يرتبط التقدم في السن عند الكثير بانخفاض كفاءة المخ، والإصابة بالخرف والزهايمر، إلا أن دراسة أعدها علماء أستراليين، واستندت إلى الكثير من الأبحاث السابقة، أثارت جدلًا كبيرًا، فقد توصلت إلى أن الأداء العقلي العام في الدماغ يصل إلى ذروته بعد تجاوز عمر الـ50؛ ما يجعل نتائجها تتعارض مع العديد من الدراسات السابقة والتي رسخت لدى البعض الاعتقاد بأن كفاءة الإنسان الذهنية تنخفض بدءًا من عمر 50.
وتستعرض "الشروق"، في هذا التقرير نتائج هذه الدراسة، والتي قد تثير التفاؤل لدى من تخطوا هذا العمر، ويخشون من شبح الشيخوخة، بأن أيامهم القادمة لازالت في انتظارهم، وفقًا لصحيفة ديلي ميل البريطانية.
* الكفاءة البدنية ترتبط بالسن الصغير
يمكن أن يصبح السن المبكر حاضرًا بقوة عند الحديث عن الكفاءة البدنية، فقد أشارت دراسات سابقة إلى أن البشر يصلون إلى ذروتهم البدنية في منتصف العشرينات إلى أوائل الثلاثينيات من العمر، ما يفسر السبب في قصر مسيرة الرياضيين المهنية.
* دراسة تربط المعرفة بالتقدم في العمر
قال مؤلف الدراسة جيل جينياك، أستاذ علم النفس بجامعة غرب أستراليا، إن الدراسة أخذت في الاعتبار 16 سمة معرفية وشخصية رئيسية، وهي:
1- الاستدلال وتعني القدرة على حل المشكلات باستخدام المنطق.
2- مدى الذاكرة: وتعني قدرة الإنسان على تذكر المعلومات الفورية والاحتفاظ بها في ذهنه.
3- سرعة التفكير، وهي السرعة في استيعاب المعلومات واتخاذ القرارات.
4- المرونة المعرفية، وتعني القدرة على تغيير الاستراتيجية حسب الموقف.
5- التفكير العميق، وتعني التفكير والتحليل بدلًا من اتخاذ القرارات المتسرعة.
6- الانبساط، وهو الانفتاح على الآخرين والتفاعل معهم.
7- التعاطف المعرفي: القدرة على فهم وجهات نظر الآخرين والتعاطف معها بالعقل وليس العاطفة فقط.
8- الفضول: الرغبة في استكشاف الجديد والتعرف عليه.
9- الذكاء العاطفي: قدرة الشخص على فهم مشاعره ومشاعر الآخرين والتحكم فيها بذكاء.
10- اللطف: الميل إلى التسامح والتعاون مع الآخرين.
11- المعرفة: تراكم المعلومات والخبرات الحياتية.
12- الضمير: الانضباط وتحمل المسئولية.
13- الثقافة المالية، فهم وإدارة الموارد المالية.
14- الاستقرار العاطفي، ويعني التحكم في القلق والغضب والانفعالات.
15- التفكير الأخلاقي، وهو التفكير العميق في الأمور واتخاذ القرارات بناءًا على مرجعيات الشخص الأخلاقية والدينية.
16- مقاومة تحيز التكلفة الغارقة وتعني القدرة على التخلي عن مشروع بالرغم من استثمار المال والوقت فيه عند التأكد أنه غير مربح.
فيما قال البروفيسور جينياك في مقال له في مجلة The Conversation : "رسمت الدراسة خريطة لكل سمة، توضح في أي سن تصل إلى ذروتها، وخلصت إلى أن الأداء العقلي الإجمالي يصل إلى ذروته بين سن 55 و60 عاما، قبل أن يبدأ في التراجع بدءا من حوالي سن 65 عاما".
* الضمير والتفكير الأخلاقي يصعدان مع التقدم في العمر
وأشارت الدراسة إلى أن التفكير الأخلاقي، يرتفع بعد سن 65 عامًا، كما يصل كلًا من الضمير، والاستقرار العاطفي ذروتهما في سن 65، 75 عامًا على التوالي، وهو ما يفسر قلة ارتكاب الجرائم، إلى جانب الشعور بالسلام الداخلي لدى الأشخاص في هذا العمر .
* الوعي المالي يتراجع بعد 65 عامًا
وأشارت الدراسة إلى أن الوعي المالي ينخفض بعد 65 عامًا، فيما تقل مقاومة التكاليف بعد سن 75 عامًا، ما يفسر تفويض رجال الأعمال أبنائهم لتولي إدارة المشاريع، إلى جانب تراجع الأدار المهني للأشخاص ممن تجاوزوا هذا العمر.
* لماذا يكون معظم رجال الأعمال في 50 أو 60؟
يرجع السبب في ذلك إلى تمتع الأشخاص في هذا العمر بمهارة "مقاومة التحيز المعرفي" والتي تمكنهم من الحكم على الأمور واتخاذ القرارات بشكل عقلاني من خلال استخدام جميع المعلومات المتاحة وعدم إغفال أي منها، وهي عكس التحيز المعرفي، والذي يعني استناد الشخص إلى بعض المعلومات والمعارف السابقة، وتجاهل الأخرى، لاتخاذ قرارات غير عقلانية.
وتستمر مقاومة التحيز المعرفي في التحسن بعد 70 وحتى 80 عامًا، ما يفسر السبب في تولي الأشخاص في الخمسينيات والستينيات من العمر العديد من الأدوار القيادية أو التنفيذية عالية المخاطر، في مجال الأعمال، فيما لا تسند هذه المهام لمن هم أصغر من 40 عامًا أو أكبر من 65 عامًا.
* لماذا يواجه العمال كبار السن مشاكل في التوظيف؟
يخدم ارتفاع الكفاءة الذهنية بعد سن الخمسين، رجال الأعمال ولكن في المقابل يواجه العمال الأكبر سنا تحديات أكبر عند العودة إلى القوى العاملة بعد فقدان وظائفهم، ربما لأن أرباب العمل يعتقدون أنهم على وشك التقاعد.
* ما الفرق بين الشباب والشيخوخة؟
وأشار الباحثون إلى أن الفرق بين الشباب والشيخوخة يكمن في وجود نوعين من الذكاء، السائل والمتبلور، وهي مفاهيم قدمها عالم النفس ريموند كاتل في عام 1943.
ويشير الذكاء السائل، والذي يوصف بأنه "قوة المعالجة الخام" إلى القدرة على معالجة المعلومات بسرعة وحل المشكلات، في حين يكتسب الذكاء المتبلور من خلال التجارب السابقة.
ويصل الذكاء السائل إلى ذروته عادة في العشرينيات من العمر، فيما يميل الذكاء المتبلور إلى الزيادة مع التقدم في السن واكتساب المزيد من الخبرة.
وقال جينياك: "عندما نحتاج إلى الخبرة والمعرفة وليس التفكير السريع، ينبغي أن نقيم الأفراد على أساس قدراتهم وسماتهم المعرفية الـ16 التي تطرقت لها الدراسة، وليس بناءًا على العمر".
* لماذا يختلف عمر الشيخوخة من شخص لآخر؟
عند النظر إلى الكثير من النماذج من حولنا، سنجد أن البعض تبدأ صحته في التدهور والمعاناة من الشيخوخة في همر الـ60، فيما قد نجد البعض الآخر قد يصل إلى عمر الـ80 ويتمتع بصحة جيدة وجسم رياضي رشيق، وهو ما يؤكد أن الشيخوخة لا تأتي في عمر واحد عند جميع الأشخاص.
وكشفت دراسة بريطانية أجريت عام 2024، عن سبب تركيز حوالي 3000 بروتين في بلازما الدم لنحو 5000 بريطاني تتراوح أعمارهم بين 45 و82 عامًا، بأن 13 بروتينًا مرتبطًا بشيخوخة الدماغ تصل إلى ذروتها في 3 مراحل عمرية، وهي 57 و70 و78 عامًا، وقد يساعد التدخل الطبي في هذه المراحل في الحفاظ على صحة الدماغ لفترة أطول.