مصر تنفذ واحدة من أهم خطط إدارة المياه فى العالم.. والفيضانات والجفاف والتلوث 3 تحديات كبرى
نواجه نقصًا فى المياه وتراجعًا فى جودتها.. وتحقيق الأمن المائى العالمى يتطلب آلاف المليارات من الدولارات
الوضع فى غزة كارثى.. والانفجار السكانى يهدد أمن المياه أكثر من تغير المناخ
أكد رئيس المجلس العالمى للمياه، لوى فاشون، استعداد المجلس للعب دور الوساطة فى أزمة سد النهضة، مشددًا فى الوقت نفسه على ضرورة إقناع إثيوبيا باحترام القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بأمن المياه.
وقال فاشون، فى حواره لـ«الشروق»، إن مصر تنفذ واحدة من أهم خطط إدارة المياه بالعالم لتنظيم جانب الطلب، بترشيد الاستهلاك، وتحسين كفاءة الزراعة.
ووصف وضع المياه فى قطاع غزة بأنه «كارثى»، مشيرًا إلى أنها لا تغطى سوى 10 إلى 50% من الاحتياجات الفعلية، طارحًا خطة من 3 مراحل لإعادة الإعمار البنية التحتية للمياه بالقطاع.
ونبه فاشون إلى أن العالم يواجه نقصًا متزايدًا فى المياه، فيما يتأرجح بين 3 تحديات كبرى: الفيضانات والجفاف والتلوث، مشيرًا إلى أن الانفجار السكانى المتوقع بنحو أربعة مليارات نسمة بنهاية القرن يشكل تهديدًا أكبر من تغير المناخ على أمن المياه العالمى.. وإلى نص الحوار:
بدايةً، حدثنا عن أبرز التحديات التى تواجه المياه فى العالم؟
ــ يواجه العالم اليوم نقصًا متزايدًا فى المياه وتراجعًا فى جودتها وارتفاعًا فى معدلات تلوثها، ما يجعل الأمن المائى مهددًا فى مناطق واسعة، ومستقبل المياه يتأرجح بين ثلاثة تحديات كبرى: الفيضانات، الجفاف، والتلوث.
شهدنا مؤخرًا أمطارًا غزيرة فى عُمان ودبى والسعودية، وسلسلة من الفيضانات فى الصحراء المغربية والجزائر بعد فترات جفاف طويلة، بينما تواجه كوريا وأوروبا موجات جفاف غير متوقعة.
ويضاف إلى ذلك القلق من التمدد العمرانى العشوائى والنمو السكانى المتسارع الذى سيضيف نحو أربعة مليارات نسمة بنهاية القرن، وعلينا أن نكرس جهودنا للحفاظ على موارد الطبيعة، وفى مقدمتها المياه.

ما رؤيتكم لمواجهة هذه التحديات؟
ــ يمكن تلخيص رؤيتنا فى ثلاث كلمات «احفظ، خزن، استخدم».
أولًا: احفظ المياه عبر الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية والتحلية وإعادة الاستخدام وتقليل الفاقد.
ثانيًا: خزن المياه من موسم لآخر مع احترام النظم البيئية والحقوق العابرة للحدود.
ثالثًا: استخدم المياه استخدامًا رشيدًا وفعالًا يضمن حق الجميع فى الحصول عليها.
ما أولوياتكم خلال المرحلة المقبلة؟
ــ لدينا 3 أولويات رئيسية، فى مقدمتها: الصحة، بتعميم خدمات الصرف الصحى، والتثقيف المائى، وتعزيز الحوكمة المائية فى المدن، كما نعمل على إنشاء مركز عالمى للمياه والصحة، ونتوقع إطلاقه العام المقبل.
ويعد الغذاء أولوية أيضا بزيادة المساحات المروية وتقليل فاقد المياه، ودعم ذلك بالعلم وأفضل الممارسات.
ولا يمكن إغفال الطبيعية فى أولوياتنا، بالحفاظ على الأرض التى تغذينا وتشجيع إعادة الاستخدام وتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لصالح الإنسان والنظام البيئى معًا.
وأمام ذلك لدينا 3 التزامات: المشاركة العادلة فى المياه العابرة للحدود، وتطبيق حوكمة تشاركية مقبولة، وتحسين القدرات التمويلية لقطاع المياه.
ما حجم التمويل المطلوب لسد الفجوة المائية عالميًا؟
ــ إذا كنا نتحدث عن حجم التمويل اللازم لتحقيق أمن مائى شامل فى العالم، فنحن نتحدث عن آلاف المليارات من الدولارات، وأقولها بجدية تامة، فالمطلوب ضخم للغاية، لكن الحل يكمن فى التدرج، خطوة بخطوة، ربما بعد 20 أو 30 عامًا نكون قد اقتربنا من تحقيق أمن مائى أفضل، وهذا مشروع يمتد لقرن كامل، لا يمكن إنجازه فى عام أو عامين.

بمناسبة حديثك عن التعاون العابر للحدود.. كيف يرى المجلس الخلاف بشأن سد النهضة؟
ــ لدينا تعليقان رئيسيان على هذا الملف، أولًا: نحن نرى أن هذا الموضوع يجب أن يُناقش داخل إطار دولى يضم دول حوض النيل كافة، مثل كينيا وأوغندا، التى تجاوز عدد سكانها 60 مليون نسمة، والتى تكتسب وزنًا ديموغرافيًا متزايدًا.
ويجب أن يكون هناك حوار عالمى تشارك فيه الأسرة الدولية، لتقييم كيفية تنظيم تدفقات مياه النيلين الأبيض والأزرق، خاصة مع ازدياد الطلب من دول المنبع على المياه.
أما النقطة الثانية، فهى أن المجتمع الدولى يمتلك القدرة على ممارسة الضغط على الحكومة الإثيوبية، فإثيوبيا أنشأت هذا السد بغرض توليد الطاقة وليس لتخزين المياه، بينما تنظر إليه مصر والسودان من زاوية مائية بحتة، وهو ما يعكس سوء فهم جوهرى، وعلينا إقناع الحكومة الإثيوبية بضرورة احترام القوانين والمعاهدات الدولية الخاصة بأمن المياه.
فى الوقت نفسه، أود الإشادة بالجهود الكبيرة التى تبذلها مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى تنظيم الطلب على المياه، فمصر وضعت خطة شاملة تتضمن ترشيد الاستهلاك، وتقليل الفاقد، وتحسين كفاءة الزراعة، وهى واحدة من أهم خطط إدارة المياه فى العالم.
وبالتالى، أرى أن مصر تعمل فى مسارين متوازيين: الأول: السعى لضمان تدفق منتظم للمياه من النيل، والثانى: تقليل الطلب الداخلى عبر تنفيذ هذه الخطة بعيدة المدى.
هل يمكن أن يكون المجلس طرفا فى وساطة أو تفاوض لتقريب وجهات النظر؟
ــ لا أعتبر أن ما يجب القيام به هو تفاوض بقدر ما هو وساطة، فالمجلس العالمى للمياه يضم 50 حكومة و260 منظمة دولية كبرى، ورغم أننا منظمة صغيرة من حيث الحجم، فإن لدينا شركاء أقوياء، مثل: البنك الدولى، وحكومات الولايات المتحدة واليابان والصين وغيرها.
ونحن مستعدون للعب دور الوسيط، ولكن بطريقة غير معلنة وسرية؛ لأن مثل هذه المناقشات الحساسة لا ينبغى أن تكون علنية.
وقد أكدت هذا الموقف قبل سنوات للرئيس عبد الفتاح السيسى عندما التقيته، وأنا على تواصل منتظم مع وزير الرى المصرى هانى سويلم، فنحن على استعداد دائم لتقديم الدعم، وقد نقلنا الرسالة نفسها للحكومة الإثيوبية.
ننتقل إلى الوضع فى غزة.. كيف ترى استخدام إسرائيل المياه سلاحًا خلال الحرب؟ وما تقييمكم لحالة البنية التحتية بالقطاع؟
ــ من وجهة نظرى الشخصية، ما فعلته حماس فى السابع من أكتوبر غير مقبول، وما فعلته إسرائيل بعدها أيضًا غير مقبول، وعلى الجميع احترام القوانين، سواء فى زمن الحرب أو فى السلم.
والآن دعونا ننظر إلى المستقبل، فقد عرضنا خلال أسبوع القاهرة للمياه مقترحات لإعادة إعمار منظومة المياه فى غزة، ومسئوليتنا تقتصر على المياه فقط، ولا نمارس السياسة ولا الاقتصاد.
وفقًا لتقارير السلطة الفلسطينية واليونيسف، فالوضع المائى قبل السابع من أكتوبر لم يكن مقبولًا، والآن أصبح أسوأ بكثير، والوضع فى الضفة الغربية سيئ أيضًا لكنه ليس سيئًا جدًا، أما فى غزة، فالوضع كارثى، والمتاح هناك لا يغطى سوى 10 إلى 50% من الاحتياجات المائية الفعلية فى القطاع.

ما ملامح خطة المجلس لإعادة الإعمار؟
ــ لدينا تصور من ثلاث مراحل، الأولى: مرحلة عاجلة لتوفير المياه الأساسية، والثانية: مرحلة تعافٍ متوسط المدى، والثالثة: مرحلة طويلة الأمد تشمل غزة والضفة الغربية وكل المنطقة المتأثرة، بما فى ذلك جنوب لبنان وسوريا والأردن، وربما مناطق حدودية فى مصر، ولن تكون هناك حلول دائمة لغزة فقط، بل للمنطقة بأكملها.
وسيستغرق ذلك وقتًا طويلًا ويتطلب أموالًا ضخمة، لكنه الخيار الوحيد لضمان حصول السكان على المياه.
أخيرا.. ما توصيات المجلس للحكومات فى مواجهة تحديات تغير المناخ؟
ــ إذا أردنا مناقشة التغير المناخى بحد ذاته، فهناك منظمات أخرى مختصة بذلك، وما أحاول توضيحه لقادة العالم هو أنهم يتحدثون كثيرًا عن المناخ، لكنهم لا يتحدثون بالقدر الكافى عن النمو السكانى والفوضى العمرانية.
مشكلات المياه والصرف الصحى فى العالم اليوم لا ترجع أساسًا إلى تغير المناخ، بل إلى الانفجار السكانى وسوء التخطيط العمرانى، ونحن نعرف بدقة كيف ستتطور الديموغرافيا فى السنوات المقبلة، بخلاف المناخ الذى يظل غير متوقع.
انظر إلى إفريقيا، يتوقع العلماء زيادة بنحو مليارى نسمة قبل نهاية هذا القرن، فأين المياه؟ أين الكهرباء؟ أين الأراضى الزراعية لإطعام هذا العدد؟ هذه هى الأزمة الحقيقية، أكثر من أزمة المناخ، ولا أنكر تغير المناخ، لكنه ليس السبب الأكبر فى أزمة المياه، فالنمو السكانى غير المنضبط هو التحدى الأكبر الذى سيواجهنا جميعًا.