- تقطع إسرائيل الاتصالات لتمييز ورصد شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة الفلسطينية وتتبع موجاتها والعمل على اختراقها
- قطع الاتصالات يدخل الفلسطينيين في حالة نفسية صعبة جراء الخوف والقلق المتواصلين على ذويهم وعائلاتهم
- تسعى إسرائيل من خلال هذه السياسة إلى عزل قطاع غزة عن العالم الخارجي في محاولة لمنع خروج الصورة والكلمة من القطاع
- من أهداف إعادة الاتصال التواصل مع شبكة المتخابرين معها على الأرض
- كما تهدف لدعم عملياتها الميدانية من خلال التواصل مع فرق المؤسسات الدولية ومع الفلسطينيين لأغراض الإخلاء والتهديد
تعمدت إسرائيل، على مدار نحو عامين من حرب إبادتها المتواصلة على قطاع غزة، قطع شبكة الاتصالات والإنترنت بشكل كلي ومتكرر ولأوقات طويلة، في خطوة يعتبر مسئول أمني فلسطيني أن الهدف منها "استخباري وعسكري ونفسي وإعلامي".
هذا الانقطاع الذي يستمر عادة لعدة ساعات أو أيام ويعزل القطاع بشكل كامل عن العالم الخارجي، يمس بشكل مباشر القطاعات الحيوية التي تعمل أصلا في حدها الأدنى، مثل الدفاع المدني والإسعافات والمستشفيات، بالإضافة إلى تعطيل توزيع المساعدات الإنسانية وشل مظاهر الحياة اليومية.
ورغم الإدانة الأممية والحقوقية لهذه السياسة التي توصف بأنها "خطيرة وغير أخلاقية"، إلا أن إسرائيل تواصل تنفيذها دون أي اعتبار للقانون الدولي، ما يعزز من تجاهلها التام للمعايير الإنسانية وحياة المدنيين في غزة.
والأربعاء، أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية، انقطاعا في خدمات الإنترنت الثابت والاتصالات الأرضية في مدينة غزة وشمال القطاع نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر.
وقالت الشركة في بيان، "انقطاع في خدمات الإنترنت الثابت والاتصالات الأرضية في محافظتي غزة وشمال غزة نتيجة استهداف (الجيش الإسرائيلي) عدة مسارات رئيسية مغذية للمنطقة في ظل العدوان المستمر".
وأردفت الشركة: "طواقمنا تعمل على مدار الساعة لإصلاح الأعطال في ظل الوضع الميداني الخطير".
ومنذ بدء الإبادة في 7 أكتوبر 2023، قطعت إسرائيل خدمات الإنترنت والاتصالات كليا أكثر من 12 مرة، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى حجب غزة عن العالم وتعطيل جهود الاستجابة الإنسانية، وفق بيان للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
- الأهداف الإسرائيلية للقطع
قال مسئول أمني فلسطيني (رفض الكشف عن هويته)، للأناضول، إن إسرائيل توظف قطع الاتصالات والإنترنت عن غزة لتحقيق عدة أهداف.
الهدف الأول، وفق المسئول الأمني، "الاستخباري والعسكري، حيث استفادت إسرائيل في مراحل سابقة خلال الحرب من قطع شبكة الاتصالات والإنترنت عن أنحاء واسعة في شمال غزة تحديدا، من أجل تمييز ورصد شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة الفلسطينية وتتبع موجاتها، والعمل على اختراقها واستهداف عناصر الفصائل وقادتها العسكريين".
وعن الهدف الثاني وهو النفسي، فإن قطع الاتصالات يدخل الفلسطينيين في حالة نفسية صعبة جراء الخوف والقلق المتواصلين على ذويهم وعائلاتهم المتواجدين في مناطق أخرى من القطاع.
وتابع: "الفلسطينيون في قلب الحرب، يسمعون أصوات الانفجارات وأهوال الإبادة، لكن لا يعرفون المكان ومصادر التهديد، ما يدخلهم بنوبات قلق وخوف".
وذكر أن عزل قطاع غزة عن العالم أيضا يشعر الفلسطينيين داخل القطاع أنهم "وحدهم ولا أحد يشعر بما يتعرضون له من إبادة وجرائم وحشية".
وأخيرا الهدف الإعلامي، حيث سعت إسرائيل من خلال هذه السياسة إلى "عزل قطاع غزة عن العالم الخارجي في محاولة لمنع خروج الصورة والكلمة من القطاع، للتغطية على جرائم الإبادة التي تمارسها"، وفق ما أورده المصدر الأمني.
- لماذا تعيد الاتصالات؟
بعد مرور فترة الانقطاع، تقرر إسرائيل أو تسمح بعودة الاتصالات من خلال إتاحة المجال لفرق الصيانة الفلسطينية بالعمل دون استهداف.
وتسعى إسرائيل من خلال إعادة الاتصال تحقيق عدة أهداف أخرى، أبرزها "التواصل مع شبكة المتخابرين معها على الأرض، حيث تعتبر هذه الشبكة ركيزة استخباراتية لا يمكن لها الاستغناء عنها".
وتابع: "كما تهدف لدعم عملياتها الميدانية على الأرض، من خلال التواصل مع فرق المؤسسات الدولية والأممية ومع الفلسطينيين، لأغراض الإخلاء والتهديد والتنسيق المدني".
وأوضح أن إسرائيل "تستغل الاتصالات الفلسطينية العامة للتجسس على مئات الآلاف من المكالمات وجمع المعلومات، والتي يمكن أن تستفيد منها في الجانب الأمني".
وأضاف: "خاصة مع التقدم الكبير في استخدام إسرائيل لأنظمة الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها في جمع وتحليل البيانات والمعلومات وتوظيفها لخدمة أغراضها العسكرية والتجسسية في القطاع".
وفي أبريل الماضي، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن إسرائيل طورت أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لتحقيق تفوق في حربها على غزة، إذ أدت هذه التقنيات أحيانا إلى عواقب وخيمة.
كما يأتي إعادة إسرائيل للاتصالات "كجزء من الدعاية الإنسانية التي تروج لها تل أبيب أنها لا تخالف القانون الدولي أو تمس بالمدنيين وحياتهم"، بحسب ذات المصدر.
وفي السياق، قال المصدر الأمني إن إسرائيل تستخدم الإنترنت والاتصالات في حربها النفسية التي تشنها على فلسطينيي القطاع.
وتابع بهذا الصدد: "ذلك يأتي من خلال بث رسائل التحذير، والإخلاء، وتشويه المقاومة، وأيضا التواصل مع الفلسطينيين للوصول إلى معلومات عن أسراهم في القطاع، وبث الشائعات، وغيرها من أدوات الحرب الإعلامية".
وفي 6 سبتمبر الجاري، حذر المرصد الأورومتوسطي في بيان من "خطر وشيك لانقطاع كامل في شبكات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة بفعل الاستهداف المتعمد والمتكرر من جيش الاحتلال الإسرائيلي للأبراج السكنية والبنايات العالية في مدينة غزة".
وأضاف إن قطع الاتصالات تترتب عليه "عواقب كارثية، سواء على مستوى الإنساني، أو على مستوى التواصل بين الأفراد في أوقات الحاجة".
وشدّد على أنّ إقدام إسرائيل على قطع أو التشويش على الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، سواء بشكل كامل أو جزئي، يُمثّل "سياسة ممنهجة لعزل الفلسطينيين عن العالم الخارجي".
وأكد أنّ هذه الممارسة "لا تقتصر على المساس بحق أساسي من حقوق الإنسان، بل تُحقق غايات مباشرة تتمثل في حرمان المدنيين من أدوات حيوية للبقاء، وتعطيل عمل الطواقم الإنسانية والطبية والإعلامية، ما يجعلها أداة معتمدة ضمن سياق الإبادة الجماعية الجارية".
ودعا المرصد الأورومتوسطي جميع الأطراف ذات العلاقة إلى الضغط على إسرائيل لوقف تدمير ما تبقى من البنية التحتية للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة، ووقف جميع الهجمات غير القانونية على المدنيين والمباني المدنية.
وفي 8 أغسطس الماضي، أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيا، بدءا بمدينة غزة.
وبدأ الجيش في 11 أغسطس الماضي، الهجوم على المدينة انطلاقا من حي الزيتون (جنوب شرق)، في عملية أطلق عليها لاحقا "عربات جدعون 2"، وتخلل الهجوم نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري.
وبدعم أمريكي، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت 65 ألفا و62 شهيدا و165 ألفا و697 مصابا من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 432 فلسطينيا بينهم 146 طفلا.