أصبحت المخرجة التونسية كوثر بن هنية واحدة من أبرز المخرجات العربيات تأثيرا وحضورا في المهرجانات العالمية، وصارت أفلامها تنافس مخرجي العالم على الجوائز الكبرى، كما تثير أفلامها الجدل على السجادة الحمراء بقضايا في غاية الأهمية، وفي آخر أعمالها "صوت هند رجب" حصدت تصفيق دام 24 دقيقة في مهرجان البندقية.
صنعت كوثر بن هنية فيلم "صوت هند رجب" لكي يكون صرخة للصوت الفلسطيني على سجادة واحد من أعرق مهرجانات العالم، لكي تتجسد معاناة أهل غزة عبر صوت طفلة رحلت على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، وهي خطوة مهمة لتغيير السردية الإسرائيلية السائدة عن المظلومية والدفاع عن النفس التي تُروج لها عالميا.
وفي السطور التالية نتعرف أكثر على المسيرة الفنية المثيرة للمخرجة كوثر بن هنية..
تعد بن هنية امتداد لإرث سينمائي تونسي مُلهم تشكل بفعل أسماء مثل نوري بوزيد، الذي كسرت قصصه خطوط الهوية والقمع؛ ومفيدة التلاتلي، التي استحضرت وجهات نظر المرأة إلى الاهتمام العالمي؛ وفريد بوغدير، الذي شكلت أعماله الشهيرة السينما التونسية ودراسات السينما الأفريقية.
في العقد الأول من القرن 21 بدأت بن هنية الظهور وتكوين رؤيتها عبر الأفلام القصيرة والتسجيلية، وكان أول أفلامها "أنا وأختي والشيء" عام 2006، وتلاه فيلم "الأئمة يذهبون إلى المدرسة" عام 2010، وهو فيلم وثائقي يستكشف العاقة بين العلمانية والدين في فرنسا.
ازدادت شهرتها مع فيلم "شفرة تونس" عام 2013، وهو فيلم يمزج بين التسجيلي والروائي "ديكودراما" مستوحى من قصة شعبية عن سائق دراجة نارية يهاجم النساء في شوارع تونس، عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
في عام 2016، كشفت عن فيلمها الوثائقي "زينب تكره الثلج"، وهو فيلم وثائقي صُوّر على مدى 6 سنوات، يتناول الفيلم قصة فتاة تونسية انتقلت إلى كندا بعد زواج والدتها، وفاز بجائزة التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج السينمائي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان سينيماد مونبلييه السينمائي.
وكان فيلم "الجميلة والكلاب"، عام 2017، انطلاقة عالمية قوية لكوثر، وقد سلّط الضوء على قصة حقيقية لشابة تونسية اغتصبها رجال شرطة، وسعيها اليائس للعدالة بعد الحادثة، محاولا كشف العنف المؤسسي، عُرض الفيلم لأول مرة في قسم "نظرة ما" بمهرجان كان السينمائي، وعُرض لاحقًا في تورنتو ومعهد الفيلم البريطاني بلندن، ورُشّح لتمثيل تونس في فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الحادي والتسعين.
يعد فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، عام 2020، قفزة نوعية في مسيرة بن هنية السينمائية، فقد حظى الفيلم بنجاح ضخم، تدور القصة حول سام علي، لاجئ سوري يسمح لفنان معاصر بوشم تأشيرة شنجن على ظهره مقابل حرية التنقل، الفيلم، المستوحى من الفنان البلجيكي ويم ديلفوي، طرح أسئلة عن الحدود والاستغلال وتسليع الحياة البشرية.
ثم جاء فيلم "بنات أُلفة" لكي يثبت قدم بن هنية، ويجعل اسمها راسخا في المهرجانات العالمية، يُعيد الفيلم بناء حياة ألفة، وهي أم تونسية تنضم ابنتاها الكبيرتان إلى جماعات متطرفة في ليبيا، يجمع الفيلم بين هند صبري وألفة وبناتها المتبقيات، ويناقش الصدمة والذاكرة.
عُرض الفيلم لأول مرة في مسابقة مهرجان كان السينمائي عام 2023، حيث لاقى استحسانًا كبيرًا، وفاز بجائزة "العين الذهبية" لأفضل فيلم وثائقي، وتبع ذلك تكريمٌ آخر في ميونيخ، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وغيرهما.
وفي حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس والتسعين، حقق الفيلم إنجازًا تاريخيًا: أصبحت بن هنية أول مخرجة عربية تُرشَّح في فئتين: أفضل فيلم دولي وأفضل فيلم وثائقي.
واختارت بن هنية أن تكون قصتها الجديدة من غزة، حيث يتناول أحدث أفلامها إحدى الأحداث المأساوية العديدة التي شهدتها غزة، الساعات الأخيرة للطفلة الفلسطينية هند رجب، البالغة من العمر 5 سنوات، والتي حوصرت في سيارة تحت نيران كثيفة أثناء تواصلها مع متطوعي الهلال الأحمر، يجمع الفيلم بين التسجيلات الصوتية الوثائقية والمشاهد التمثيلية، ليخلّد ذكرى هند ويكشف عن وحشية قوات الاحتلال الإسرائيلي.