تسببت الاختلالات الهيكلية القائمة منذ عهد بعيد، إضافة إلى سلسلة من الصدمات العالمية؛ في إعاقة قدرة القطاع الخاص على الإسهام في تحقيق الرخاء الاقتصادي في مصر، وعلى مدى العقد الماضي، بلغ متوسط الاستثمار الخاص في مصر 6.3% فقط من إجمالي الناتج المحلي، أي ما يقارب من خُمس المتوسط في البلدان متوسطة الدخل، وفق البنك الدولي.
وأشار تقرير للبنك الدولي، صادر في نشرته الأسبوعية، اليوم، إلى أن مصر حددت أهدافا طموحة في هذا المجال لتحقيقها بحلول عام 2030، وتشمل رفع نسبة مساهمة الاستثمار الخاص إلى 65% من إجمالي الاستثمارات، وجذب نحو 60 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار سنويا.
وحققت البلدان النظيرة مثل المغرب وتركيا أهدافا طموحة مماثلة من خلال اعتماد نهج النمو القائم على التصدير.
ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة، اتخذت مصر عدة خطوات أولية نحو تهيئة بيئة أعمال أكثر ملاءمة لنمو القطاع الخاص، ومن بين هذه الخطوات توحيد سعر الصرف، وعلاج التشوهات الشديدة في سوق النقد الأجنبي، وإصدار العديد من القوانين الجديدة لتحسين الإطار التشريعي الحاكم لبيئة أنشطة الأعمال، والتنفيذ الجاري لسياسة ملكية الدولة، التي تنظم مشاركة الدولة في الأنشطة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، قالت نورهان الجبلي نائبة رئيس الجمعية المصرية لشباب الأعمال، العضو المنتدب لشركة بولي سيرف للأسمدة والكيماويات، إن أهم إجراء يمكن للحكومة اتخاذه لتهيئة الظروف الداعمة لنمو القطاع الخاص، هو الحد من عدم اليقين في السياسات، من خلال تنفيذ مجموعة مستقرة ومنظمة من اللوائح الخاصة بممارسة أنشطة الأعمال في مصر، وأن تكون متسقة مع المعايير الدولية، ويمكن تحقيق ذلك بطرق مختلفة، منها تعديل قوانين الاستثمار الحالية لزيادة تمكين شركات القطاع الخاص وتمكينها من زيادة مستوى مشاركتها في الإنتاج والتصنيع، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات التشغيل، مما يعود بالنفع على المواطنين والاقتصاد المصري ككل، وفق البنك الدولي.
وتظهر البحوث التي أجرتها مجموعة البنك الدولي، أن مصر لديها فرص واضحة المعالم يمكن استغلالها والاستفادة منها.
وسلطت الدراسة التشخيصية للقطاع الخاص في مصر التي أجريت في عام 2020، الضوء على الإمكانات المتوفرة لدى بعض القطاعات، مثل قطاع الصناعات الزراعية.
وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من 10 مليارات دولار من إمكانات التصدير في الزراعة والأغذية لا تزال غير مستغلة، وكذلك قطاع الصناعات التحويلية.
وأظهرت أن متوسط نسبة إجمالي الناتج المحلي، والتشغيل، في عام 2020، بلغ 16.6% و12% على التوالي، وأيضا قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، منوهة بتمتع مصر بمكانة جيدة تؤهلها لأن تكون مركزاً رقمياً إقليمياً لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
ولفتت الدراسة، إلى أنه فيما يتعلق بالعديد من الصناعات التحويلية، يمكن للحكومة أن تساند الشركات المحلية للوصول إلى المعايير الدولية، وأن تعيد توزيع العمالة بغرض توسيع /تحويل خطوط الإنتاج إلى المنتجات والأجهزة الطبية المطلوبة.
وللاستغلال الأمثل لهذه الفرص، اقترحت الدراسة، بعض الإصلاحات التي تسهم في خلق بيئة تنظيمية داعمة، وترشيد دور الدولة في الاقتصاد، وخلق فرص متكافئة مع القطاع الخاص، وتعزيز المنافسة، وتبسيط الإجراءات المعوقة لأنشطة التجارة.
وبناءً على هذه الدراسة التشخيصية، والإصلاحات التي تمت مؤخراً، تقوم مجموعة البنك الدولي حالياً بدعم الحكومة المصرية لوضع توصيات قابلة للتنفيذ في مجالات التنمية الصناعية، وتعزيز التجارة، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتُعد زيادة مستوى ربط مصر بسلاسل القيمة العالمية أحد مجالات التركيز المهمة، حيث قامت مجموعة البنك الدولي مؤخراً بدعم لجنة تيسير التجارة المصرية في وضع نهج جديد قائم على تحليل المخاطر لمراقبة الحدود، وسوف يؤدي تنفيذه إلى اختصار الوقت الذي تستغرقه أنشطة نقل البضائع عبر الحدود، كما أن الارتقاء بكفاءة منظومة القضاء التجاري يُعد مجالاً رئيسياً آخر للتركيز، لا سيما فيما يتعلق بإنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار.