واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تصعيد التوتر مع فنزويلا، بعد قرار جديد يسمح لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) بتنفيذ مهام ميدانية داخل الأراضي الفنزويلية، في أول تحرك أمريكي مباشر على الأرض منذ شهر من العمليات العسكرية في البحر الكاريبي، التي استهدفت مواطنين فنزويليين بدعوى تورطهم في تجارة المخدرات، وأسفرت عن مقتل العشرات جراء القصف الأمريكي.
ورغم اشتعال التوتر منذ سبتمبر الماضي، فإن العلاقات بين واشنطن وكراكاس شهدت تحولات متكررة خلال العقود الماضية، تمحورت في معظمها حول النفط الفنزويلي وصراع النفوذ الأمريكي في أمريكا الجنوبية.
وفيما يلي استعراض لأبرز مراحل تصاعد التوتر بين البلدين خلال السنوات الماضية، استنادًا إلى تقارير الجارديان ونيويورك تايمز وCNBC وفوكس نيوز.
- التدخل الأمريكي ودعم النظام الدكتاتوري في فنزويلا
تأثرت الولايات المتحدة بالأوضاع السياسية في دول أمريكا اللاتينية والجنوبية، حيث سعت المخابرات الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة إلى منع تمدد الأنظمة الشيوعية في المنطقة.
وكان نصيب فنزويلا دعم واشنطن للرئيس ماركوس خيمينيز الذي قاد انقلابًا على أول رئيس فنزويلي منتخب عام 1948، ليتولى الحكم رسميًا عام 1953 بعد فترة انتقالية، مدعومًا من الولايات المتحدة.
وشهدت تلك المرحلة تعاونًا اقتصاديًا متزايدًا بين البلدين، خاصة في مجال النفط، إذ كانت فنزويلا آنذاك من أكبر منتجي الخام في العالم.
انتهى حكم خيمينيز عام 1958 بانقلاب مضاد وبداية عهد الرؤساء المنتخبين، إلا أن سقوط الحليف الأمريكي لم يُنهِ التعاون بين البلدين، حيث واصل الرؤساء اللاحقون الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والنفطية مع واشنطن، بينما امتنعت فنزويلا عن دعم المدّ الشيوعي في المنطقة خلال الستينيات والسبعينيات، رغم انضمام دول مثل كوبا ونيكاراجوا لذلك المعسكر.
- شافيز وتحدي السياسات الأمريكية
بدأت أولى موجات التوتر الحقيقي بين البلدين مع وصول الرئيس اليساري هيوجو شافيز إلى الحكم عام 1998، إذ استهلّ ولايته بتأميم حقول النفط الفنزويلية المملوكة لشركات أمريكية، ما ضاعف الناتج القومي للبلاد، بالتوازي مع تعميق العلاقات الاقتصادية مع كوبا المحاصَرة أمريكيًا، الأمر الذي أضعف فعالية العقوبات المفروضة على هافانا.
واصل شافيز تحديه لواشنطن عبر زيارات وتصريحات مثيرة للجدل، كان أبرزها زيارته إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في بغداد — كأول رئيس يزوره منذ حرب الخليج — في تحدٍّ مباشر للعقوبات الأمريكية.
كما تبنّى مواقف داعمة لـ البرنامج النووي الإيراني، وأخرى مناهضة لـ سياسات إسرائيل حليفة واشنطن.
ورغم التوتر السياسي، لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين بشكل جوهري؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري عام 2007 نحو 50 مليار دولار، أغلبها من صادرات النفط الفنزويلي.
وفي المقابل، صنّفت واشنطن فنزويلا عام 2005 كـ"دولة غير ملتزمة بمكافحة المخدرات"، قبل أن تتراجع لاحقًا عن بعض العقوبات. كما اقترحت إنشاء آلية لمراقبة تطبيق الديمقراطية في أمريكا الجنوبية، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة لعزل كراكاس، لكن المقترح قوبل بالرفض من معظم دول المنظمة الأمريكية.
- المظاهرات الفنزويلية وبداية العقوبات الأمريكية
تزايد التوتر في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي اتهم شافيز بدعم التمرد المسلح في كولومبيا، ما أدى إلى سحب السفراء بين البلدين.
وبعد وفاة شافيز عام 2013، تولى نيكولاس مادورو الحكم، لتندلع في عام 2014 مظاهرات واسعة معارضة له، دعمتها واشنطن سياسيًا، وفرضت على إثرها عقوبات اقتصادية على مسؤولين فنزويليين بدعوى تورطهم في قمع الاحتجاجات.
- ترامب ودعم "الحكومة الموازية" واتهام مادورو بالمخدرات
في فترة رئاسته الأولى، صعّد ترامب المواجهة مع فنزويلا عبر الاعتراف بالحكومة الموازية بقيادة خوان جوايدو عام 2019، وأنشأت الولايات المتحدة سفارة مؤقتة في كولومبيا للتنسيق مع المعارضة.
وشهدت الأزمة تدخلًا عسكريًا محدودًا من شركة أمنية أمريكية نفذت عملية "غديان" الفاشلة لغزو فنزويلا والإطاحة بمادورو، انتهت باعتقال المهاجمين وبينهم مواطنون أمريكيون.
وفي عام 2020، وجه ترامب اتهامًا رسميًا للرئيس مادورو بتجارة المخدرات، معلنًا مكافأة قدرها 15 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تساعد في القبض عليه.
- تحسن نسبي في عهد بايدن
شهدت العلاقات بين البلدين انفراجة مؤقتة خلال رئاسة جو بايدن، حيث رفعت واشنطن العقوبات جزئيًا، وزادت من استيراد النفط الفنزويلي تعويضًا عن النقص في الإمدادات الروسية بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
وفي المقابل، أفرجت كراكاس عن عدد من المحتجزين الأمريكيين، واتفقت مع المعارضة على تنظيم انتخابات نزيهة بإشراف إعلامي دولي.
- ترامب وعودة التصعيد العسكري
غير أن عودة ترامب إلى الحكم عام 2025 أعادت التوتر إلى ذروته؛ إذ بدأ ترحيل مهاجرين فنزويليين في ظروف وصفتها المنظمات الحقوقية بغير الإنسانية، ما أدى إلى مصرع عدد منهم، وأثار استنكارًا واسعًا في فنزويلا.
كما جدد ترامب اتهام مادورو بـ"تجارة المخدرات والإضرار بالأمن القومي الأمريكي"، ورفع المكافأة المعلنة لتسليمه إلى 50 مليون دولار.
وفي أغسطس الماضي، نشر الجيش الأمريكي قطعًا بحرية تضم مدمرات وطرادات وسفن برمائية وغواصة نووية في البحر الكاريبي قرب السواحل الفنزويلية، تلاها في سبتمبر قصف خمس سفن فنزويلية قالت الإدارة الأمريكية إنها تابعة لعصابات تهريب المخدرات، ما أدى إلى مقتل نحو 40 شخصًا في حادث وصفته الحكومة الفنزويلية بأنه "إعدامات ميدانية".