أصبحت كلمة "سفاح" متداولة كثيرا في الآونة الأخيرة، ولكن ليس داخل ساحات المحاكم فقط وإنما في الدراما التلفزيونية المصرية، فقد جذبت قصص القتلة ومرتكبي الجرائم العنيفة صناع الدراما وأصبحوا يتسابقون على تقديمها إلى الجمهور.
ونلقي خلال هذا التقرير، الضوء على حالة السعي نحو هذه القصص الحقيقية وعرضها في قوالب درامية، بالتوازي مع اهتمام كبير من الصُناع عموما بقصص الجرائم والقتل، فقد عرض مؤخرا أكثر من عمل في هذا السياق.
وبدأت هذه الموجة - إذا صح التعبير باستخدام مصطلح موجة عليها- مسلسل "سفاح الجيزة" عام 2023، والذي تناول قصة "المجرم قذافي فراج" المسئول عن قتل 4 أشخاص في فترة قصيرة، من تأليف محمد صلاح العزب، وإخراج هادي الباجوري.
وتلى عرض هذا العمل، إنتاج مجموعة أخرى من المسلسلات التي حملت عبارة مشتركة في بدايتها "مستوحى من أحداث حقيقية"، وركزت على قصص القتل الوحشية أو غير المألوفة، مثل مسلسل "حدث بالفعل"، الذي ضم عددا من الحكايات مثل: قاتلة زوجة ابنها؛ نظرا لحبها الشديد للابن، وقاتلة والديها لأنهما يفرقان في المعاملة مع شقيقتها، وغيرها من القصص.
وحاليا يعرض مسلسل "ساعته وتاريخه"، وهو حلقات منفصلة كل منها يروي قصة واحدة حول جريمة قتل وقعت بالفعل، من تأليف محمود عزت، وإخراج عمرو سلامة، وكانت البداية مع قصة نيرة أشرف، ورغم محاولة العمل توظيف اسم نيرة في البداية للحصول على تريند قوي يجذب المشاهدين لاستكمال المسلسل، إلا أنه من الواضح لم ينجح في ذلك حتى الآن، حيث لم تتصدر أي من القصص المعروضة فيما بعد التريند أو تدخل حيز اهتمام الناس على منصات التواصل الاجتماعي بالشكل الملحوظ.
وبالتالي صار السفاح أو القاتل هو بطل المرحلة في أغلب الدراما المعروضة، سواء كانت القصص مستوحاة من قصص حقيقية أو مسلسلات مبنية على جريمة قتل وغموض مثل مسلسل "بين السطور" و"وتر حساس" اللذان عرضا في 2024.
هذه الحالة لم تتوقف بعد بل أُعلن عملين جديدين يحملان عنوان سفاح، وهما "سفاح المرج" والذي كشف عن تفاصيله المخرج مجدي الهواري، ضمن مشروعه الجديد "القصة الكاملة" المُعلن عنه سابقا، وسوف يتألف من حلقات منفصلة متصلة، ويضم الموسم الأول 10 حلقات، وسفاح المرج إحدى هذه الحلقات من تأليف محمد صلاح العزب وإخراج مريم أبو عوف.
ويتولى محمد صلاح العزب كتابة قصة "سفاح التجمع"، التي تتناول جرائم مرعبة ارتكبها قاتل يدعى كريم سليم بحق عدد من الفتيات بطرق وحشية، وهي نفس القصة التي أعلن المنتج أيمن يوسف، إنتاجها من تأليف جوزيف فوزي، وكأن هناك نزاعا حول من يسبق أولاً ويخرج قصص السفاحين على الشاشة.
- هل هو لهث وراء التريند؟
خلال الطرح تطرقنا للحديث مع متخصصين في المجال الفني حول الاهتمام الكبير من قبل الصناع بدراما الجريمة، وما الدوافع وراء ذلك؟، وكانت البداية مع الكاتب والصحفي جمال عبدالقادر، الذي يرى أن أحد الأسباب القوية وراء انتشار هذه الأعمال بكثافة حاليا هو "الاستفادة من شغف الجمهور بها".
وتابع: "الموضوع يتعلق بشقين، الأول: عندما تظهر جريمة مثل سفاح التجمع أو الجيزة هناك فضول يولد لدى الناس يجعلهم يتابعون تفاصيل الجريمة على منصات التواصل الاجتماعي وفي البرامج المتنوعة، وهذا الفضول يُغري كتاب الدراما ويجذبهم لاستغلال هذه الحالة، وأن القضية على السطح ومحل اهتمام الناس لكي يستفيدوا من رغبة الجمهور في معرفة التفاصيل".
وأضاف: "أما الشق الثاني يتعلق بأمر معتاد التكرار لدينا في مصر وهو النجاح المُعدي، عندما ينجح عمل سواء سينمائي أو تلفزيوني لدينا ينجرف وراءه الجميع، حتى يتحول إلى موضة ويحدث تشبع منه، فيظهر عمل آخر مختلف وينجح وينجرفوا وراءه من جديد، هذه الظاهرة منذ زمن تتكرر سواء في السينما عندما ينجح عمل عن الفتونة تنقلب السينما فتوات أو عمل عن المخدرات يصبح الأمر كله يتعلق بالمخدرات، وهكذا، وانتقل من السينما إلى التلفزيون عندما ينجح عمل صعيدي، ينتج المزيد من المسلسلات الصعيدية، حتى يحدث التشبع".
وأوضح عبدالقادر، أن هذا النوع إذا كتب بطريقة صحيحة سوف يكون ثريا جدا دراميا؛ لأن الموضوع متشابك ومعقد على أكثر من مستوى نفسي وقانوني وغيره، وهذا مغري للكاتب والمخرج فنيا وللممثل أيضا، حيث يمنحهم مساحة من الإبداع، وحاليا هناك حالة تشبع من الكوميديا لذلك التوجه أغلبه في منطقة أعمال "الجريمة والغموض والنفسي".
ويرى عبد القادر، أن أفضل ما عرض في هذا السياق مسلسل "بين السطور" والذي وصفه "بالمتوسط".
ومن جانبها، قالت الناقدة أمل مجدي: "أرى التوجه متسق مع حالة الهوس العالمي بالأعمال الدرامية والوثائقية المنتمية للجريمة الواقعية، تلك الأعمال تحقق نسب مشاهدة عالية على المنصات المختلفة، وبالتالي من المتوقع أن صناع السينما والمسلسلات لدينا يهتمون بتقديم تيمات مشابهة في إنتاجاتهم، كذلك فإن كل مجتمع لديه قضاياه وحكاياته الخاصة التي تستحق أن يتم تناولها ومعالجتها درامية بحيث تتيح لنا الفرصة لتأملها وتحليلها، والحقيقة أن الجرائم تحدث حولنا باستمرار، وبالتأكيد تصبح مادة جذابة للمبدعين لتقديمها في قوالب سردية تمزج بين الواقع والخيال".
ونوهت أمل، بأن الأفكار الجذابة وحدها لا تصنع أعمال درامية عظيمة، المهم هو كيفية الطرح والمعالجة، وحكايات السفاحين العرب بالتأكيد تمتلك عناصر الجاذبية والتشويق والإثارة، لكن تكتسب أهميتها الحقيقية من صياغة بناء سردي مُحكم، قادر على تقديم رؤى تتعمق في زوايا النفس البشرية، وتثير تساؤلات جريئة.
وأكملت: "وبشكل عام، هذه الحكايات تتطلب درجة عالية من الوعي لدي صانع العمل؛ لأن المعالجات الفنية أحيانًا تمنح سمات جذابة للقاتل تجعله محل إعجاب عند الجمهور في مقابل تهميش الضحايا، وقد تعرضت مسلسلات مثل "دامر"، لانتقادات تصفه بتلميع صورة القاتل واستدرار التعاطف معه".
وأضافت: "يبدو أننا أمام إنتاجات متفرقة، بعضها يسعى للتماس مع قضايا جريئة والاشتباك معها، بينما يستهدف البعض الآخر استغلال التريند لتحقيق نجاح سريع، ومع ذلك، يظل المعيار الحقيقي لقياس قيمتها الفنية هو جودتها وقدرتها على الصمود أمام اختبار الزمن".
وذكرت أمل، نموذج "سفاح الجيزة" كأحد الأعمال التي مالت إلى التأثر بالأسلوب الأجنبي في طرح القضية، بالإضافة إلى نهايته الهزلية والضعيفة التي مالت إلى استخفاف شديد بالقضية والضحايا.