكم، ومع ذلك لا يتغير شيء. لكن الاستسلام سيكون أسوأ، لأن الصمت هو انتصار للجلادين. فهو يسمح لهم بالادعاء أن شيئًا لم يحدث.

 بعد 100 عام على تأسيسه، يواجه الاتحاد الدولي للصحفيين أقسى محنة في تاريخه. لقد أصبحت غزة مقبرة للصحافة. وإذا قبلنا أن يستشهد الصحفيون هناك وسط اللامبالاة، فإننا نمهد الطريق لأنظمة أخرى لتعتبر أن قتل الصحفيين أداة "طبيعية" من أدوات الحرب.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك