شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالات الذكرى الثمانين لعيد النصر في روسيا؛ حيث شهد عرضًا عسكريًا في الساحة الحمراء بالعاصمة موسكو، وشاركت خلاله فرقة من الشرطة العسكرية المصرية للمرة الأولى في تاريخ هذا الاحتفال، في خطوة رمزية تعكس عمق العلاقات بين القاهرة وموسكو، وحرص الطرفين على توثيق الروابط التاريخية عبر محافل رمزية كبرى.
وضع السيسي الزهور على النصب التذكاري لقبر الجندي المجهول بحديقة ألكسندروفسكي، رفقة مجموعة من قادة وزعماء دول العالم المشاركين في الاحتفالات.
ما دلالة الاحتفال بعيد النصر؟
يرتبط تاريخ 9 مايو في الوجدان الروسي بنهاية الحرب العالمية الثانية، أو كما تُعرف محليًا بـ"الحرب الوطنية العظمى"، حيث وقّعت ألمانيا النازية وثيقة الاستسلام النهائي في برلين عام 1945، لتعلن بداية مرحلة جديدة من التاريخ الأوروبي والعالمي.
ويُعد عيد النصر في روسيا أحد أكثر المناسبات وطنية وشعبية، إذ لا يُحتفى فيه فقط بانتهاء الحرب، بل أيضًا بما يعتبره الروس تجسيدًا للبطولة والصمود أمام النازية، وفقًا لأرشيف وزارة الدفاع الروسية.
الساحة الحمراء.. قلب موسكو النابض بالذاكرة
وتُعد الساحة الحمراء في موسكو واحدة من أشهر الميادين التاريخية في العالم، وأكثرها رمزية في الذاكرة الروسية، إذ لم تكن مجرد ساحة مركزية تتوسط العاصمة، بل تحولت على مدار قرون إلى رمز للسلطة والسيادة، ومسرح للأحداث الكبرى التي شكّلت ملامح الدولة الروسية.
تقع الساحة على مقربة من جدران الكرملين، وتُجاورها كاتدرائية القديس باسيل ذات القباب الملونة، وضريح الزعيم السوفيتي فلاديمير لينين، ما يمنحها طابعًا معماريًا وروحيًا فريدًا، يجمع بين التاريخ الإمبراطوري والحقبة السوفيتية وما بعدها.
وقد شهدت الساحة أحداثًا فارقة، من إعلان الانتصار على ألمانيا النازية عام 1945، إلى الاستعراضات العسكرية الكبرى خلال الحرب الباردة، وصولًا إلى الاحتفالات المعاصرة بعيد النصر ومناسبات الدولة الرسمية.
لم تكن الساحة يومًا فضاءً محايدًا؛ بل دائمًا ما استُخدمت كأداة رمزية في بناء الخطاب السياسي، حيث كانت المنصة التي يخاطب منها القادة شعوبهم، وتشهد من فوقها الجيوش استعراضاتها، ويتجمع حولها المواطنون في لحظات الانتصار أو التغيير.
تحتفظ الساحة الحمراء بمكانتها كأيقونة وطنية، ووجهة سياحية وثقافية، لكنها في التاسع من مايو من كل عام، تتحوّل إلى ما يشبه المسرح التاريخي الحي، حيث تتقاطع الذاكرة الجماعية مع الحاضر السياسي، وتُستعاد من خلالها لحظة مفصلية في تاريخ روسيا والعالم. فهي، ببساطة، الساحة التي لا تغادر الوعي الروسي، ولا تنفصل عن سرديته الكبرى، وفقًا لما وثّقه المؤرخ يفجيني نوريخين في كتابه "الهوية الروسية بعد الاتحاد السوفيتي".