• رئيس جامعة الأزهر يؤكد أهمية إصدار تشريع يجرِّم التجرؤعلى الفتوى من قِبل غير المتخصصين
قال مشاركون في الجلسة العلمية الثانية لندوة دار الإفتاء الدولية الأولى، تحت عنوان "حماية الأمن الفكري: التحديات وطرائق الفتوى في المواجهة"، إن الندوة منصة علمية رائدة لتعزيز قيم الحوار والانفتاح الفكري، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الفتوى تمثل أداة استراتيجية لتحصين الأمن الفكري في مواجهة التحديات المعاصرة.
وقال رئيس الجلسة العلمية الثانية في الندوة، إن الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، والذي أشاد بالنجاح اللافت الذي حقَّقته الندوة في يومها الأول، إن هذه الندوة تمثِّل منصة علمية رائدة لتعزيز قيم الحوار والانفتاح الفكري.
وفي كلمته أكَّد الأستاذ الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، على أهمية التفاعل العلمي المستمر في مجال الفتوى، مشيدًا بجهود فضيلة المفتي في قيادة حراك علمي يهدف إلى الحفاظ على القيم الشرعية والفقهية.
وشدد على أهمية إصدار تشريع يجرِّم التجرؤعلى الفتوى من قِبل غير المتخصصين، مشيرًا إلى أن هذه الظاهرة قد أصبحت من الآفات التي عمَّت بها البلوى، ويجب على العلماء والمختصين في الفتوى العمل على استصدار تشريعات تجرمها موضحا ان لفتوى ليست مجالًا للعبث أو التصدر من قبل من لا يملكون علمًا كافيًا."
وأشار إلى أن الفتوى لها حدود يجب أن يحترمها الجميع، ويجب على الناس الرجوع إلى أهل العلم المختصين عند الحاجة. وأضاف أن "أهل الذكر هم الذين اشتُهروا بالتخصص في الفقه وعلم الأصول، وليس مجرد من يملك الشهرة."
وختم بالتأكيد على ضرورة الاجتهاد والتجديد في الفتوى، مشيرًا إلى أن هذه العملية لا ينبغي أن تعتمد على آراء الأفراد فقط، بل يجب أن تُدار من خلال الهيئات العلمية والمجمعات الفقهية التي تتمتع بالكفاءة والشمولية.
وتحت عنوان "الفتوى وتحقيق الأمن الفكري"، قدم الدكتور إبراهيم ليتوس، مدير الأكاديمية الأوروبية للتنمية والبحث في بلجيكا، مداخلة في الجلسة العلمية الثانية استعرض فيها بحثه بعنوان "الفتوى في المجتمع الأوروبي: ما لها وما عليها - بلجيكا أنموذجًا" وبيَّن العديد من القضايا الهامة المتعلقة بتحديات الفتوى وتأثيرها على الأمن الفكري.
وأكد أنَّ "تزايد أعداد المسلمين في أوروبا يعكس الحاجة الملحة إلى فتاوى صحيحة تساعد المجتمعات المسلمة في التعامل مع القضايا اليومية والنوازل، وأن الفتوى داخل هذه المجتمعات تختلف تمامًا عن تلك الموجودة في العالم الإسلامي".
وأضاف: "إن الأمن الفكري يعد من الأبعاد الاستراتيجية للأمن القومي والوطني، ويعتبر وسيلة مهمة للحفاظ على السلم الاجتماعي".
كما أكدت الأستاذة الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين، خلال كلمتها في الجلسة العلمية الثانية، أن الفتوى تمثل أداة استراتيجية لتحصين الأمن الفكري في مواجهة التحديات المعاصرة.
وأشارت إلى أهمية الفتوى كأداة لحماية العقول وضبطها وَفْقَ المقاصد الشرعية، حيث اعتبرت أن الفتوى ليست مجرد حكم فقهي، بل رؤية شاملة تعالج القضايا الفكرية والاجتماعية، وتواجه الأفكار المضللة التي تهدد النسيج المجتمعي.
وذكرت مستشارة شيخ الأزهر لشؤون الوافدين أنَّ الأمن الفكري أصبح ضرورة استراتيجية تمسُّ كيان الأمة واستقرارها، مشيرة إلى أن الأفكار، مهما كانت بسيطة، قد تحمل في طياتها بذور بناء الحضارات أو معاول هدمها.
وأشارت إلى أن التطرف الفكري يمثل أحد أخطر الآفات التي تهدد استقرار المجتمعات، حيث تعتمد الجماعات المتطرفة على تحريف النصوص الشرعية لتبرير أعمالها.
وفي سياق حديثها عن آليات الفتوى، أكدت د. نهلة الصعيدي على ضرورة إعادة تأصيل المنهج الإفتائي، بحيث يُبنى على منهجية راسخة تجمع بين أصالة النصوص الشرعية واستيعاب متغيرات العصر.
ودعت إلى توسيع أفق المفتي ليشمل القضايا الاجتماعية والفكرية الحديثة، مع الالتزام بمقاصد الشريعة التي تسعى إلى تحقيق الخير ودفع الضرر.
وتناول الأستاذ الدكتور عبد الله مبروك النجار في بحثه "مفهوم الفتوى ودورها في الدفاع عن قضايا الأمة"، خاصة القضية الفلسطينية، تعريف الفتوى، حيث أوضح أنها ليست مجرد إخبار بحكم شرعي غير ملزم، بل هي إعلام للفرد بما يجب عليه فعله شرعًا لإبراء ذمته أمام الله.
كما تطرق لأهمية مرونة الفتوى في التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وشدد على ضرورة أن تتواكب الفتوى مع الواقع وتُعدل وفقًا للزمان والمكان، كذلك أكَّد أن الأحكام الشرعية قد تتغير بتغيُّر الظروف والمستجدات، إذ ما كان مباحًا في وقت سابق قد يصبح محظورًا في وقت لاحق، والعكس صحيح، مما يعكس مرونة الشريعة الإسلامية وقدرتها على التعامل مع مستجدات الحياة.
وفي المبحث الأول، سلط الضوء على العلاقة بين الشأن العام والفتوى ودورها في قضايا الأمة، أما المبحث الثاني فتطرق لكيفية تطبيق الفتوى في قضايا الأمة، مع التركيز على القضية الفلسطينية.
من جهته أكَّد الدكتور محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة الإسلامية عضو مجمع البحوث الإسلامية، في بحثه بعنوان "جهود الفتوى في الحفاظ على الأمن الفكري والمجتمعي"، تأثير الإلحاد على الأمن الفكري والمجتمعي في عصر المادة، مشيرًا إلى أن سيطرة المال والمادة على مسار الشعوب يخل بمفهوم الإنسان الذي يتكون من بُعدين مادي وروحي.
وأكد أن التحديات الفكرية التي يواجهها الإنسان، مثل الإلحاد الذي يعزز الفكر المادي والإفراط الحسي، تتطلب دورًا فعَّالًا من مؤسسات الإفتاء في تصحيح المفاهيم الدينية وتوعية المجتمع بخطر هذا الفكر على الهُوية والمعتقد.
وشدد الجندي على ضرورة تعزيز الجهود الإفتائية لمكافحة الإلحاد والتصدي له بالمنهج العلمي، وتضمين المناهج الدراسية التوعية بمخاطر الإلحاد وآثاره السلبية على الفكر والسلوك، موصيًا بضرورة تعاون المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي لتفعيل الوعي الديني الصحيح والعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة.
وفي السياق ذاته؛ أشارت الدكتورة رهام عبد الله سلامة -مديرة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف- إلى الجهود المبذولة للتعامل مع الجماعات المتطرفة من خلال ثلاث إدارات متخصصة تركز على رصد أنشطة الجماعات الإرهابية مثل "داعش" وأمثالها عبر منصات التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات.
واستعرضت أبرزَ تهديدات الأمن الفكري، مشيرةً إلى استغلال بعض الجماعات الدينَ لتحقيق مصالحها، ونشر الأخبار الضالة والضارة، والغزو الثقافي الذي يهدد الهوية، مؤكدة أن قلة الوعي والمعلومات كانت سببًا في سقوط آلاف الضحايا على أيدي هذه الجماعات المتطرفة، التي تتَّخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منصةً لبثِّ أفكارها.
واختتمت حديثها بالتأكيد على استمرار الجهود المبذولة لدعم الأطفال وحمايتهم من خلال برامج التوعية في المدارس، متعهدة بالمُضي قدمًا في هذه المسيرة.
وفي إطار متصل قال الدكتور محمد عبد السلام أبو خزيم، أستاذ الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة عين شمس، إن "استثمار طاقات دار الإفتاء المصرية يعدُّ أمرًا ضروريًّا في التصدي للفتاوى العشوائية، مما يسهم في تعزيز الأمن الفكري والانتماء الوطني".
وأشار إلى الدور البارز الذي تضطلع به دار الإفتاء المصرية عبر تاريخها الطويل في دعم البحث الفقهي وإصدار الفتاوى الرصينة. وأوضح أن "الفتوى ليست مجرد إجابة على سؤال، بل هي عبارة عن عمل علمي يتطلَّب فهمًا عميقًا للنصوص الشرعية ومقاصدها، بالإضافة إلى التفاعل مع المستجدات المعاصرة."
كما أكد على أهمية التصدي للفتاوى العشوائية التي قد تُحدث بلبلة في المجتمع، قائلًا: "إن الفوضى الفكرية التي تنتج عن الفتاوى المغلوطة تؤثر سلبًا على التوازن الفكري والاقتصادي والاجتماعي. ومن هنا تأتي أهمية وجود أمانة الفتوى والإدارات الشرعية القادرة على تحليل الواقع وبيان الرأي الفقهي الصحيح."
كما أكَّد على دور دار الإفتاء المصرية كمرجعية علمية تسعى إلى الحفاظ على الوسطية والاعتدال في الفتوى، والتصدي لأي محاولات تشوه صورة الإسلام وتعكر صفو التعايش السلمي بين أفراد المجتمع.
وتناول الأستاذ الدكتور أنس أبو شادي، أستاذ الفقه المقارن ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية الطب بنين جامعة الأزهر، دراسة تأثير الفتاوى الشاذة على الأمن الفكري للمجتمعات، مسلطًا الضوء على خطر هذه الفتاوى التي تخرج عن المسار الطبيعي للفقه الإسلامي.
وأوضح في بحثه أن الفقه الإسلامي يتميز بالتعددية والمرونة، ولكنه يبين أيضًا أن بعض الفتاوى قد تخرج عن هذا الإطار لتصبح شاذة، مما يهدد الأمن الفكري للأفراد والمجتمعات، ويتضمن البحث دراسة تطبيقية تهدف إلى قياس مدى انتشار الفتاوى الشاذة في المجتمع، خاصة بين فئة الشباب الجامعي، مما يزيد من أهمية التصدي لهذه الظاهرة.
واستعرض البحث معايير الفتاوى الشاذة والباطلة والصحيحة ويحدد الفروق بينها، موضحًا أن الفتاوى الشاذة قد تنحرف عن مقاصد الشريعة الإسلامية، مثل التغيير في الدين أو الإضرار بالمجتمع.
وبدوره، قدم الدكتور أنس أبو شادي مجموعة من التوصيات لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة والفتاوى الشاذة، أبرزها: تعزيز المناهج الدراسية لمكافحة هذه الأفكار، وإعداد برامج تعليمية مدروسة بعناية للتصدي لها، مع التأكيد على رصد هذه الأفكار بشكل دوري بين الطلاب، كما وإنشاء مركز قومي لإعداد المناهج الدراسية الخاصة بمكافحة هذه الأفكار الضارة، مع وضع سياسات متابعة ورصد دقيقة لضمان تأثير فعال في تقليص هذه الأفكار في المجتمع.
وفى كلمته، أكد الدكتور محمد أحمد العزازي، أستاذ أصول الفقه بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، على أهمية دور المفتي كونه يمثل سلطة دينية تخاطب الجماهير بإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية. وأوضح أن علم أصول الفقه يُعد من الأدوات الأساسية التي تعين المفتي على إصدار الفتاوى الصحيحة والملائمة لمتطلبات العصر، حيث يسهم في حماية الفتاوى من الأخطاء والانحرافات.
وفي بحث بعنوان "دَور دار الإفتاء المصرية في تعزيز الأمن الفكري"، أكَّد الأستاذ الدكتور هشام العربي، كبير باحثين بالأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أنَّ قضية الأمن الفكري تعدُّ من القضايا الحيوية في المجتمع، حيث يشكِّل غيابه تهديدًا لأوجه الأمن الأخرى، إذ لا تقتصر الانحرافات الفكرية على الجانب العقائدي فحسب، بل تمتدُّ إلى السلوكيات والتصرفات التي تؤثر على استقرار المجتمع
وأضاف العربي: "منهجية دار الإفتاء المصرية في الحفاظ على الأمن الفكري تتمثل في الْتزامها بعدم مخالفة النصوص الشرعية القطعية والإجماع الفقهي،كما تأخذ في الاعتبار المقاصد الشرعية ومراعاة الواقع في إصدار الفتاوى التي تحقق مصالح الناس وتدفع المفاسد".
وفي ختام الجلسة، أكد الدكتور محمد الأدهم، مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء المصرية، على أهمية سلامة التفكير كعامل رئيسي في صلاح الكون، مشيرًا إلى أن صلاح الكون أو فساده يتوقف على مدى سلامة تفكير الإنسان الذي يعيش فيه، وأن ضمانة سلامة التفكير تكون عبر "سياج الأمان الأول وهو الوحي".
وأضاف الأدهم أن الشرع الإسلامي لم يقتصر على معالجة سلامة التفكير في العقائد والأخلاق فحسب، بل تناول أيضًا الفقه والأحكام الشرعية والفتاوى.
وفي معرض حديثه عن مواجهة الفتوى للانحرافات الفكرية، استعرض مدير إدارة فتاوى المحاكم والمؤسسات بدار الإفتاء بعضَ صور الانحراف الفكري، مثل الأعراف الفاسدة، والتمسك بظواهر النصوص دون فهم مقصودها.
كما أكد على دَور دار الإفتاء المصرية في محاربة محاولات التغريب والغزو الفكري، والفتاوى المتطرفة، ومنع ظاهرة التكفير.
واختتم الدكتور محمد الأدهم كلمته بالإشارة إلى أنَّ"دار الإفتاء المصرية تسعى دائمًا لتصحيح المفاهيم وإرساء دعائم الأمن الفكري"، من خلال الفتاوى التي تعالج القضايا الملحَّة في المجتمع، مؤكدًا أهمية هذه الجهود في تعزيز الفكر الصحيح والتعايش السلمي بين جميع أفراد المجتمع.