تحول مقلق في منحنى الرضا على مستوى العالم: الشباب يعانون وكبار السن أكثر رضا - بوابة الشروق
الخميس 18 سبتمبر 2025 1:27 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

تحول مقلق في منحنى الرضا على مستوى العالم: الشباب يعانون وكبار السن أكثر رضا

هانوفر(أمريكا) - (د ب أ)
نشر في: الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 12:33 م | آخر تحديث: الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 12:33 م

يشعر الشباب اليوم في المتوسط بتعاسة أكبر بكثير مما كانوا عليه قبل سنوات. ورصد فريق بحثي - بقيادة الباحث في مجال السعادة ديفيد بلانشفلاور من كلية دارتموث بمدينة هانوفر الأمريكية - تحولا في منحنى الرضا بين الأجيال خلال دراسة نشرت في دورية "بلوس وان". ولفترة طويلة كان الشعور بالاستياء بين الأفراد يتخذ على مدار الحياة منحنى أشبه بالتل، حيث يزداد الاستياء مع بعض التقلبات حتى مرحلة منتصف العمر - أي في سن الخمسين تقريبا المعروفة بـ "ذروة الضغط الحياتي" - ثم ينخفض الاستياء بشكل ملحوظ مرة أخرى. وقد رصدت دراسات مختلفة هذا النموذج في كل من الدول الصناعية والنامية.

بمعنى آخر، كان يُلاحظ أن الشباب وكبار السن يتمتعون بمستوى نفسي أفضل نسبيا، في حين كانت فئة منتصف العمر – التي تعاني ضغوط الموازنة بين العمل وتربية الأطفال وأحيانا رعاية الوالدين – تعاني من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب. أما الآن، فيبدو المنحنى مختلفا تماما: فالشباب البالغون هم الأكثر استياء، بينما يزداد الناس رضا مع التقدم في السن. وتؤكد نتائج حديثة نُشرَت هذا العام هذا التحول في النمط العام.

 

-الشباب في جميع أنحاء العالم يواجهون مشكلات

في الدراسة الحالية، حلل الباحثون بيانات استطلاعات موسعة حول الصحة النفسية للبالغين في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، استعان الباحثون ببيانات مشابهة من دراسة "عقول عالمية" التي شملت ما يقرب من مليوني شخص من 42 دولة أخرى. وتشير النتائج - بحسب فريق البحث - إلى أن هذا التغير في منحنى الرضا النفسي يشكل نمطا عالميا متكررا.

أوضح الباحثون أن المشكلات النفسية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا باتت "أعلى بين فئة الشباب، وتتناقص تدريجيا مع التقدم في السن"، وهو ما يمثل تغييرا جذريا عن النمط السابق، "حيث كانت الاضطرابات النفسية تبلغ ذروتها عادة في منتصف العمر".

وبالمقارنة بين فترتين زمنيتين، كشفت بيانات الولايات المتحدة من 2009 إلى 2018 عن استمرار المنحنى التقليدي في مستويات الرضا، غير أن بيانات الأعوام من 2019 إلى 2024 أظهرت تغيرا ملحوظا في الاتجاه، حيث يزداد الرضا تدريجيا على مدار الحياة. ولم ينخفض مستوى عدم الرضا في فئة منتصف العمر بشكل كبير، ما يشير إلى أن التغير في المنحنى يرجع في المقام الأول إلى تدهور كبير في الحالة النفسية للشباب.

 

-الخبراء يشعرون بالقلق

يرى كارلهاينس روكريجل، خبير الاقتصاد الكلي والباحث في مجال السعادة من جامعة نورنبرج التقنية في ألمانيا، أن نتائج الدراسة "مقلقة للغاية"، مضيفا أن دراسات أخرى أظهرت بالفعل اتجاهات مماثلة. وقال روكريجل في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ): "الأدلة دامغة".

 

-ولكن لماذا حالة الشباب اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل بضع سنوات؟

كتب معد الدراسة بلانشفلاور وزملاؤه: "أسباب هذا التغيير مثيرة للجدل، لكننا نشعر بالقلق من وجود أزمة خطيرة في الصحة النفسية بين الشباب اليوم، والتي يتعين معالجتها"، مشيرين في ذلك إلى ثلاثة أسباب محتملة، ألا وهي: التداعيات طويلة المدى للأزمة المالية على الأجيال الشابة في سوق العمل، وآثار القيود خلال جائحة كورونا، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الشباب على نطاق واسع.

يرى الباحث المستقل روكيجل أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي - مقارنة بعواقب الأزمة المالية - يمثل هنا عاملا مؤثرا رئيسيا، موضحا أن الشباب يقارنون أنفسهم باستمرار على هذه الوسائط، إما بالآخرين أو بمعايير غير واقعية، وقال: "نعلم أن هذه المقارنات تمثل إشكالية كبيرة لرفاهيتنا".

وتتبنى عالمة الاجتماع هيلكه بروكمان من جامعة "كونستركتور" الخاصة في مدينة بريمن الألمانية وجهة نظر مماثلة، وترى أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يسهم في نشر مشاعر الاستياء بشكل خاص بين الفتيات والشابات. وأوضحت بروكمان أن الفتيات غالبا ما يُختزَلن على وسائل التواصل الاجتماعي في مظهرهن أو يُنظر إليهن من منظور جنسي، كما أنهن أكثر عرضة للوقوع ضحايا على الإنترنت. وذكرت بروكمان أن تلك الشبكات تحفزهن علاوة على ذلك على مقارنة أنفسهن ليس فقط بالفتيات الأخريات في مجموعتهن، بل أيضا بنطاق أوسع من الأشخاص، بما في ذلك شخصيات وهمية، وقالت: "أصبح العالم كله بمثابة مجموعة أقراني. الضغط للتوافق والنجاح قاسٍ".

 

-الدراسة تنطوي على ثغرات منهجية

ومع ذلك، ترى بروكمان أيضا بعض الثغرات في منهجية الدراسة: على سبيل المثال، تجد بروكمان أن تحليل البيانات غير مناسب لاستخلاص استنتاجات حول ما إذا كانت الارتباطات الملحوظة بالصحة العقلية ناجمة بالفعل عن العمر، وليس عن عوامل مستقلة أخرى على الأرجح - مثل انتشار الهواتف الذكية أو الحرب في أوكرانيا.

وأوضحت بروكمان أنه من الممكن أن يكون التأثير الذي لوحظ في الدراسة مقتصرا على فئة معينة من الشباب، مثل أولئك الذين عايشوا جائحة كورونا في سن المراهقة، وتعرضوا لقيود شديدة خلال تلك الفترة، وقالت: "لذلك، لا نعرف حاليا: هل سيستمر الشباب في المعاناة من عدم استقرار الصحة العقلية في المستقبل، أم أن هذه مجرد ظاهرة مؤقتة؟ أرجح هذه الأخيرة وآمل أن يكون الأمر كذلك"، موضحة في الوقت نفسه أنه لا يمكن استنتاج تغييرات طويلة المدى من هذه البيانات.

 

-الأزمات والحروب وتغير المناخ

ويؤكد كل من بروكمان وروكريجل التأثير الكبير لجائحة كورونا، ويرجحان أن الوضع العالمي الكئيب وغير المتوقع، مع الحروب وأزمة المناخ، قد يكون له تأثير أيضا. ويبقى السؤال: هل هذا التحول المحتمل في المنحنى أمر سيء فعلا؟ ففي نهاية المطاف، يبدو أن مستوى الرضا يزداد على مدار العمر.

وعلى الرغم من التحسن الذي يلاحظ مع تقدم العمر، يشير فريق البحث إلى أن المشكلات النفسية في سن الشباب قد تترك آثارا طويلة المدى، بدءا من التأثيرات الجسدية المرتبطة بها وصولا إلى التأثير على الأداء الأكاديمي أو الانخراط في سوق العمل.

وقالت بروكمان: "سنوات الشباب تمثل مرحلة حاسمة في حياة الفرد. إذا تأثرت صحة الشباب العقلية بشكل سلبي، فإن هذا قد يتسبب في معاناة طويلة الأمد".

وقدّم معهد "روبرت كوخ" الألماني لمكافحة الأمراض مؤخرا تحليلا يظهر أن نسبة من صنفوا رفاهتهم على أنها منخفضة كانت مرتفعة بشكل خاص بين من تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، حيث بلغت حوالي 40%. أما بين من تتراوح أعمارهم بين 65 و79 عاما، فكانت النسبة حوالي 17% فقط. بالإضافة إلى ذلك، أظهر تحليل نُشرَ في دورية "نيتشر مينتال هيلث" أن مؤشر الرفاهة ظل ثابتا تقريبا في المتوسط في 22 دولة حتى سن الخمسين، ولم يرتفع إلا مع التقدم في السن. وكتب فريق البحث الذي أجرى هذا التحليل: "يبدو أن الأجيال الشابة تعاني من مشكلات أكثر من الأجيال السابقة".

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك