سببت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعزمه نقل ملكية قطاع غزة من الشعب الفلسطيني للإدارة الأمريكية صدمة واسعة لما في التصريحات من تعارض مع القوانين الدولية والقيم الإنسانية.
ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على التاريخ وتحديدا تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الحليفتان الأقوى لدولة الاحتلال الإسرائيلي، يتبين سريعا أن ترامب لم يبتدع شيئا جديدا وأن هناك رؤساء غربيين قد تورطوا قبل ترامب في خطط نهب الأراضي الفلسطينية وتهجير شعبها بحجة مناصرة الأقلية اليهودية المستضعفة في سلسلة من الشخصيات السياسية بدأت بتيودور هيرتزيل عراب الحركة الصهيونية وانتهت بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتسرد جريدة الشروق نبذة عن أهم السياسيين العالميين الذين عملوا على سرقة الأراضي الفلسطينية وتشريد أهلها بحجة حماية الأقلية اليهودية، وذلك نقلا عن كتب الدين، والإبادة بالقرن الـ19، ووعد بلفور وأصل الصراع العربي الإسرائيلي والتواريخ المتنازعة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
-تيودور هيرتزيل والحركة الصهيونية
شهد النصف الثاني للقرن الـ19 موجة من العنف والاضطهاد تعرضت له الأقلية اليهودية داخل أوروبا وروسيا، حيث تم عزلهم في أحياء مخصصة، بينما تم ارتكاب بعض المجازر بحقهم، تزامن ذلك مع صعود صحفي نمساوي يدعى "تيودور هيرتزيل" والذي برع بالخطابة بين الأقلية اليهودية وحشد الشعبية بينهم من جهة وقدرته على تكوين علاقات في الوسط السياسي الأوروبي وتحديدا البريطاني من جهة.
وكان هدف هيرتزيل المعلن هو إيجاد وطن آمن لليهود يحميهم من العنف والمجازر وكانت خطته الحقيقية التي بدت في كتاباته هي استيطان فلسطين وتحقيق الأطماع التاريخية اليهودية في فلسطين ليبذل عدة جولات سياسية استهلها بزيارة الدولة العثمانية وابتزاز السلطان عبدالحميد الثاني لبيع أراضي فلسطينية للحركة الصهيونية الوليدة مقابل دعم الحركة له بالأوساط الأوروبية وتلميع صورة الدولة العثمانية، ولكن السلطان عبدالحميد قابل محاولات هيرتزيل بالرفض والاستهزاء.
وواصل هيرتزيل سعيه بالتقرب من بابا الفاتيكان التي كانت تملك نفوذا بالأراضي الفلسطينية ورغم محاولات هيرتزل في استمالة الفاتيكان غير أنه تلقى ردا يملأه التجاهل والفتور وكذلك بلغت مساعي هيرتزل مع الإمبراطورية الروسية للضغط على العثمانيين بشأن فلسطين طريقا مسدودا دون تلقي دعم روسي سياسي حقيقي.
وكان هيرتزل وسط تلك المحاولات يعزز وجوده في بريطانيا وخاصة بتأسيسه فرعا للحركة الصهيونية بالمملكة المتحدة وهو ما ساعد في تمديد النفوذ الصهيوني حتى بعد موت هيرتزل عام 1905.
-آرثر بلفور عراب سرقة الأراضي
تزامن مع فترة صعود التيار الصهيوني بداية القرن الـ20 ومحادثات هيرتزل عراب الصهيونية مع الحكومة البريطانية أن كان على سدة الحكم بمنصب رئيس الوزراء البريطاني سياسي يدعى آرثر بلفور وهو من أعطى للمقترحات الصهيونية مجالا واسعا داخل الحكومة البريطانية وكان متجاوبا مع المحاولات الصهيونية لإيجاد وطن آمن لليهود وذلك مع نشوء صداقة بينه وحاييم وايزمان خليفة هيرتزيل بالحركة الصهيونية.
تولى بلفور عقب خروجه من رئاسة الحكومة منصبا آخر كوزير للخارجية البريطانية إبان الحرب العالمية الأولى ليقود بلفور عام 1917 ما يعرف بمهمة بلفور لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية بالمشاركة لجانب الحلفاء، وخلال تلك الزيارة استمال الجالية اليهودية بوعود تتعلق بتوطينهم في فلسطين بعد السيطرة البريطانية عليها خلال الحرب.
وتلى تلك الجولة تنسيق بلفور بين رئيس الوزراء البريطاني وقادة الحركة الصهيونية، على رأسهم رجل الأعمال وولتر روتشيلد لتوقيع وعد بتوطين اليهود في فلسطين مقابل حشد الدعم اليهودي من الجاليات المقيمة في ألمانيا وروسيا وأمريكا لترجيح كفة الحلفاء بالحرب نظرا لقوة نفوذ رجال الأعمال اليهود وسياسيي الحركة الصهيونية.
وكانت الحكومة البريطانية بحسب تقرير للجنة ملكية بريطانية مترددة بشأن توقيع الاتفاقية غير أن بلفور لعب دورا في إقناعهم بضرورة استمالة اليهود واتخاذ عملية التوطين ذريعة لإبعاد الفرنسيين عن فلسطين خلال اتفاقية سايكس وبيكو الخاصة بتقسيم الوطن العربي.
-ويلسون والدعم الأمريكي لدولة الاحتلال
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأهم لدولة الاحتلال بالسلاح وبالسياسة أيضا وكان من أسس لتلك العلاقة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون الذي تولى رئاسة الولايات المتحدة إبان الحرب العالمية الأولى ليبدأ أولى فصول الدعم الأمريكي السياسي لدولة الاحتلال.
وساهم ويلسون بنشأة دولة الاحتلال عبر تأييده لوعد بلفور عام 1917 وذلك نظرا لأهمية رأي الولايات المتحدة التي كانت الحليف الأهم بالحرب العالمية الأولى، وكان لها تأثيرا بإمكانه ثني بريطانيا عن التقدم في الوعد المذكور.
وحرص ويلسون على تأييد وعد بلفور وذلك بالرغم من المعارضة التي واجهها من وزير خارجيته ولكنه كان أكثر تأثرا بصديقه القاضي الأمريكي والسياسي الصهيوني بيرنارد لويس الذي عمل كحلقة وصل بين الرئيس ويلسون ووزير خارجية بريطانيا بلفور.
وعمل ويلسون على إخفاء التوجه الأمريكي المنحاز للصهيونية وذلك عبر إرسال لجنة كينغ كراين لفلسطين لجمع الآراء من الشعب الفلسطيني حيال الأوضاع الراهنة، وقد رصدت اللجنة وجود رغبة فلسطينية للاستقلال غير أنها خرجت بتوصيات مؤيدة لقيام دولة الاحتلال في مؤتمر باريس للسلام والذي مهد بعد تقسيم الأراضي العربية وفصل فلسطين عنها لفتح باب الهجرات الكبرى للصهاينة إلى فلسطين استعدادا لاحتلالها لاحقا.