في ذكرى رحيل أنيس منصور.. من هو عدو المرأة والمثقف المقرب للسادات؟ - بوابة الشروق
الأربعاء 22 أكتوبر 2025 2:25 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

في ذكرى رحيل أنيس منصور.. من هو عدو المرأة والمثقف المقرب للسادات؟

منى غنيم:
نشر في: الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 - 2:20 م | آخر تحديث: الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 - 2:20 م

في مثل هذا اليوم، تحل ذكرى رحيل الكاتب والفيلسوف والصحفي الكبير أنيس منصور، أحد أبرز العقول التي طُبِعت في الوجدان الثقافي المصري والعربي في القرن العشرين؛ فهو لم يكن مجرد كاتب صحفي أو أديب بارع، بل كان ظاهرة فكرية متفردة جمعت بين الأدب والفلسفة والصحافة، حتى صار اسمه مرادفًا للدهشة والاكتشاف والمعرفة.

وولد أنيس منصور في 18 أغسطس عام 1924 في إحدى القرى بمحافظة الدقهلية في بيت ريفي بسيط، لكن أحلامه كانت أكبر من حدود القرية، وقد أظهر منذ صغره ميلًا واضحًا إلى القراءة والعزلة والتأمل، فكان يقضي معظم وقته في مكتبة المدرسة، يقرأ في الأدب والفلسفة والعلوم، حتى غدا قارئًا نهمًا في سن مبكرة، وقد شكّلت تلك العزلة الأولى بذرة الفيلسوف بداخله.

وتلقى تعليمه في جامعة القاهرة، حيث التحق بكلية الآداب قسم الفلسفة، وتخرّج فيها عام 1947، وقد تأثر بأساتذة كبار؛ على غرار: المحلل النفسي المصري الرائد الدكتور مصطفى زيور، والفيلسوف والمفكر الدكتور زكي نجيب محمود، اللذين أسهما في تشكيل وعيه الفلسفي والمنطقي. وبعد التخرج، عمل معيدًا لفترة وجيزة، قبل أن تجذبه الصحافة بما فيها من حركة وتفاعل وحيوية الفكر.

رحلته من الفلسفة إلى الصحافة

بدأ أنيس منصور مسيرته الصحفية في جريدة الأهرام، ثم انتقل إلى أخبار اليوم حيث بزغ نجمه ككاتب ذكي وساخر وصاحب رؤية خاصة، وكتب في معظم الصحف الكبرى، وارتبط اسمه بعناوين راسخة في ذاكرة القراء؛ مثل:
"مواقف" في جريدة الأهرام، و"بدون عنوان" في مجلة أكتوبر، وهي أعمدة حملت بصمته اللغوية الفريدة التي جمعت بين السخرية والفكر، وبين التجريب والعمق الإنساني، بالإضافة إلى كتابه الشهير "من أول السطر" الذي جمع خلاله مقالاته التي كتبها للصحف.

وامتاز أسلوبه بالبساطة الممتنعة؛ تلك التي تُخفي وراءها عقلًا متقدًا قادرًا على تحويل الفكرة الفلسفية المعقدة إلى تجربة إنسانية قريبة من القلب، ولم يكن يكتب من برج عاجي، بل من مقهى الحياة اليومية، حيث يرى في التفاصيل الصغيرة معنى الوجود كله.

ولم يتوقف أنيس منصور عند حدود الصحافة، بل خاض تجربة رئاسة تحرير مجلة "أكتوبر" التي أسسها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1976، فحولها إلى منبر ثقافي وسياسي يعبّر عن روح المرحلة، وفتح صفحاتها لكتّاب ومبدعين من مختلف الأجيال، كما تولى رئاسة مجلس إدارة دار المعارف عام 1976 - وهي الجهة الناشرة لمجلة "الكواكب" - وترك فيها أثرًا واضحًا من لمساته الأدبية الراقية.

كاتب الرحلات الأول في الأدب العربي

وقد ارتبط اسم أنيس منصور في أذهان القراء أكثر بكونه كاتب الرحلات الأول في الأدب العربي الحديث؛ فمنذ أن أتيحت له فرصة السفر إلى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وجد في الرحلة معنى الحياة، وفي الاكتشاف خلاصًا من الرتابة وضيق الأفق.

وكانت رحلاته أشبه برحلات في الداخل والخارج معًا؛ فكلما سافر إلى بلد جديد، عاد ليكتب عن الإنسان - عن خوفه وفرحه وغربته - أكثر مما يكتب عن الجغرافيا، وجاءت أشهر كتبه في هذا المجال؛ مثل: "حول العالم في 200 يوم"، الذي صدر عام 1963 بعد رحلة طويلة شملت 38 دولة من اليابان إلى الأرجنتين، ومن الهند إلى الولايات المتحدة، وفيه مزج بين الوصف الدقيق والتحليل الثقافي والمفارقة الساخرة، فصار من أكثر كتب الرحلات مبيعًا في العالم العربي، وواحدًا من العلامات الفارقة في أدب الرحلات العربي.

ولم يتوقف عند هذا الكتاب، بل واصل رحلاته في أعمال مثل: "العالم إلى أين؟"، و"بلاد الله خلق الله"، و "أنت في اليابان وبلاد أخرى"، وغيرها.

الصالون العقادي.. بوابة الحكمة والمعرفة

وكان اللقاء بين أنيس منصور و"العقاد" نقطة تحول كبرى في حياته الفكرية؛ فالشاب الذي أحب الفلسفة وجد في عباس محمود العقاد نموذجًا للمفكر الموسوعي، فجلس إليه سنوات طويلة في "الصالون العقادي" الذي كان ملتقى للأدباء والمفكرين.

وخرج "منصور" من تلك الجلسات بزاد فكري ضخم، جعله يرى العالم بعين أكثر عمقًا ونقدًا، وقد خلد تلك التجربة في كتابه الشهير “في صالون العقاد كانت لنا أيام”، الذي يعد من أروع ما كتب عن جيل الكبار الذي عايشه؛ حيث جمع فيه الحكاية والفكرة والذكريات، فرسم صورة حية لعالم الأدب والفكر في مصر منتصف القرن العشرين.

أدب وفكر بلا حدود

ولم يكن أنيس منصور كاتب رحلات فحسب، بل كتب أيضًا في مجالات الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والأدب، وله أعمال أدبية تجاوزت المئة كتاب، من أبرزها: "الذين هبطوا من السماء"، و"الذين عادوا إلى السماء"، و"إلا فاطمة"، و"قالوا"، و"لعنة الفراعنة"، و"يوم بيوم"، و"عاشوا في حياتي" و"دعوة للابتسام"، و"أرواح و أشباح".

حياته الشخصية.. وأسطورة عدو المرأة

رغم ما عُرف به أنيس منصور من رهافة حس وذكاء لغوي وعمق إنساني، فإن كثيرين أطلقوا عليه لقب "عدو المرأة"، وهو اللقب الذي لازمه لسنوات طويلة في الصحافة المصرية، وجاء ذلك بسبب آرائه الصريحة - وأحيانًا الصادمة - عن النساء في مقالاته وكتبه، حيث لم يكن يتردد في انتقاد تصرفات المرأة المصرية والعربية بحدة وسخرية، واعتبارها في كثير من الأحيان كائنًا غامضًا متقلب المزاج لا يمكن فهمه بسهولة.

غير أن اللقب لم يكن دقيقًا بالمعنى الحرفي، فقد كان أنيس منصور في جوهره مفتونًا بالمرأة، متأملًا لتناقضاتها، باحثًا في أسرارها النفسية، ومحاولًا فهمها فلسفيًا أكثر مما يهاجمها اجتماعيًا، وهو لم يكره المرأة بقدر ما كان يخشاها ويعجز عن استيعابها، وربما لهذا السبب كتب عنها كثيرًا - دفاعًا عن نفسه منها أكثر من الهجوم عليها.

ومن أبرز مقولاته اللاذعة ضد المرأة، نذكر: "آخر ما يموت في المرأة لسانها " و "مهما كانت متاعب النساء، فهي أقل من متاعبنا، فليست لهن زوجات كالرجال".

وهكذا عاش "عدو المرأة" الذي لم يخلُ قلبه منها أبدًا؛ حيث تزوج السيدة رجاء حجاج منصور، واستمر زواجه بها لمدة 47 عامًا حتى وفاته في عام 2011، وعاش قصة حب طويلة مع زوجته وصفتها بأنها قصة حب أبدية.

أنيس منصور والسياسة.. المثقف الذي اقترب من السلطة

وعلى الرغم من طبيعته الفلسفية التي تميل إلى التأمل أكثر من الصراع، فإن أنيس منصور كان قريبًا من دوائر الحكم في فترات مختلفة، وكان مقربًا من الرئيس أنور السادات، الذي قدّره كثيرًا لذكائه وثقافته، إلا أن هذا القرب لم يمنعه من التعبير عن آرائه بجرأة واستقلال، فظل وفيًّا لقلمه، ناقدًا حين يجب النقد، ومؤيدًا حين يقتنع.

وقد تركت تلك العلاقة أثرها الواضح في كتاباته السياسية التي تناولت قضايا الفكر والهوية والمستقبل العربي بلغة فلسفية هادئة، لا شعارات فيها ولا ضجيج.

تأثيره في الثقافة المصرية والعربية

كان "منصور" بحق أحد جسور التواصل بين الفكر الغربي والعقل العربي، نقل إلينا روح الفلسفة بأسلوب أدبي، وقدم أدب الرحلات بروح الباحث عن المعنى، لا السائح العابر، ولم يمتد أثره فقط في كتبه، بل في الأجيال التي قرأت له، وتعلمت منه كيف تكون الكتابة فنًا للحياة؛ حيث كان من القلائل الذين جمعوا بين متعة السرد وعمق الفكرة، وبين حسّ الدعابة ورصانة التحليل، حتى أصبح نموذجًا فريدًا للمثقف الموسوعي الذي يفكر بحرية ويكتب بصدق.

كما أنه له العديد من الأعمال السينيمائية والتليفزيونية البارزة؛ ومنها فيلميّ "آسف للإزعاج" و"مدرسة الحب" ومسلسليّ "من الذي لا يحب فاطمة؟" و "غاضبون وغاضبات"، ومسرحية "حلمك يا شيخ علام".

وكما قال له توفيق الحكيم عبر رسالته الشهيرة له: "عزيزي أنيس منصور، مقالك نموذج يجب أن يوضع تحت أعين من يمارسون النقد، والنقد أحيانًا أصعب من التأليف. لأن التأليف يعتمد في الأغلب على ذات المؤلف وشخصيته ومواهبه. أما النقد فهو ذاتي وموضوعي، والموضوعية فيه أن الناقد الحق لا ينظر إلى المؤلف نفسه فقط، بل هو يحيط بالعالم الثقافي كله الذي يعيش فيه".

الرحيل الهادئ.. وخلود الحروف

ورحل أنيس منصور في 21 أكتوبر عام 2011 عن عمر ناهز 87 عامًا، بعد حياة حافلة بالكتابة والسفر والتأمل تاركًا وراءه إرثًا فكريًا يزيد على مئة وخمسين كتابًا ومقالة، ترجمت بعضها إلى لغات أجنبية، ولا تزال تُقرأ حتى اليوم كأنها كُتبت بالأمس.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك