يوافق 21 مايو اليوم العالمي للاحتفال بالشاي، المشروب الدافئ متعدد الاستخدامات، ما بين التركيز والنشاط أو الهضم والانتعاش. وكما هي الحال مع كل ما يمس حياة البشر اليومية، فقد أحاطت به صراعات شهيرة، منها حروب كحرب بريطانيا والصين، وثورات مثل "حفل شاي بوسطن" بأمريكا.
بينما في مصر، اشتعلت واحدة من أشرس الحملات الإعلامية ضد شاي الفلاحين، قادتها النخبة الإعلامية وجهات رسمية، في مواجهة شعبية مدمنة للشاي، أزعجت النظام الملكي الساعي لرفع الإنتاج الزراعي، ليصبح شاي المصريين محور معركة وطنية.
وتسرد جريدة "الشروق" نقلًا عن مصادر متنوعة مثل كتب (الدين والديناميت، وصنايعية مصر، والتصوف الإسلامي في الأخلاق، وصحيفة المقطم)، فإن الحملة الإعلامية ضد شاي الفلاحين اشتعلت في ثلاثينيات القرن الماضي، بهدف تقليل الإقبال عليه باعتباره معوقًا اقتصاديًا وصحيًا.
كيف اقتحم البراد الريف المصري؟
عرف المصريون المشروبات الساخنة مبكرًا، فالقهوة ظهرت منذ القرن الـ16 وكانت تُشرب في محال متخصصة، إلا أن الشاي الصيني تأخر ظهوره، وتحوم حول بدايته روايات متضاربة. فبين من ينسب إدخاله لأحمد عرابي خلال منفاه في جزيرة سيلان، بينما يرجح البعض دخوله مع الجنود الإنجليز، يبقى الأكيد أن الشاي بدأ في الانتشار مع بداية القرن الـ20، مدعومًا بشعبية بريطانية عريقة.
ويرجّح الأغلبية أن الشاي غزا الريف المصري في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث أُرسل آلاف الفلاحين إلى بريطانيا، غالبًا لأعمال البناء، فعادوا بعادة إنجليزية وهي شرب الشاي، لتتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية للفلاح المصري.
إدمان "المخدر الأحمر"
ويزعم توماس راسل، حكمدار القاهرة البريطاني، أن انخفاض تعاطي الحشيش بفعل جهود الشرطة، دفع الفلاحين إلى تعويضه بمشروب منبه هو الشاي، الذي بات يُستهلك بكثافة مبالغ فيها. وأكدت كتابات عديدة ذلك، مشيرة إلى أن الفلاحين صاروا يفضّلون الشاي على الطعام. ودوّن أنيس منصور هذه الظاهرة قائلًا: "يعمل الفلاحون 5 ساعات يوميًا، يقضون نصفها في شرب الشاي."
الحرب على صفحات الجرائد
وبعد نحو 10 سنوات على نهاية الحرب العالمية، ارتفعت واردات مصر من الشاي إلى قرابة 7000 طن عام 1932، ما أشعل الحملة الإعلامية ضد الشاي، بقيادة جريدة المقطم ذات التوجه الرأسمالي.
ونشرت الجريدة حوارًا بين مستشار الملك كريم ثابت ووكيل وزارة الزراعة جلال بيك فهيم، الذي اتهم الفلاحين بالإسراف في استهلاك الشاي على حساب الغذاء والملبس، مما يضعف الإنتاجية الزراعية.
كما أشار إلى دراسة لهيئة الطب البيطري تحذّر من آثاره الصحية، مثل تسارع ضربات القلب، وارتفاع الضغط، واضطرابات النوم، والخمول بعد النشاط المؤقت.
ودعا فهيم إلى فرض ضرائب على الشاي ومنع استيراد أنواعه الرخيصة. ولم تقتصر الحملة على المقطم، بل نشر محمد حسنين هيكل مقالًا مهاجمًا لعادات الفلاحين. وصدرت دراسة من وزارة الصحة تزعم أن الشاي يضعف المناعة في مواجهة أوبئة الريف.
فيما ربطت هيئة مكافحة المخدرات بين الشاي وجرائم متعددة، وفق ما نقله كتاب المعمل الاجتماعي الكبير.
الشاي يغزو صفحات الجرائد
ورغم الحملات التحذيرية، تصاعدت الإعلانات الترويجية للشاي في الصحف خلال السنوات التالية. وبرز ملصق "الشيخ الشريب" الشهير، بصورة رجل يصب الشاي، فحاز إعجاب العامة الذين علّقوه في المحلات والمقاهي.
المفارقة أن الصورة كانت لسائق يُدعى "عم عرفة"، يعمل لدى رجل الأعمال علوي الجزار، صاحب علامة "الشيخ الشريب"، الذي أسس مع إخوته مصنع شاي في الحوامدية.