أسامة غريب يكتب: عنتر أبو صفيحة - بوابة الشروق
السبت 12 يوليه 2025 4:38 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

ما هي توقعاتك لمصير وسام أبو علي في المرحلة المقبلة؟

أسامة غريب يكتب: عنتر أبو صفيحة

أسامة غريب
أسامة غريب

نشر في: الجمعة 11 يوليه 2025 - 9:57 م | آخر تحديث: الجمعة 11 يوليه 2025 - 9:57 م

 

 كان المطار مزدحما وطوابير الركاب تصطف لإنهاء إجراءات السفر. علا صوت غاضب كانت صاحبته تقف إلى جانب طابور الرحلة المتوجهة إلى باريس، وبدا أنها كانت متأففة من الزحام، ثم لمحتُها تجلس إلى مقعد أحضره لها أحد الشماشرجية ممن كانوا فى معيتها. عندما دنوتُ منها عرفتها على الفور.. إنها فلانة المذيعة التى كانت ملء السمع والبصر فى ذلك الوقت. تقدم واحد من معاونيها إلى الكاونتر ومعه حقائبها وجواز سفرها وقال إن هناك توصية برفع الدرجة لها. سأله الموظف: أين الراكبة؟ فقال: إن المدام تجلس هناك، وغير معقول أن تأتى هنا فى الزحام. رد الموظف: ليتها تأتى هنا مثل باقى الركاب. قال الشماشرجى فى استنكار: ألا تعرف فلانة؟ أجاب الموظف فى أدب: لا شأن لمعرفتى الشخصية ببعض الركاب فى تجاوز إجراءات السفر. عاد الأفندى مخذولا إلى أبلته وحكى لها ما حدث. انتفضت الهانم واقفة وكأنما لدغها حنش فى مؤخرتها، ثم أخذت تطلق سيلا من السباب بحق الشركة وموظفيها!. كان صوتها عاليا ونبراتها حادة تحمل عدوانية وشرشحة من النوع الفاخر. شعرنا نحن الموظفون بغضب شديد من الإهانة التى نتعرض لها على يد امرأة جانحة لمجرد أننا نشتغل بالأصول.

 كان من حظنا فى ذلك الصباح أن رؤساءنا المنبطحين عادة أمام أمثال هذه السيدة غير موجودين، ويبدو أن ضغط العمل جعلهم ينشغلون بعيدا عن هذه الرحلة التى كان يتولاها مجموعة من الشباب. توجهتُ إلى المرأة الحانقة وكانت قد جلست متهدجة الأنفاس بعد وصلة الردح ثم مِلتُ ناحيتها قائلا بصوت خفيض: عارفة يا أستاذة هذا الموظف الذى قمتِ بشتمه وقلتِ إنه زبالة، قريب مَن؟. نظرت نحوى فى صلف قائلة: مين يعنى؟. قلت هامسا: فلان يبقى خاله. ذكرت لها اسم شخص مسئول كنت أعلم أنها بحكم كونها مذيعة تعمل له ألف حساب. بعد أن سمعَتْ أختنا اسم المسئول اضطربت وبان عليها الارتباك، وكان واضحا أنها بوغتت بهذا الخبر الذى لم تتوقعه. فى خضم ارتباكها استأذنت منّى للذهاب إلى الحمام. كنت قد أنهيت نوبة عملى وأستعد للانصراف، غير أن ما فعلته هذه السيدة والإهانة التى وجهتها لنا أمام الناس جعلتنى أتمهل وأقف فى انتظار عودتها من الحمّام.

 أقبلت الهانم بعد قليل تتبختر فى مشية الوزة بحذائها ذى الكعب العالى ثم دنت منى وقالت بما يشبه الهمس: اسم حضرتك إيه؟.. ورغم أن اسمى كان ملتصقا ببادج على جيب الجاكيت الذى أرتديه إلا أننى قلت لها فى صوت مبحوح: اسمى عنتر أبو صفيحة!..تجاوزت الأخت ردى الهازئ وتحلت بالهدوء قائلة: أرجوك اعذرنى.. أنا تعبانة، وضغط الشغل فى الأيام الأخيرة أثّر على أعصابى. قالت هذا ثم أردفت فى استعطاف: ممكن تقول لزميلك إننى لا أقصد أى إساءة، ومستعدة أن أقدم فى التليفزيون برنامجا يوضح الجهود التى تقومون بها لخدمة الركاب وسط هذا الزحام. قلت لها: دعك من موضوع البرنامج واذهبى بسرعة للزميل وحاولى أن تسترضيه قبل أن يطلب خاله فى التليفون ويحكى له الحكاية. حاولت أن تتظاهر بالشجاعة أمامى فقالت فى نبرة اجتهدت أن تجعلها واثقة: ربما تتصور أننى خائفة من خاله، لكنك لا تعرفنى..أنا إنسانة بسيطة للغاية ولا أحتمل أن أجرح أحدا، وبصراحة لا أحب أن أمشى من هنا وزميلك غاضب منى. لم أعلق على كلامها وظللت أنظر نحوها فى صمت. ويبدو أن صمتى زادها ارتباكا فكررت: أنا لا أخشى غير ربنا، لكنى أشعر أننى لم أكن لطيفة مع زميلك. قلت لها: الموضوع لا يتعلق باللطافة.. أنت شتمته وشتمتنا جميعا، وهذه قلة أدب يمكن أن تعرضك للمحاكمة أمام القضاء، ولدينا على قلة أدبك مائة شاهد على الأقل. تجهم وجهها وتغير لونه وبدا أنها تصارع أفكارا كثيرة منها أن تصرخ فى وجهى وتكمل وصلة البذاءة والشرشحة، ومنها أن تنحنى للريح وتبتلع وصفى لها بأنها قليلة أدب. بعد تردد وضح أنها حسمت أمرها عندما انطلقت صوب الزميل الذى شتمته!. مدت يدها له مصافحة وابتسامتها تتسع وقالت إنها تعتذر بشدة لما بدر منها، وتعللت بأنها مريضة وأن افتقادها للدواء يقودها للعصبية.. ولم تنس قبل أن تخرج أن تطلب منه ألا يحكى شيئا مما حدث للباشا. عندما رأيته ينظر لها متسائلا فإننى غمزت له ففهم اللعبة ورد على الست قائلا: أوكى، لكننا لن نستطيع رفع الدرجة لك، فتذكرتك سياحية، فقالت: مش مهم. أضاف: وعندك وزن زائد ستدفعين ثمنه. قالت: طبعا طبعا.. بكل سرور.. أنا لا أزعل من الحق!

 وعلى الرغم من أننا كنا فى العادة نترك للركاب جزءا من الوزن الزائد طبقا لسياستنا فى مواجهة الشركات المنافسة، إلا أننا لم نر داعيا للكرم مع الست المذيعة فجعلناها تدفع قيمة كل كيلو زائد فى حمولتها الكبيرة، حتى أنها اضطرت للاقتراض من الشماشرجية الذين كانوا بصحبتها لتكملة قيمة تذكرة العفش الزائد!

ما زلت حتى الآن أضحك كلما تذكرت هذه الواقعة والمذيعة التى جمعت إلى جانب الكِبر والعجرفة، الخسة والوضاعة عندما سارعَت برفع الراية البيضاء بعدما ظنت أنها أوقعت نفسها مع عظْمة كبيرة، والحقيقة أن هذا الباشا الذى خافت منه، والذى عُرف عنه حبه للقوادة لا يقرب لزميلنا من قريب أو بعيد!

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك