** سوريون بدمشق للأناضول:
- نصنع الطوب من الأنقاض من خلال استخدام آلات لتكسير الركام لأن ذلك أقل تكلفة
- بناء منزل من الصفر مكلف جدا ونريد استعادة ذكرياتنا بمنازلنا
- هذه الطريقة تحمل مخاطر مميتة بسبب احتواء الركام أحيانا على مواد متفجرة
ما يزال السوريون يعيشون تبعات الحرب المدمرة التي شنها عليهم نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، ويحاولون بشق الأنفس ترميم منازلهم، مستخدمين أنقاض البيوت المهدمة لصنع الطوب ومواد البناء.
ويعبر السوريون من خلال ذلك عن شغفهم بإحياء الذكريات الماضية في أنقاض منازلهم المدمرة، ويحاولون جاهدين إعادة تأهيل ما دمره نظام الأسد، رغم ضيق ذات اليد وضعف الإمكانيات.
وفي العاصمة دمشق جنوبي البلاد، عاد عدد كبير من الأهالي إلى منازلهم المدمرة، وبدأوا بإعادة الإعمار رغم محدودية الإمكانيات، جراء الواقع الاقتصادي المتردي الذي خلفه نظام الأسد.
الأناضول تجولت في مناطق مدمرة بالعاصمة، وعاينت كيف يقوم السوريون بتفتيت الحجارة المتهشمة بواسطة آلات طحن خاصة، لتحويلها مجددًا إلى رمل وحصى وطوب يُستخدم في البناء.
وفي مخيم اليرموك جنوبي دمشق، يعيش الأهالي ألما مضاعفا وهم يشاهدون بيوت طفولتهم تتحول إلى أنقاض يعاد تشكيلها لبناء جدران جديدة.
ورغم أن هذه الطريقة أقل تكلفة بكثير من شراء مواد البناء الجاهزة، إلا أنها تنضوي على مخاطر كبيرة من حيث الأمان، غير أن الفقر والحاجة يدفعان الناس إلى استخدامها.
**البناء مكلف
ويقول عبد العزيز عمر، أحد سكان مخيم اليرموك، للأناضول، إن القصف الذي شنه النظام البائد على منزله أودى بحياة والديه وأربعة من شقيقاته.
ويضيف: "انهار البيت بالكامل على رؤوس أفراد العائلة، ما أدى إلى استشهاد أبي وأمي وشقيقاتي داخل المبنى جراء قصف ميليشيات بشار الأسد".
وعن إعادة ترميم المنزل، يقول إنهم بدأوا بإنتاج الطوب من الأنقاض، من خلال استخدام آلات لتكسير الركام، مشيرًا إلى أن ارتفاع تكاليف مواد البناء الأصلية دفع الناس إلى هذا الحل.
ويوضح في هذا السياق أن "إعادة استخدام الأنقاض أوفر بكثير، فهي تخفف التكاليف إلى النصف، وأحيانًا أكثر".
ويشكو من أن "بناء منزل من الصفر مكلف جدًا، إذ تصل تكلفة نقل متر مكعب واحد من المواد إلى 100 أو 150 ألف ليرة (الدولار 11 ألف ليرة)، بينما لا تتجاوز تكلفة المواد المستخرجة من الأنقاض 30 إلى 50 ألف ليرة".
ويتحدث عمر بأسى عن فقدان أصحاب البيوت، قائلاً: "البيت الجديد بلا روح، فالناس رحلوا، والعائلة لم تعد هنا، والذكريات ذهبت معهم. لدينا الآن جدران فقط، لكن لا حياة بداخلها".
ويؤكد أن "الخوف لا يزال يرافق الناس لأن هذه الأبنية قد تنهار في أي لحظة".
وفي خضم سوداوية المشهد، يضيف عمر: "نستعيد ذكريات الماضي، وكل قطعة أثاث كانت تحمل ذكرى عن طفولتنا وألعابنا وأماكننا التي كبرنا فيها. كلها تحت الركام الآن".
ويختتم حديثه قائلاً إن "هجمات النظام البائد لم تدمّر فقط الحجر، بل حطّمت الإنسان أيضًا. لم يتركوا بيتا ولا إنسانا، لأنهم بلا ضمير، ولا رحمة، ولا إنسانية في قلوبهم".
**الطوب هش
أما في منطقة الحجر الأسود جنوبي العاصمة، فقال موسى إدريس إنه مضطر لاستخدام الطوب المعاد تدويره لترميم منزله، موضحًا أن الضائقة الاقتصادية وارتفاع الأسعار جعلاه بلا خيار آخر.
ويضيف في هذا الشأن: "أستخدم الطوب المعاد تدويره لأنني لا أملك المال الكافي، إذ إن سعر الطوبة الواحدة (اللبنة) يبلغ 2700 ليرة، والحصول على تصريح بناء يحتاج إلى مبالغ إضافية أيضا".
ويشير إلى أن الطوب المتوافر في السوق لا يفي بالمعايير، قائلاً: "حتى لو أردنا شراء طوب جيد، لا نجده في الأسواق".
وبشأن الطوب المعاد تدويره يقول إدريس إنه "هشّ وقصير العمر، لكننا نستخدمه مضطرين بسبب شدة الفقر".
ويضيف: "علينا أن نحتمي بسقف مهما كان ضعيفًا، فالإيجار مكلف جدًا، ولابد أن نوفر مأوى لأسرنا".
**لا يوجد بديل
وعن طحن الأنقاض وتحويلها إلى مواد بناء، يقول عمر حسين، الذي يعمل في هذا المجال، إن هذا العمل بات شريان حياة لأهالي المنطقة رغم خطورته الكبيرة.
ويوضح حسين أن الآلات المستخدمة في هذا العمل صُممت في الأصل لطحن الحجارة، لكنها تُستخدم اليوم لتفتيت أنقاض الحرب.
وعن طبيعة العمل يقول: "نحوّل بقايا الركام إلى رمل وحصى، لأنه لا توجد لدينا أي مصادر بديلة، لذلك نعيد استخدام ما تبقى من أنقاض بيوتنا".
وهذه الطريقة "توفر تكاليف كبيرة مقارنة بالمصانع التقليدية، فالتكلفة أقل من النصف، وأحيانًا أقل من ذلك بكثير، وهي أسهل في النقل"، وفق حسين.
وفي الوقت نفسه يحذر حسين من أن هذه العملية تحمل مخاطر مميتة، مشيرا إلى أن "أخطر ما في الأمر وجود قطع حديدية أو ذخائر غير منفجرة داخل الأنقاض، فإذا وُجد صاروخ أو قذيفة لم تنفجر قد يتسبب ذلك بكارثة أو وفاة".
وعلى مدار 14 عاما (2011- 2024)، دمرت طائرات نظام الأسد وبراميله المتفجرة مناطق واسعة في سوريا، موقعة قتلى وجرحى وموجات نزوح ولجوء، فضلا عن دمار هائل في المنازل والمرافق المدنية.
وفي 8 ديسمبر 2024، تمكن الثوار السوريون من دخول العاصمة دمشق، معلنين الإطاحة بنظام بشار الأسد (2000- 2024) الذي ورث الحكم عن أبيه حافظ (1970- 2000).
وخلال الحقبتين فرض نظام البعث قبضة أمنية خانقة، ما جعل السوريين يعتبرون يوم خلاصهم من حكم هذه العائلة (8 ديسمبر) عيدا وطنيا في كافة أنحاء البلاد.