قال الدكتور عمرو حسن أستاذ أمراض النساء والتوليد بقصر العيني، إن كثيرًا من الأمراض التي تصيب الإنسان يكون أصلها قد نشأ بسبب تعرضه أثناء الحياة الجنينية لظروف سيئة، وفسر ذلك بالنظرية المعروفة ببرمجة الجنين fetal programming.
وأوضح حسن، لـ"الشروق"، أن الله -تعالى- أودع في كل مخلوق خاصية داخل شفرته الوراثية DNA وهي حب البقاء، وفي سبيل ذلك يتكيف مع التغيرات البيئية غير الملائمة لحياته، وإذا استمرت هذه الظروف السيئة لوقت طويل فإن تكيفات الجنين لا تقتصر على نضاله لاستمرار حياته، بل للوصول إلى هدفه الاستراتيجي وهو بقاء نوعه أو جنسه بالتكاثر.
وأضاف أن هذه التكيفات لها الفائدة والضرر، وتتمثل الفائدة في الحفاظ على حياة الجنين داخل الرحم ومباشرة بعد ولادته، كأنه يتوقع حدوث ولادة مبكرة قريبة، ولكن الضرر يحدث على المدى البعيد، فالجنين ليس قصير النظر ولكنه ينفذ أمر الله سبحانه وتعالى الذي أودعه فيه وهو حب الحياة له ولجنسه في بذل قصارى جهده للإبقاء.
وذكر أن هذا الضرر يحدث لسببين، ويجري الجنين تغيرات جسمانية تكسبه قدرة الحياة في بيئة الشح أو الندرة، ولكنه يتفاجأ بعد الولادة بظروف بيئية مختلفة أي بيئة الوفرة، فتتحول نعمة القدرة على التكيف لمقابلة الظروف السيئة داخل الرحم إلى نقمة خارجه، ويبذل الجنين الجهد الكبير الذي يساعده على البقاء حتى بلوغ التكاثر، وبعد ذلك يكون استنزف نفسه فيحدث التراجع السريع في كفاءة خلاياه وأعضائه الحيوية فتظهر كثير من العلل المرضية، ويتسارع الخلل كلما تقدم العمر.
وتابع: "ولنا في جنين الإنسان المثال، فعند تعرض الجنين لظروف غير ملائمة مثل نقص التغذية ومنها نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية أو نقص الأكسجين، فإنه يكيف نفسه ليستطيع الحياة مع هذا النقص بعدة وسائل، منها: تقليل معدل استهلاك الغذاء والأكسجين بتقليل تحركه داخل الرحم، وتقليل معدل التمثيل الغذائي الأساسي، وتقليل مرور المواد الغذائية إلى الأنسجة بزيادة مقاومتها للأنسولين؛ مما قد يؤدي على المدى البعيد إلى زيادة معدل زيادة الوزن، ومرض السكرى، ومتلازمة تكيس المبايض، وإعادة توزيع إمدادات المواد الغذائية والأكسجين للأعضاء المختلفة حسب أهميتها لحياته".
واستطرد: "فيزيد مثلا إمداد المخ بالأكسجين على حساب أعضاء أخرى، ويحدث ذلك بواسطة اتساع الأوعية الدموية التي تغذي المخ، وانقباضها في أماكن أخرى، ومع استمرار هذا التكيف تتأثر الأعضاء الأخرى بما لا يظهر إلا على المدى البعيد، كما يحدث في الحالات الشديدة لأنيميا نقص الحديد رد فعل للجنين زيادة تكوين كرات الدم الحمراء كأولوية له؛ لتعويض نقص الهيموجلوبين وبالتالي نقص الأكسجين الواصل للأنسجة، وهذه الكرات الحمراء تحتاج لكمية من عنصر الحديد غير المتوفر له من الأم، فيجري تفضيل إيداع الحديد داخل كرات الدم الحمراء على حساب أعضاء أخرى في منتهى الأهمية مثل المخ والقلب، والتي هي في حاجة ماسة لعنصر الحديد لإنتاج الطاقة اللازمة لهذا العضو".
وأتم: "أحيانا يظهر تأثير هذا النقص على المدى البعيد، على الوظائف المعرفية، وعلى قدرة القلب وباقي الأعضاء الأخرى، وتقليل معدل انقسام الخلايا لزيادة عددها، مقابل الإسراع في نضوجها الوظيفي".
ولفت إلى أنه بتعرض الجنين لفترة طويلة من الظروف غير الملائمة يكتسب القدرة على إنجاز عملياته الحيوية بأقل قدر ممكن من إمدادات المواد الغذائية؛ مما يسبب زيادة وزنه في بيئة الوفرة أثناء الطفولة Childhood obesity.
وبين أن الأكثر خطورة في هذا الموضوع هو استمرار بيئة الشح داخل الرحم وتأثر الجينات بما نسميه تغير التعبير الجيني gene expression، والذي يستمر طوال الحياة، ويمكن أن يورث للأجيال التالية، ويرتبط بهذه النقطة زيادة إفراز هرمونات التوتر stress hormones (الكورتيزون والأدرينالين)، مع حدوث العلل المرضية التي قد تنتج بسبب ذلك على المدى البعيد.