في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يقف البيت الأبيض رمزًا للسلطة والتاريخ، تشهد جدرانه العريقة هذه الأيام حركة غير مألوفة، إذ تتعالى أصوات الحفر والآلات الثقيلة في أرجائه الشرقية، إيذانًا بمرحلة جديدة من التغيير يقودها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يبدو مصممًا على ترك بصمته الخاصة في أحد أهم رموز السلطة في العالم.
تاريخ طويل من إعادة البناء
منذ بنائه عام 1792، لم يبقَ البيت الأبيض على حاله، فقد شهد عبر تاريخه سلسلة من عمليات الترميم والتجديد الكبرى، وبحسب جمعية البيت الأبيض التاريخية، خضع المبنى لأربع عمليات رئيسية، بدأت عام 1817 عندما أُعيد بناؤه بعد أن دمّره البريطانيون خلال حرب 1812.
وفي عام 1902 أطلق الرئيس ثيودور روزفلت مشروع تحديث شامل أضاف خلاله الجناح الغربي الذي يضم المكتب البيضاوي، ثم جاء الرئيس هاري ترومان عام 1952 ليعيد بناءه من الداخل بعد أن أصبح هيكله ضعيفًا.
فيما أُدرج المبنى عام 1960 ضمن قائمة المعالم التاريخية الوطنية، ليصبح أي تعديل كبير فيه خاضعًا لموافقة لجنة الحفاظ على التراث، وهذه المحطات جعلت من البيت الأبيض أكثر من مجرد مقر رئاسي؛ فهو وثيقة معمارية حيّة تعكس فترات التحول في التاريخ الأمريكي.
مشروع قاعة الرقص الكبرى
بحسب صحيفة الجارديان، بدأت فرق الهدم مؤخرًا بإزالة أجزاء من الجناح الشرقي تمهيدًا لمشروع ضخم يتمثل في قاعة رقص جديدة تبلغ مساحتها نحو 90 ألف قدم مربع، وتتسع لما يقرب من 999 شخصًا.
وتشير إلى أن القاعة ستموَّل بالكامل من تبرعات خاصة، في حين يتوقع أن تتجاوز تكلفتها 200 مليون دولار، لتكون واحدة من أكبر التوسعات في تاريخ البيت الأبيض منذ منتصف القرن الماضي.
وبحسب نيويورك تايمز، تُظهر الصور الرسمية تصميمًا داخليًا مستوحى من منتجع مار-أ-لاغو الفاخر الذي يملكه ترامب في فلوريدا، بما يعكس ذوقه الشخصي في الفخامة المذهبة والديكور الكلاسيكي الفاخر.
لمسات جديدة على الحديقة والمكتب البيضاوي
لم تتوقف التغييرات عند الجناح الشرقي، إذ شملت أيضًا حديقة الورود الشهيرة التي استُبدل فيها العشب الطبيعي ببلاط حجري فاخر، وأضيفت مظلات وطاولات مخططة بالأصفر والأبيض، في تصميم مستوحى من منتجع ترامب ذاته.
أما المكتب البيضاوي، فغلب عليه اللون الذهبي بعد إضافة زخارف وإطارات مذهبة للجدران والمرايا، ما منحه مظهرًا فخمًا وغير مألوف في تاريخه الحديث.
غرفة مجلس الوزراء وممشى الرؤساء
امتدت التغييرات إلى غرفة مجلس الوزراء، حيث أُضيفت ثريات جديدة وتطعيمات ذهبية وأعلام تمثل فروع القوات الأمريكية.
وفي سبتمبر الماضي، افتتح ترامب ما سماه "ممشى المشاهير الرئاسي" داخل الرواق الغربي، يضم صور جميع الرؤساء الأمريكيين بإطارات مذهبة.
لكن الخطوة التي أثارت الجدل كانت استبدال صورة الرئيس السابق جو بايدن بصورة آلة توقيع آلي تحمل اسمه، في إشارة رمزية فسّرها البعض كتعبير عن تشكيك ترامب في خلفه السياسي.
من البيت الأبيض إلى معالم واشنطن: قوس ترامب
ووفقًا لصحيفة ذا تايمز أوف إنديا، فإن مشروع قاعة الرقص ليس سوى جزء من رؤية أوسع يسعى ترامب من خلالها إلى إعادة تصور معالم العاصمة واشنطن وترك إرث معماري رمزي.
فقد كشف مؤخرًا عن نموذج ثلاثي الأبعاد لنصب تذكاري جديد يُعرف باسم "قوس ترامب"، مستوحى من قوس النصر في باريس، من المقرر أن يُقام مقابل نصب لنكولن التذكاري كبوابة رمزية للعاصمة عبر جسر أرلينجتون، على أن يُفتتح عام 2026 بالتزامن مع الذكرى الـ250 لتأسيس الولايات المتحدة.
رئيس ومهندس
وتُشير الصحيفة إلى أن خلفية ترامب كمطور عقاري تفسّر حرصه الشخصي على متابعة أدق تفاصيل التجديدات في البيت الأبيض، من تذهيب المكتب البيضاوي إلى رصف الحديقة وتركيب أعمدة الأعلام الكبيرة في الساحات الجنوبية.