- اخترت أغنية محمد منير عنوانا للكتاب لأن الفن يسبق العلم
يحاول دائما أن يبسط المعلومة بأفضل طريقة ممكنة، ورغم أنه يكتب عن أمور علمية معقدة، ولكنه بلغته السلسة وحسه المرهف يستطيع إيصال المعنى للثراء بكل وضوح، تناول العلاقات الخطرة فى كتابه «علاقات خطرة»، وتناول الذكورة فى المجتمع الشرقى فى كتابه «ذكر شرقى منقرض»، وتناول كيفية قول لا فى كتابه «لأ بطعم الفلامنكو»، وتناول كيف يمكن للإنسان الخروج عن النص فى كتابه «الخروج عن النص»، والذى أتبعه بجزء ثان موسع ومنقح بعنوان «الخروج عن النص من جديد»، وها هو يسطر فصلا جديدا فى مشوراه فى الكتابة النفسية بأحدث كتبه «فى دايرة الرحلة: الحب.. الوعى.. الأحلام»، والصادر حديثا عن دار الشروق، ولمعرفة رحلة كتابه الأحدث «فى دايرة الرحلة»، وللحديث عن الحب والعلاقات، والوعى، والأحلام، وأشياء أخرى كثيرة، حاورته «الشروق»، وهذا نص الحوار:
< عنوان كتابك الأخير «فى دايرة الرحلة: الحب.. الوعى.. الأحلام»، عنوان جاذب وشاعرى، من أين جاء وماذا قصدت به ؟
ـــــ الكتاب يتناول ثلاثة مواضيع يبدو أنهم منفصلون، ولكنهم متصلون للغاية، فهنالك جزء من الكتاب يتناول الحب، وجزءا من الكتاب يتناول الوعى ومستويات الوعى وبعض محتويات عقلنا الباطن ومستوياته، والجزء الثالث يتناول الأحلام. رغم أنهم من الخارج يبدون كمواضيع منفصلة، ولكن من سيبدأ فى قراءة الكتاب سيكتشف أن المواضيع الثلاثة مرتبطة للغاية ببعضها البعض. لا يأخذ كل موضوع من الثلاثة جزءا من الكتاب بشكل منفصل، بل سيجد القارئ أن هنالك فصلا عن الحب، ثم فصلين عن الأحلام، ثم عن الوعى، وهكذا، وذلك لأنهم فى العمق الخاص بهم مواضيع يوجد ارتباط وثيق بينهم. الحب والوعى والأحلام مرتبطة بتطورنا، وبتطورنا النفسى، وتطور وعينا، وهى رحلة ممتدة بدأتها مع القارئ منذ أكثر من عشر سنوات، هى رحلة يزيد فيها وعينا النفسى ونعرف فيها نفسنا بشكل أكبر، ونعرف أكثر عن الحب والعلاقات، وعن مفاهيم نفسية كثيرة للغاية، وجزء من هذه الرحلة يحدث ونحن مستيقظون، وجزء يحدث ونحن نائمون، وذلك من خلال الأحلام التى لها وظائف كثيرة للغاية، وهذا يظهر فى الكتاب، وتساهم الأحلام فى تكوين نفسنا ومعرفتنا لنفسنا وتوجهاتنا فى علاقتنا وسلوكنا فيها.
لذلك لم أجد عنوانا لوصف محتوى الكتاب أكثر من عنوان أغنية محمد منير «فى دايرة الرحلة» لأنها تصف رحلة الحياة، ورحلة التطور فى الحياة، التطور النفسى، تطور العلاقات، فهو فى هذه الأغنية يصف رحلة حياتية من أعمق ما يكون، ودائما ما أقول إن الفن يسبق العلم، ويعبر عن العلم أكثر من العلم نفسه، وأحب دائما ربط العلم بالفن، لذلك جاء العنوان بهذا الشكل.
< «فى دايرة الرحلة» كتاب حر فى طريقة سرده عن كتبك السابقة، نشعر بأنه شذرات نفسية فلسفية، فلماذا اختلف التناول فيه عن كتبك الأخرى؟
ـــــ كل كتاب من كتبى يكتبه شخص آخر مختلف عن الكتاب الذى يكون قبله، محمد طه الذى كتب «علاقات خطرة»، ليس محمد طه الذى كتب «لأ بطعم الفلامنكو»، ليس محمد طه الذى كتب «ذكر شرقى منقرض»، ليس محمد طه الذى كتب «فى دايرة الرحلة». كل كتاب منهم أكون اختلفت عن الكتاب الذى سبقه، فأنا نفسى أمر بتطور وتغير نفسى مع كل كتاب، وفى هذا الكتاب وصلت لتطور معين فى رحلتى أنا، كنت مختلفا هذه المرة عن كتبى السابقة. لذلك التناول هنا فى «دايرة الرحلة» مختلف، والطريقة مختلفة، والكثير من الناس الذين قرأوا الكتاب وصفوا أنى فى هذا الكتاب أقرب، وكأنهم يسمعون الكتاب بصوتى، كما أنهم شعروا بتبسيط أكثر وسلاسة أكبر، رغم أن المعانى أعقد، وكأن الكتاب قادم من منطقة وعى جديدة ومختلفة لدى، لذلك لمست منطقة وعى مختلفة وجديدة لديهم هم أيضا.
< دائما تحظى العلاقات بحضور كبير فى كل كتبك، وخصصت كتابا كاملا لها «علاقات خطرة»، ولكن هنا شعرنا بتناول فلسفى شاعرى أكثر منه نفسى أو إكلينيكى، فكيف تنظر للعلاقات الاجتماعية بشكل عام؟
ــــــ العلاقات لديها حضور كبير فى كل كتبى لأنها من أكثر الأمور التى تؤثر فى نفسنا سواء بالإيجاب أو السلب، العلاقات من الممكن أن تساهم أن تصبح نفسيتنا وحياتنا أفضل بكثير، والعكس أو تساهم فى أن تصبح أسوأ بكثير. العلاقات لها دور نفسى كبير للغاية وعلى المستوى الروحى، وعلى مستويات كثيرة للغاية. وكونى طبيبا نفسيا فكثير للغاية من المشاكل والصعوبات النفسية يكون خلفها علاقات، بداية من علاقة الأب والأم بأولادهم، ومتى شريك الحياة.
< الأحلام عمود أساسى فى الكتاب، فكيف ترى الأحلام من الناحية النفسية، وهل من الممكن أن تكتب كتابا كاملا عن الأحلام فقط؟
ــــــ الأحلام شىء مهم للغاية، ولها وظائف كثيرة فى حياتنا، فهى تساعد على القيام بوظائفنا الحيوية وتشجع عليها وتساهم بها، وتساعد على هضم والتعامل مع بعض الصدمات النفسية، ونحن نائمون ولا نشعر بما يحدث، الأحلام تؤدى وظائف كثيرة فهى تساعد على إصلاح بعض التلف وتجدد بعض الخلايا فى المخ، وتجديد البرنامج الجينى كل يوم ونحن نائمون، وتساعدنا على فهم نفسنا أكثر والغوص داخل نفسنا أكثر، وهذا من خلال فهم أحلامنا فنفهم أنفسنا أكثر ونفهم الذى يحدث فى نفسنا أكثر من خلال فهمنا ورؤيتنا لأحلامنا. لا أحب مصطلح تفسير الأحلام، ولكن التعامل مع الأحلام، وفهم الأحلام، ومحاولة الاقتراب من معنى الأحلام، ومحاولة فك شفرة الأحلام. وبالطبع من الممكن أن أكتب كتابا كاملا عن الأحلام يوما ما، فالأحلام موضوع كبير لا ينتهى، والكتابة فيه بحر كبير، والأحلام بشكل عام علم كبير لا ينتهى على الإطلاق.
< الأسلوب السلس يميز جميع كتبك، فهل تظن أن هذا نابع من العامية المستخدمة فى السرد؟
ــــــ الأمر ليس بهذه البساطة، الأسلوب السلس موجود بالفعل فى كل كتبى، والعامية هى اللغة المصرية الحديثة التى نتكلم بها جميعا فى الحياة اليومية، هى الناقل للمعلومات ووسيلة المواصلات التى أنقل بها ما لدى للجمهور، وهى أحد العوامل التى تجعل الأسلوب سلسا، ولكن هنالك عوامل أخرى مثل طريقة كتابتى فأنا لا أضع مجموعة من الحقائق العلمية، بل أنا أكتب كأننى أخاطب من أمامى شخصيا كأننى فى جلسة، وهذا ما يجعل الأسلوب سلسا، وقد سمعت هذا التعليق مئات آلاف المرات من الجمهور، وهو شعورهم بأننى أجلس أمامهم لأخاطبهم، أو أنهم يقرأون الكتاب فيسمعون صوتى. طريقة كتابتى أننى أكلم شخصيا من يقرأ. أمر آخر هو أن المواضيع التى أتناولها تخص جميع الناس تخص التربية البشرية الإنسانية المتواجدة لدى كل البشر وهذا يلمس شريحة كبيرة من الناس.
< كيف ترى استمرار التعاون مع دار الشروق؟
ـــــ أشعر بالراحة دائما فى التعامل مع دار الشروق، وذلك من أكبر شخص إلى أصغر شخص فى الدار، والقائمون على الدار يفعلون أقصى ما فى وسعهم ليظهر الكتاب فى أكمل صورة ممكنة، رغم أننى دقيق فى تفاصيل كثير وأراجع كل شىء بنفسى وأتدخل فى كل تفصيلة فى الكتاب وأشعر فى بعض الأوقات أنى أثقل عليهم، ولكن لديهم دائما رحابة نفس، وتقديرا لما يكتب، والذى يوصل لشريحة كبيرة من الناس، ومكتوب من أجل الناس ومن أجل إفادتهم والتأثير فيهم والوصول لهم، فهم يهتمون بهذا ويسعون له ويتعاونون بكل شىء ممكن لكى يتم ذلك. سعيد بالتعاون مع دار الشروق وأتمنى أن يستمر التعاون.
< بما أنك طبيب نفسى، كيف ترى كتب التنمية البشرية التى يكتبها «اللايف كوتشينج»؟
ـــــ أى أحد يكتب فى تخصصه بشكل علمى ومخلص فذلك سيكون مفيدا للغاية، وأرى الكثير من الزملاء الذين يكتبون فى مجال التنمية البشرية يكتبون أشياء مفيدة، وطالما يكتبون فى تخصصهم، ويحدثون الناس عن تحديات الحياة وكيف يواجهون صعوبات الحياة، والتعرف على مناطق القوة لديهم، والتعامل مع مناطق الضعف، وإعادة التخطيط لحياتهم ومستقبلهم واكتشاف مهاراتهم الحياتية. أرى الكثير منهم يكتبون أشياء مفيدة ويلتزمون بحدود تخصصهم ولو وجدوا، أن الذين يتعاملون معاهم يحتاجون مراجعة طبيب أو أخصائى نفسى ينصحونه بذلك من أجل الفائدة. كل من يكتب فى تخصصه، وعن علم ودراسة، وبإخلاص، وبنية الفائدة فله كل الاحترام والتشجيع.
< دائما ما تحظى الأعمال السينمائية بتواجد فى كتبك، و«فى دايرة الرحلة» ليس استثناء لذلك، فكيف ترى العلاقة بين النفسى والسينمائى؟
ــــــ الفن أحد المصادر المعرفية مثله فى ذلك مثل العلم، والفن أحيانا كثيرة يسبق العلم، ويعبر فى أوقات كثيرة بشكل أسبق وأسهل وأقرب من ما يعبر العلم عنها، وكثيرا من الأفكار العلمية أو الأشياء المثبتة علميا، كانت أفكار قدمت فى أعمال فنية سواء دراما، لوحات فنية، أعمال زجلية أو شعرية أو غنائية. فى الماضى مثلا فى بعض الأفلام السينمائية كنا نرى البطل يمسك بآلة يمكنه فيها الكلام مع الناس ويمكنه رؤية صورهم، وهذه الآلة أصبحت الموبايل فى وقتنا الحالى، والذى يمكننا الحديث فيه مع بعضنا البعض عبر الفيديو الكول، وكان هذا أمرا من أمور الخيال وقدم فى الفن، ثم أصبح حقيقة الآن على المستوى العلمى والحياتى. الفن يلمس النفس البشرية بسهولة ويعبر عن أمور علمية وفلسفية وأمور فى مجالات كثيرة للغاية يعبر عنها ببساطة وسلاسة وبطريقة تصل للناس. الطبيب النفسى يجب أن يكون لديه حس فنى، فالتعامل مع النفس البشرية ليس مثل التعامل مع أنابيب الاختبار فى المعمل، بل هو أمر به حس مرهف وأبعاد إنسانية وروحية كثيرة.
عندما أعرض بعض المشاهد الفنية المعينة فى كتبى المختلفة سواء مشاهد سينمائية، أو أعمال غنائية، أو درامية، أو محاولة تحليل تلك المشاهد تكون بتلك المشاهد أو الأعمال ملمح نفسى معين، أو فكرة نفسية معينة، أو تعرض مشكلة نفسية ما، فمن خلال عرضها تساهم فى توصيل ما أريد توصيله للناس، وهى أحد الطرق فى إيصال ما يريد أن يقوله العلم بطريقة مبسطة للناس، فليس هنالك فقط علاقة بين العلم والفن، بل عرض الأعمال الفنية يساعد فى توصيل الرسائل العلمية للناس ببساطة، وتحليل الأعمال الفنية أمر يحدث من زمن بعيد، وليس أمرا أنا الذى اخترعته، بل ذلك يحدث منذ عصر فرويد، والذى كان يعرض أعمال فنية كثيرة ويحللها ويكتب عنها.
< نشر محمد صلاح من قبل مقاطع من كتابك «الخروج عن النص من جديد»، فكيف رأيت ذلك، وهل اختلفت نوعية قرائك بعد ذلك؟
ـــــ سعدت للغاية بنشر صفحات من كتابى «الخروج عن النص من جديد»، أنا أقيم فى مدينة ليفربول حيث يلعب محمد صلاح، وأنا من محبيه ومشجعيه، وأرى كيف يحبه الناس فى العالم كله، وخاصة فى إنجلترا وليفربول تحديدا لدرجة العشق، وكيف يحبون كل مصرى، ويحبون مصر وأحد أسباب هذا هو وجود محمد صلاح وأخلاقه، والأطفال يحبونه، وعندما تسير فى شوارع ليفربول ترى الناس يرتدون التيشرت الخاص به رقم 11، وخاصة الأطفال، وهو يفعل الكثير من الخير فى كل أنحاء العالم. لذلك شعرت بفرحة وفخر شديد، وأشجع أن يكون الرياضى مثقفا وأن يريد أن يطور نفسه، ويطور وعيه، وليس فقط أن يطور نفسه كرياضى، بل أيضا كإنسان، وأيضا أن يطور عقله فكل هذا يساهم فى نوعية وجوده فى مهنته وحياته وعلى مستويات كثيرة للغاية، ومحمد صلاح مثال على ذلك. لا أعلم هل اختلفت نوعية قرائى أم لا بعد نشره لصفحات من كتابى، ولكن أى عمل يقوم محمد صلاح بنشر مقاطع منه الناس تهتم به وتحب أن تقرأه وتعلم عنه أكثر، فالطبع كان لهذا صدى فى وسط جمهور محمد صلاح، وليس فقط فى جمهورى.
< كونك طبيبا نفسيا مميزا، وكاتب فى هذا الشق له باع كبير، كيف ترى العلاج النفسى فى مصر، وكيف ترى الكتابات النفسية بشكل عام؟
ــــــ الطب بشكل عام، والطب النفسى بشكل خاص، لأن هذه مهنتى، فهو على قدر عال للغاية من العلم والحرفية والمهنية والتقدم، الأطباء المصريون بشكل عام هم من أفضل وأمهر الأطباء على مستوى العالم كله فى كل المجالات، وليس فى الطب النفسى فقط. الطبيب المصرى فى أى مكان فى العالم هو الأمهر والافضل وذو سمعة حسنة، ودائما تود الناس الذهاب له، وأنا مقيم هنا فى إنجلترا وأرى ذلك بنفسى، وهذا ينطبق على الطب النفسى فى مصر. لدينا أساتذة وعلماء فى الطب بشكل عام، وفى الطب النفسى خاصة، وهنالك أنواع كثيرة من العلاجات النفسية تمارس فى مصر حاليا وهنالك تدريبات كثيرة على المدارس العلاجية المختلفة، والوعى النفسى فى مصر يزداد بفضل الأطباء والمعالجين النفسيين، وإزالة الوصمة والكتابات والتوعية النفسية، وهنالك تطور شديد فى العلاج النفسى والطب النفسى، وأيضا مدارس مختلفة ووعى نفسى عالى للغاية، وهذا تطور وتقدم ملحوظ يدعو للفخر بما يحدث فى مصر على مستوى الطب النفسى والعلاج النفسى.
الناس أصبح لديها الشجاعة فى الذهاب للطبيب النفسى، وأصبحت ليس لديهم مشكلة فى استشارة الطبيب النفسى والحكى معه ليس فقط عن مشكلات أو أعراض نفسية، بل حتى لآخذ رأيه فى أمر ما، أو حتى الحكى معه، بعكس الماضى من وجود حرج أو وصمة، ولكن هنالك الآن شجاعة ووعى نفسى، وأصبحت هنالك أعمال درامية تتناول المشاكل النفسية، وتقدم الطبيب النفسى فى دوره الحقيقى بعكس الماضى الذى قدم فيه الطبيب النفسى فى شكل غير حقيقى، فى شكل شخص غير طبيعى، والمريض النفسى فى صورة مجنون، وذلك فى سخرية زائدة تؤثر على نظرة الناس للمريض النفسى، والطبيب النفسى، عكس الآن، حيث أصبح هنالك وعى عال ونضج كبير، والطب النفسى، والطبيب النفسى، والمريض النفسى يتقدمون بشكل هادف ومفيد فى الأعمال الدرامية، والمجتمع بشكل عام.
< ما هو القادم بالنسبة لك؟
ـــــ العمل القادم سيكون مفاجأة كبيرة، وسيكون مختلفا للغاية عن كل ما كتبت من قبل، وستكون فكرة جديدة تماما، ومفاجأة سعيدة، وأتمنى أن تلقى قبول الناس، وتكون مفيدة.