برنامج عشرون.. ذاكرة بصرية وفكرية ووثيقة ثقافية عربية تحفظ ما يواريه الزمن - بوابة الشروق
السبت 10 مايو 2025 9:22 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

برنامج عشرون.. ذاكرة بصرية وفكرية ووثيقة ثقافية عربية تحفظ ما يواريه الزمن


نشر في: الجمعة 9 مايو 2025 - 8:28 م | آخر تحديث: الجمعة 9 مايو 2025 - 8:50 م

في زمنٍ تطغى فيه السرعة على العمق، وتُهمَّش فيه الأسئلة الكبرى لمصلحة الإجابات السريعة، ويُختزل الفكر في تغريدة أو مقطع فيديو قصير أو تريند أجوف على مواقع التواصل الاجتماعي، يبرز برنامج "عشرون" على قناة "العربي2" كاستثناء يعيد الاعتبار لثلاث قيم أساسية شبه غائبة عن الشاشات والمنصات، هي: الذائقة والمعنى والذاكرة. فكأن العمل بمثابة دعوة للتأمل وسط الضجيج، والعودة إلى الأصل أمام سطوة التريند والتقليد.

فمنذ حلقاته الأولى، بدا "عشرون" مختلفًا عن سواه، إذ يتميز بتنوع وعمق حلقاته، حاملاً على عاتقه مهمة شاقة، وهي التوثيق الثقافي العربي برؤية نقدية رصينة، وما يجعل هذا البرنامج مختلفًا هو قدرته على التحول من مجرد محتوى إعلامي إلى مادة توثيقية تصلح كمرجع ثقافي وفني وأدبي للأجيال القادمة، فهو لا يعرض الوقائع بسطحية، بل يغوص في عمق التجربة العربية، عبر نقاشات محكمة تطرحها نخبة مُختارة من المثقفين والمفكرين من مختلف المشارب والبلدان العربية، ما يضمن تعدد الرؤى وثراء الحوار.

300 ناقد.. من الخليج إلى المحيط

يجمع البرنامج نحو 300 ناقد من مختلف الجنسيات والمجالات والأجيال، هم مجموع المشاركين في مختلف الحلقات، وتضم كل حلقة 30 ناقدًا من خلفية واحدة، ليختاروا أبرز "عشرون" عملًا شكّلت المشهد العربي في مجالهم بحسب عنوان الحلقة: رواية، دراما، سينما، مسرح، شعر، موسيقى، إلخ. فتقف كل حلقة من على مفترق إبداعي مختلف، هذا التنوع لا يمنح كل مجال خصوصيته فحسب، بل يجعل من البرنامج خريطة بانورامية للذائقة العربية الحديثة.
يصوّت المحكّمون على أبرز 20 عملًا في مجال اختصاصهم، ليقدّموا في النهاية لائحة واحدة تحوي الأعمال الأكثر حضورًا في لوائح النقّاد، ضمن رحلة بصريّة وفكرية تبدأ من المرتبة العشرين وتصل إلى الأولى.

رحلة بين التوثيق والسرد

ما يجعل البرنامج قريبًا من الوثيقة هو طريقته في الجمع بين الرؤية البصرية والسرد النقدي، ترافقها مداخلات فكرية ومشاهد أرشيفية، إلى جانب تفاعل الجمهور ومداخلة الذكاء الاصطناعي عبر "تشات جي بي تي"، إذ لم ينفصل عن الحداثة وتطورات العصر، كما يمنح مساحة لآراء الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يكون مستهلكًا بل شريكًا في النقاش، كأنه يخاطب المُشاهد قائلاً: "لست متلقيًا، بل أنت جزء من الذاكرة الجماعية".

مايا الحاج: ثقافة موسوعية وحضور أنيق

تقف وراء هذا المشروع الثقافي والإعلامي الصحفية والناقدة اللبنانية مايا الحاج، القادمة بقوة من المجال النقدي إلى التلفزيوني، لتحمل معها إيمانها بأهمية وجود الأكاديميين والنقّاد الحقيقيين في قلب المشهد الفني والثقافي والإعلامي، بدلًا من التهميش والإقصاء والانزواء، إذ تقوم مايا بإعداد وتقديم هذه الحلقات، وهي التي انتقلت من الصحافة المكتوبة إلى الشاشة دون أن تتخلى عن أدواتها النقدية، وببلاغة لغوية، وثقافة موسوعية، وحضور أنيق وهادئ، تقود الحلقات بروح الباحثة والناقدة لا المذيعة، تمسك بخيوط النقاش باحترافية، وتتحدث بذكاء ومعرفة لا استعراض، لتصبح أحد الملامح الأساسية الجذابة للبرنامج، فتضيف بُعدًا إنسانيًا وجماليًا مميزًا.

مصر حاضرة… و"عشرون" لا يكفيه موسم

من بلادٍ تتوزع من الخليج إلى المحيط، يستعيد البرنامج الأعمال والأشخاص الذين صمدوا أمام سلطة الزمن. وتتجلى مصر بقوة في هذا البرنامج، وتفوقها الواضح في مجالات فنية وثقافية مثل الدراما والسينما والعائلات الفنية والأدبية، بحضورها الطاغي لأعمالها وفنانيها وأدبائها ومفكريها.
ومع تنوّع الحلقات واتساع المشاركة النقدية، وكل هذه القيمة الثقافية والفكرية، يبدو أن موسمًا واحدًا لا يكفي لهذا المشروع الثقافي، فالبرنامج يحمل من العمق ما يجعله مؤهلًا لمواسم متتالية، تسهم في حفظ الذاكرة الثقافية وتبني جسرًا من الثقافة العربية إلى أجيال قادمة.
فمع نهاية كل حلقة، يدرك المشاهد أن ما شاهده ليس مجرد عرض، بل محتوى لا يُنسى، وأرشيفًا بصريًا ونقديًا يحفظ ما ينساه الإعلام، أو تنساه ذاكرتنا، إنه رحلة داخل الذات العربية، بأسئلتها، وجمالياتها، وتناقضاتها، ومرآة لزمن يتغير، وعدسة توثق تحولاته بعمق.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك