• 10.7 مليون نازح خلفتهم الحرب
• وزير التعليم بكسلا: ليس لدينا أرقام دقيقة بأعداد النازحين والتقديرات الأولية تشير إلى 100 ألف أسرة
• وزير الشئون الاجتماعية بالولاية: جهزنا معسكرين للنازحين.. ولا ندعى أن كل الخدمات متوافرة
• محمد إبراهيم: الميليشيا طاردتنى وأطفالى الثلاثة المصابين بضمور فى المخ
• عفاف حسين: نزحت أنا وأسرتى بدون أى شىء حتى الملابس تركناها
أكثر من 500 يوم مرت على اندلاع الحرب فى السودان بين الجيش السودانى وميليشيا الدعم السريع والتى نتج عنها أسوأ أزمة إنسانية فى العالم حسب العديد من التقارير الدولية إلا أن أنين السودانيين لا يسمعه أحدا، وربما لا تكترث برصده عدسات الكاميرات لتوثيق معاناة المواطنين الذين لم تدفعهم الحرب للنزوح من منازلهم بحثا عن ملاذ آمن يحتمون به من دوى الرصاص والقصف العشوائى، ولكنها ألقت بهم فى دوامة من النزوح المتكرر نتيجة مطاردات ميليشيا الدعم السريع، وفرضت عليهم حياة بائسة بمعسكرات النزوح!
فالحرب المنسية فى السودان خلفت وراءها نحو 10.7 مليون نازح، أى ما يقرب من 2.1 مليون أسرة، وذلك حسب آخر تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية.
وقد اتخذ النازحون من مدن شمال وشرق السودان ملاذا لهم قاصدين إياها فى رحلة نزوحهم، وسافرت «الشروق» فى أول زيارة من نوعها تجريها وسيلة إعلامية مصرية إلى ولايات شرق السودان، حيث توجهت إلى مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر التى أصبحت مقرا بديلا للحكومة السودانية، ومنها إلى ولاية «كسلا» التى تبعد عنها أكثر من 570 كيلو مترا، ثم إلى ولاية «القضارف» التى تبعد عن «بورتسودان» أيضا بنحو 770 كيلومترا، بالطريق البرى.
رحلة شاقة نحو معسكرات النزوح
أمضيت مايقرب من 18 يوما بين معسكرات النزوح المكتظة بالسودانيين من أطفال ونساء ورجال قهرتهم ظروف الحرب، والذين ينتظرون قوافل الإغاثة تارة أو انتهاء الحرب ليعودوا إلى حياتهم الطبيعية، لعل حلم السلام الذى يراودهم ينسيهم ما عايشوه من فزع ورعب خلال رحلة النزوح أو ما يعيشونه من معاناة ومرارة فى المعسكرات ودور الإيواء.
الطريق من بورتسودان إلى ولايتى كسلا والقضارف التى تستضيف العدد الأكبر من النازحين، بدأ بشغف مهنى لمعرفة وتوثيق إلى أى مدى وصل الوضع الإنسانى فى السودان على أرض الواقع بعيدا عن تقارير المنظمات الدولية أو الحكومية، وقد سلكنا الطريق البرى الرابط بين تلك الولايات الثلاث، لنقطعه بسيارة دفع رباعى تستطيع قطع مسافات طويلة وصعبة لاسيما فى تلك الأجواء المتقلبة، وكان طريقا مرهقا للغاية لطول المسافات بين تلك المدن، فضلا عن حاجته للرصف بصورة جيدة، ولكن ما زاد من مشقة الرحلة هو هطول الأمطار الغزيرة فى فصل الخريف بالسودان، فسقوط الأمطار الغزيرة أدى لتكسير الطريق وانهيار المنازل البسيطة المحازية للطريق.
ويشهد السودان سنويا فى فصل الخريف هطول الأمطار الغزيرة بين مايو وأكتوبر، وتسبب الفيضانات فى أضرارا بالغة بالمنازل والبنية التحتية والمحاصيل، مما زاد هذا العام من حجم معاناة المواطنين المتضررين من الحرب.
ولأن السودان يمر بظروف أمنية استثنائية، تم وضع العشرات من نقاط التفتيش على طول الطريق، فكل 20 دقيقة تقريبا كانت تتوقف السيارة لإجراء التفتيش والسؤال عن التصاريح الأمنية المتبعة للمسافرين لاسيما الأجانب، مما زاد من طول الزمن المتوقع للوصول.
الطريق إلى كسلا يسود عليه اللون الأخضر حيث مساحات الأراضى الزراعية الشاسعة والطبيعة الساحرة التى تحتضنها الشمس، والتى بدأت تغيب رويدا رويدا وبدأت الغيوم تعبئ السماء لتهطل الأمطار بغزارة وتبدل حال الطقس تماما من السخونة إلى البرودة، لتمر السيارة بعدة نقاط رئيسية وهى «العقبة، سواكن، جبيت، سنكات، هيا» وصولا إلى ولاية «كسلا الوريفة» كما يُطلق عليها أى الخضراء، حيث أقرب نقطة للحدود «السودانية ـ الإريترية».
فى اليوم التالى عقب الوصول، انقطعت شبكة الاتصالات «الإنترنت والهاتف» بالولاية، كأحد تداعيات السيول على البلاد، مما ألزمنا بالتحرك فى نقاط محدودة فى ظل انقطاع التواصل مع المصادر الميدانية بالمعسكرات، واستمر ذلك لمدة يومين، لتشعر كأنك خارج نطاق الزمن حرفيا.
وفى كسلا، قمت زيارة عدة معسكرات وهى «المستشفى المرجعى، المدرسة الصناعية، مدرسة عمر الحاج موسى، مركز السلام، ومركز بلدو».
معسكر المستشفى المرجعى
على بُعد حوالى 7 كيلو من كوبرى نهر القاش يقع معسكر المستشفى المرجعي، وهو مقر مستشفى طبى بالأساس ولكنها توقفت عن العمل لتصبح مقر لايواء النازحين، مساحته شاسعة تحيطه به الحشائش من كل جانب، تربته طينية زدات الوضع سوءا بسبب هطول الأمطار الغزيرة مما تتسبب فى تكوين برك من المياه غير النظيفة ما أدى إلى كثرة البعوض والناموس وزيادة حدة انتشار أمراض فصل الخريف مثل «الكوليرا، والملاريا، والإسهال، والتهابات العيون».
وقد انتشر وباء الكوليرا فى هذا التوقيت التى صادف جولة «الشروق» فى الولاية، مما أدى إلى إغلاق السوق المركزية فى محاولة لمنع تفشى الوباء، كما حذرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين من موجة جديدة من تفشى الكوليرا بالسودان، تهدد المجتمعات النازحة فى جميع أنحاء البلاد.
داخل المعسكر، تجمع حولى عدد كبير من النازحين ظنا منهم أننى تابعة لإحدى منظمات الإغاثة، وأحمل لهم مواد إغاثية يحتاجون إليها فى تلك الأوضاع الإنسانية المتردية، ولكن بترحاب شديد من جانبهم استمعت إلى شكواهم وأحوالهم بعدما علموا أننى جئت خصيصا لأستمع إليهم عن قرب، فى وقت تتعلق فيه آمالهم بالبحث عن شربة ماء نظيفة، وكسرة خبز تُقيم أود أطفالهم، لعلها تبقيهم على قيد حياة ظلوا يتمسكون بها وسط نيران الحرب، وبين رحلات الفرار من الموت العاجل إلى الموت البطىء.
مآسى السودانيين خلال رحلة النزوح
«نزحت أنا وزوجى وأولادى من مدينة سنار إلى كسلا بدون أى شىء وأصبحنا لا نملك أى شىء حتى الملابس تركناها فى منزلنا، وأهل الخير تبرعوا لى بالتوب الذى أرتديه حاليا عقب وصولى إلى كسلا، كان كل همى أن يترك الدعم السريع أطفالى ولا يصيبهم أذى»، هكذا قالت السيدة عفاف حسين البالغة من العمر 40 عاما فى بداية حديثها لـ «الشروق».
ثم بدأت الدموع تنهمر على وجهها بغزارة، قائلة: «عايزين نرجع بيوتنا، اقتحم منزلى عدد من أفراد الدعم السريع وهم يحملون السلاح، كنت أنا وزوجى وأطفالى، وطلبوا مننا أن نرفع أيدينا إلى فوق وتوجهوا بالحديث إلى وطلبوا منى أن أسلم لهم كل ما أمتلكه، فأخبرتهم بأننى سأترك المنزل، فعاودوا بتكرار الطلب، فأعطيت لهم ما أرتديه من ذهب ومليون جنيه سودانى (ما يعادل أكثر من 2000 دولار) وبعد أن أخذوا الذهب والأموال، حذرونا من أن يعودوا ويجدونا فى المنزل، ومرت ساعات الليل لنغادر المنزل فى الساعة الخامسة صباحا، دون أن نصطحب معنا أى شىء».
توقفت السيدة عفاف للحظات لتعاود الحديث، وتقول: «منزل عمى اقتحموه وقاموا بسرقة سيارة ابنه موديل 2020 ثم قتلوه، وحزنا على ولده فقد عمى حاستى السمع والبصر». وتابعت: «الدعم السريع دمروا كل حاجة وما تركوا لنا شىء، وأناشد العالم بدعم الشعب السودانى ووقف هذه الحرب، نحن مواطنون ليس لنا علاقة بالخلافات السياسية».
وقبل أن تنهار من بكائها وتفقد القدرة عن الكلام، قالت «أنا موظفة حكومية ولسنا شحاذين حتى ننتظر المساعدات من المنظمات أو من أهل الخير، ليه نبقى مثل اللاجئين ونحن داخل بلدنا؟».
وللمفارقة أن المعسكر هو أرض ومبنى لمستشفى، ورغم ذلك لم يستطيع محمد إبراهيم فى العقد الرابع من عمره ويعمل «كهربائى»، أن يعالج أطفاله الثلاثة الذين يعانون من مرض «ضمور المخ» حيث نزحت العائلة من الخرطوم بسبب توقف الخدمات عقب الحرب، وأصبح العلاج وتوافر الدواء لأطفاله رفاهية.
«أنا والد لخمسة أطفال منهم ثلاثة أطفال يعانون من ضمور فى المخ، كنت أقيم فى الخرطوم وبعد الحرب نزحت أنا وزوجتى وأطفالى إلى مدينة ودى مدنى بولاية الجزيرة، بسبب انعدام الخدمات الطبية التى يحتاجها أطفالى المرضى باستمرار، واستقررنا هناك، ولكن بعد اقتحام ميليشيا الدعم السريع للولاية فى ديسمبر 2023 قاموا بسرقة كل ما أملكه من أموال وأجهزة حركية للأطفال، وانعدمت الخدمات الصحية تماما، وتدهورت الحالة الصحية لابنتى الكبيرة التى تعانى من هذا المرض، وأصيبت بحالة تشنج نتيجة العنف الذى رأته ومع صعوبة الحصول على الدواء الذى يهدئ من تلك الحالة، قررت الرحيل إلى مدينة المناقل»، هكذا قال محمد إبراهيم لـ«الشروق» وترتسم على ملامحه علامات الرضا التام بقدره.
ثم اصطحبنى إبراهيم لغرفه فى إحدى البنايات لأرى أطفاله وزوجته، لأجد غرفته الصغيرة تضم زوجته السيدة أسمهان التى استقبلتنى بابتسامة هادئة ورحبت بي، ووالدتها المسنة المريضة، وكذلك والدته التى أصيبت بضعف فى عضله القلب خلال رحلة النزوح نتيجة الهرولة من مطاردة الميليشيا، بجانب أطفاله المرضى.
كان الأطفال الثلاثة فى حالة يرثى لها نتيجة عدم توافر العلاج بصورة مستمرة، وحالات التشنج التى تداهمهم كل فترة ولا يتوافر لهم أجهزة أكسجين وإن توافرت فالكهرباء تقطع فترات طويلة.
استكمل إبراهيم حديثه لـ «الشروق» ليقول: بعد وصولنا إلى المناقل لسوء الحظ طاردنى الدعم السريع باقتحام تلك المنطقة أيضا، واضطررت للمكوث هناك لعدة أشهر لسوء الحالة المادية ولكن أفراد الدعم السريع ضايقونا بشدة واقتحموا منزلى عدة مرات وطلبوا منى أكثر من مرة المغادرة، واتهمونى بأننى من فلول النظام السابق، وعندما شاهدوا أطفالى المرضى قالوا لى: «أنت مضطر تعالجهم احنا ممكن نقتلهم ونريحك منهم، ومن شدة خوفى عليهم رحلت بهم إلى ولاية سنار وجلسنا هناك لمدة شهرين ثم سقطت المدينة، فرحلت إلى مدينة سنجة التى سقطت فى يدهم ثم إلى مدينة الدندر التى اقتحمها الدعم السريع وخرجت بعد سقوطها بيوم واحد».
وتابع : «كانت رحلات النزوح من مدينة لأخرى صعبة ومرهقة للغاية خاصة على الأطفال فى ظل الذعر الذى رأيناه من قصف عشوائى ونزوح المواطنين بكثرة، اضطررنا أن نسير على أقدامنا مسافات طويلة بعد غلق كوبرى الدندر بسبب الزحام، وبعد عبوره قمنا بالمبيت فى الخلاء بدون طعام أو شراب ليوم كامل، حتى وجدنا سيارة نقلتنا إلى القضارف ومنها إلى كسلا لنستقر بهذا المعسكر.
معسكر مدرسة عمر الحاج موسى
من معسكر المستشفى المرجعى إلى معسكر مدرسة عمر الحاج موسى، تبقى معاناة المواطنين هى سيد المشهد، فى ظل حصار برك المياه لخيامهم وانتشار البعوض والناموس من حولهم والروائح الكريهة، وفى هيكل المدرسة الذى لم يكتمل تسكن 7 أسر على الأقل فى مساحة ضيقة للغاية لا تزيد على متر فى متر، يفصل بينهم فقط قطعة قماش طولية.
ويضم المعسكر ما يقرب من 400 أسرة بما يعادل أكثر من 1200 فرد، وهم الأسر التى نزحت من ولايات الخرطوم ومدنى وسنار، وبدأ توافدهم إليه منذ ديسمبر 2023.
تقول الدكتورة هنادى محمود، وهى طبيبة نفسية تشرف على الحالات فى المعسكر، لـ «الشروق» إن الوضع صعب للغاية فهناك عدة مشكلات يواجهها النازحين هنا، أبرزها عدم وجود خصوصية فى تلك الخيام، وهطول الأمطار بكثافة، ومع كثرة أعدادهم لا نستطيع توفير الطعام لهم بصورة جيدة، فما يتم توفيره من المنظمات الأجنبية العاملة فى المجال الإنسانى لا يكفيهم لمدة أسبوع واحد.
وأضافت أنه مع انعدام توافر الإنارة فى المعسكر، تعرضت احدى الفتيات البالغة من العمر 12 عاما إلى الاغتصاب، ومن ثم قامت إحدى المنظمات بتوفير اضاءات للمعسكر، ولكنها غير كافية.
وأشارت الدكتورة هنادى إلى أن هناك ندرة فى توافر الأدوية للمعسكر، فضلاً عن أن هناك حالات كثيرة تحتاج إلى تدخل جراحى عاجل ولكن لا توجد خدمات طبية تكفى كل هذا العدد.
الحرب فى السودان لم تفرق بين مدنى وعسكرى، وأمام الانتهاكات الجميع سواسية، فالسيدة الأربعينية زلفة أدم محمد، التى جاءت نحوى مسرعة لتروى حكايتها، قالت وهى غاضبة ودون مقدمات «فقدت زوجى فى هذه الحرب، حيث يعمل ضابطا بالقوات المسلحة برتبة نقيب فى قوات العمل الخاص، فمنذ الهجوم على القيادة العامة خلال اليوم الأول للحرب لم يصلنى منه أى أخبار».
ثم بدأت دموعها تنهمر على وجهها، وقالت: «لا أعلم إذا كان حيا أو ميتا، فقدت السند ومصدر الدخل، وأصبحت أنا وأطفالى الأربعة بلا عائل»، وقالت: «عايزة أعرف عنه أى خبر أطمن عليه، ولو مات ياريت أعرف عشان أرتاح».
على بعد مسافة قريبة من هذا المعسكر، توجهت إلى معسكر المدرسة الصناعية الذى كان يضم أكبر عدد من النازحين حتى غمرته مياه الأمطار التى اختلطت مع مياه الصرف الصحى، فأغرقت الخيام واضطرت حكومة الولاية لنقل بعضا من سكانه إلى معسكر آخر يطلق عليه معسكر غرب المطار، يقع على أطراف المدينة ولذلك رفض عدد كبير من النازحين التوجه إليه وفضلوا المبيت فى الشارع.
وعلى أسوار المدرسة الصناعية وحتى أسوار مبنى وزارة الصحة فى الولاية بشارع الختمية، ارتصت العائلات فى الشارع، ومن يملك خيمة منهم فقد فاز بشىء ثمين، فغيرهم يجلسون تحت ظل الشجرة فقط لتحميهم من أشعة الشمس أو قطرات مياه المطر!
توجهت إلى تلك الأسر، لأسألهم لماذا رفضوا الذهاب إلى المعسكر وقرروا المبيت فى الشارع؟!
السيدة السبعينية زينب أحمد النازحة من مدينة سنجة والتى تعيش فى إحدى الخيم المتهالكة، هى وابنتها ناهد ومعها 10 أفراد آخرين، قالت: «نحن نعيش هنا بلا بطاطين أو فرش نستطيع النوم عليه، ورفضنا الذهاب لهذا المعسكر لأنه على أطراف المدينة ويبعد عن الأهالى الذى يتكفلون بنا فنحن فقدنا أى مصدر للدخل وأهل الخير يمدونا بالطعام والشراب، كما علمنا أن المعسكر ليس به مياه أو كهرباء».
أما هادية شرف الدين التى نزحت من ولاية الجزيرة إلى مدينة سنجة ثم إلى كسلا، فقالت لـ«الشروق» أنا وعائلتى عددنا 18 فردا، نعيش تحت هذه الشجرة التى تشاهديها، وننام على الأرض مفترشين ملابسنا، فقدنا رجالنا خلال رحلة النزوح فقد اتجه زوجى وزوج شقيقتى إلى مدينة عطبرة ولا نستطيع الوصول إليهما حتى عبر الهاتف، وليس لدينا مصدر دخل، ونعيش على التبرعات.
وأضافت: «لم نستطع حتى الآن التسجيل فى الهلال الأحمر السودانى ولذلك لا يمكننا الحصول على أى مساعدات أو حتى خيمة فى معسكر لتحمينا من المبيت فى العراء».
ثم قالت وهى تبكى وتحمل على كتفها طفلها الرضيع الذى يرتدى ملابس ممزقة، أنظرى إلى هذا الطفل، فهو يعانى من اسهال شديد وسوء تغذية وبقية الأطفال أصابتهم الملاريا، وتيفود، والتهاب بالعيون، فالذباب والناموس يحيط بنا من كل مكان، وكل ما نريده هو توفير «مشمعات، بطاطين، ملايات، ملابس للأطفال، ومواد تموينية».
من جهته، قال وزير التربية والتعليم فى كسلا، ماهر على الحسين: «إن معسكر المستشفى المرجعى وحتى تلك المدرسة كانوا لاستقبال النازحين كمعسكرات مؤقتة ثم يتم ترحيلهم إلى مراكز الإيواء الدائمة».
وتابع: «هناك ضغط كبير على الولاية من النازحين يفوق قدراتنا بمراحل، فهناك 150 مدرسة مغلقة بسبب النازحين ونريد استئناف الدراسة مرة أخرى».
وأكد الحسين أن الولاية جهزت مركز إيواء غرب المطار ومركز مدرسة الأشبال على بعد 20 كيلو من وسط المدينة، بالتعاون مع المنظمات الدولية، مشيرا إلى أن الدعم المقدم من المنظمات لا يتناسب مع قدر الاحتياج الحقيقى من طعام ودواء وخيام وغيرها من المتطلبات والمجتمع يقوم بدور تكافلى مهم ساعد على سد تلك الفجوات.
فيما يقول وزير الشئون الاجتماعية فى كسلا الدكتور عمر عثمان أدم، أن الولاية جهزت معسكرين منهم معسكر الكرامة ومصنع البصل، وبدأنا فى ترحيل النازحين من المدارس، مضيفاً بالطبع لا ندعى بأن كل الخدمات متوافرة ولكن هناك الحد الأدنى منها، وهناك استكمال لمنشآت وخدمات تلك المراكز.
ومع نهاية الجولات فى معسكرات النزوح داخل ولاية كسلا، انطلقنا لاستكمال الرحلة إلى ولاية القضارف لنسمع أكثر عن حكايات النازحين التى نستكملها فى الحلقة الثانية.
تضارب بشأن أعداد النازحين
يقول وزير التربية والتعليم بولاية كسلا، ماهر على الحسين: «ليس لدينا إحصائية دقيقة بأعداد النازحين ولكن حسب الإحصائية الأولية، يبلغ عددهم أكثر من 100 ألف أسرة منذ اندلاع الحرب، بما يقرب 800 ألف فرد، حيث تم فتح المدارس لاستقبالهم»، مشيرا إلى أن «التعليم متوقف فى الولاية لأن 150 مدرسة مشغولة بالنازحين، لاسيما عقب الهجوم على ولايات سنجة وسنار مما زاد الضغط على كسلا».
وتابع: «الولاية فقيرة والضغط عليها أكثر من طاقة استيعابها»، مضيفا أنه فى المحليات التابعة للولاية وتحديدا فى مدينة خشم القربة 20 مركز، وفى حلفا الجديدة 48 مركزا آخر.
بينما قدر وزير الشئون الاجتماعية فى كسلا، الدكتور عمر عثمان أدم، عدد النازحين بأكثر من 2 مليون نازح، مما شكل ضغط على الخدمات بالولاية.
أبرز محطات الحرب
2023
15 إبريل
اندلاع قتال مفاجئ بين الجيش السودانى والدعم السريع جنوب الخرطوم.
20 مايو
اتفاق طرفى الصراع فى محادثات جدة على هدنة 7 أيام لكن القتال لم يتوقف.
19 يوليو
اتساع نطاق الصراع ليشمل منطقة دارفور غرب البلاد.
19 ديسمبر
تقدم الدعم السريع للسيطرة على ود مدنى عاصمة ولاية الجزيرة.
2024
12 مارس
الجيش السودانى يسيطر على مقر هيئة البث الرسمية فى أم درمان.
9 إبريل
القتال يصل إلى تخوم ولاية القضارف الزراعية.