يحيى النجار ابن الأشهر الثلاثة تناول آخر 4 أيام من حياته اليانسون فقط مع المياه بدلا عن الحليب وذلك لعدم توفر الأخير جراء اشتداد المجاعة في ظل حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية
في أحد مستشفيات قطاع غزة، لفظ الرضيع يحيى النجار، ابن الأشهر الثلاثة، أنفاسه الأخيرة بعد 4 أيام من الاكتفاء بشرب "أعشاب اليانسون" بدلا من حليب الأطفال، في مشهد يلخص المجاعة التي تفتك بآلاف الأطفال في القطاع الذي يتعرض لإبادة جماعية ترتكبها إسرائيل منذ أكثر من 21 شهرا.
لم يعثر والداه طوال تلك المدة على حليب يسد رمق جوعه أو مكملات غذائية تساعده على البقاء، ليضطروا إلى استبدال ذلك بـ"اليانسون"، وهو ما توفر لديهم، في محاولة لإنقاذ حياة طفلهما.
لكن جسده الهزيل لم يحتمل هذا القدر من التجويع، إذ ظهرت عليه أعراض "سوء تغذية" من نحول الجسد وانتفاخ البطن وبروز الأضلاع، ما استدعى إدخاله لقسم العناية المركزة لفترة قبل أن يفارق الحياة جوعا.
وقال شهود عيان للأناضول، إن الطفل "يحيى" توفي متأثرا بالجوع مساء السبت الماضي.
والأحد، قالت وزارة الصحة في غزة، إن سياسة التجويع التي ترتكبها إسرائيل في القطاع أسفرت عن استشهاد 86 فلسطينيا منهم 76 طفلا، جراء سوء التغذية الناتج عن منع دخول المساعدات إلى القطاع منذ أكتوبر 2023.
وأشارت إلى تسجيل "18 حالة وفاة خلال 24 ساعة، بسبب المجاعة في غزة".
وأوضحت أن ذلك يعد "مجزرة صامتة" بحق الفلسطينيين في القطاع المحاصر منذ سنوات.
اليانسون بدل الحليب
والدة الطفل "يحيى" قالت في حديث لوكالة الأناضول، الأحد، إنه أمضى آخر 4 أيام من حياته وهو يتناول أعشاب "اليانسون" والمياه لعدم توفر الحليب.
وتضيف وهي تبكي بحرقة: "أمضى غالبية أوقاته وهو يضع يده في فمه"، في إشارة لجوعه الشديد.
وأوضحت أنها اصطحبته قبل أيام من وفاته إلى المستشفى بعد إصابته بأعراض صحية مقلقة مثل "الإسهال وانتفاخ البطن"، ليبلغها الأطباء هناك أنه "مصاب بسوء تغذية".
وتابعت: "بعد ذلك، هبط لديه مستوى السكر في الدم وأصيب بأعراض جانبية".
وأكد الأطباء آنذاك لوالدة يحيى حاجته الملحة لتناول الحليب من أجل إنقاذ حياته، لكن بفعل الإغلاق الإسرائيلي للمعابر أمام البضائع والمساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية منذ 2 مارس الماضي، لا يتوفر الحليب في القطاع.
وأشارت إلى أنه في فترة سابقة تعرض أيضا لانتكاسة صحية مكث إثرها 5 أيام في قسم العناية المركزة، وتناول أيضا خلالها الحليب الذي قدمته المستشفى له، لتشهد صحته تحسنا ملحوظا.
وبعد نفاد الحليب، تدهورت حالته الصحية على الفور جراء اعتماده على المياه وأعشاب "اليانسون" فقط.
توفي لسوء تغذية
من جانبه، قال عنان النجار، عم الطفل (شقيق والده)، إن يحيى منذ ولادته وهو يعتمد بشكل شبه كامل على "المياه وأعشاب اليانسون" بدلا من الحليب.
وتابع للأناضول، الأحد: "الحليب لم يكن متوفرا منذ ولادته (على مدار الأشهر 3)".
وتساءل قائلا: "ما ذنب هذا الطفل يموت بسبب عدم إدخال الحليب الخاص بالأطفال؟".
وأكد أن "يحيى" ومنذ ولادته لم يصب بأي مرض سوى "سوء التغذية".
وأشار إلى أن سوء التغذية أصاب أيضا والدته ما تسبب بجفاف الحليب الطبيعي لديها، وتزامن ذلك مع عدم توفر الحليب الاصطناعي في الأسواق.
وطالب دول العالم بالوقوف مع أطفال قطاع غزة المجوعين وإدخال الحليب من أجل إنقاذ حياتهم.
وفي طريقه إلى المقبرة، احتضن فادي النجار جثمان طفله الرضيع "يحيى" الذي لم يكن يرتدي الملابس الجديدة التي يُعرف المعتادة للأطفال حديثي الولادة، بل كان جسده الهزيل ملفوفا بالكفن الأبيض، استعدادا لدفنه.
ومن هول الفاجعة، لم يقو والده فادي على التحدث إنما اكتفى بذرف الدموع وهو يودع صغيره إلى مثواه الأخير.
تحذيرات حقوقية
فيما قال المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، في مقطع فيديو نشره الاثنين، إن الطفل يحيى هو الطفل الـ75 الذي يتوفى جراء إصابته بسوء تغذية ونقص حليب الأطفال والرضع.
وفي مقطع الفيديو، ظهر يحيى بجسد نحيل منتفخ البطن، وبارز الأضلاع، في مشهد يلخص المجاعة التي يتعرض لها فلسطينيو قطاع غزة.
وندد المرصد الأورومتوسطي، في الفيديو، باستمرار سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل على 2.4 مليون فلسطيني بغزة.
وأشار المرصد إلى أنه وقبل ساعات قليلة من وفاة الطفل يحيى، توفي رضيع يبلغ من العمر (35 يوما) بسبب الجوع، دون ذكر تفاصيل عنه.
وحذر المرصد من أن هذين الطفلين لن يكونا الأخيرين جراء استمرار سياسة التجويع الإسرائيلية.
الكبار ينهارون جوعا
إلى جانب ذلك، فقد شدد على أن المجاعة تؤثر بشكل شديد على كافة الفئات العمرية من الفلسطينيين.
وقال بهذا الصدد: "مئات الفلسطينيين من الأطفال والنساء وكبار السن، ينهارون من شدة الجوع".
وحذر من أن الوقت "لن يستمر الأمر طويلا حتى نشهد موتا جماعيا للسكان بسبب الجوع في غزة".
وخلال الأسبوع، وثق ناشطون فلسطينيون تساقط عدد من الفلسطينيين في الشوارع والطرقات العامة من شدة الجوع وإصابتهم بحالة إغماء.
هذا الأمر أيضا أكده مراسل الأناضول في قطاع غزة الذي لم يسلم هو أيضا من أعراض الجوع الشديد والإغماء.
ومنذ 2 مارس 2025، تغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
ووفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن نحو 650 ألف طفل في قطاع غزة معرضون لخطر الموت بسبب الجوع وسوء التغذية، بينما تواجه حوالي 60 ألف امرأة حامل خطرًا كبيرًا نتيجة عدم توفر الغذاء الكافي والخدمات الصحية الأساسية.
وتشن إسرائيل، منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، أكثر من 200 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين، ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.