رواية قنبلة للاستخدام الشخصي.. عن تحول القضية الفلسطينية إلى نبض إنساني مشترك - بوابة الشروق
السبت 26 أبريل 2025 12:43 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

رواية قنبلة للاستخدام الشخصي.. عن تحول القضية الفلسطينية إلى نبض إنساني مشترك

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 25 أبريل 2025 - 6:31 م | آخر تحديث: الجمعة 25 أبريل 2025 - 6:31 م

ميرنا المهدى تعتمد على إيقاع سريع وشخصيات متقنة تنتصر لحق أصحاب الأرض

 

رواية تبتعد عن النمطية، مع حبكة مغايرة وشحنة وجدانية، تناقش أبعادا متعلقة بالقضية المركزية للعرب «فلسطين»، وتفضح جرائم المحتل، هى «قنبلة للاستخدام الشخصى»، للكاتبة ميرنا المهدى، وتقدم سردًا مختلفًا يحمل فى طياته رؤية فنية جديدة ونبرة صادقة. الرواية لا تعيد فقط تسليط الضوء على نكبة 1948، بل تُعيد تفكيكها من زاوية مغايرة، تدمج الخاص بالعام، والذاتى بالوطنى، لتكشف الستار عن ممارسات الاحتلال التى غالبًا ما تُغلف بالصمت أو تُغرق فى العموميات، بأسلوب غير مألوف، تسائل الرواية التاريخ، وتدعو قارئها لإعادة النظر فى روايات «المنتصر»، وتُضىء على أبعاد مظلمة فى حرب الجواسيس والمذابح والمقاومة.
ما يميز النص أن كاتبته اختارت أن تسير عكس التيار، فابتعدت عن الأسلوب الروائى الكلاسيكى المتأنّى، وفضّلت بنية سردية أقرب إلى السيناريو السينمائى المتحمور حول الجاسوسية ، بتقطيع سريع للمشاهد، وانتقالات حادة ومباشرة. الإيقاع لا يهدأ، واللغة تحتفظ بقوتها دون أن تفقد سلاستها، بما يجعل النص متاحًا لشريحة عمرية أوسع، خصوصًا اليافعين، دون أن يُفرّط فى عمقه أو يسقط فى التبسيط الساذج. هذا التوازن بين التكثيف والوضوح، وبين الإحساس والتوثيق، يجعل من الرواية عملًا متفردًا، يتجاوز حدود الأدب ليصبح أداة للمعرفة والوعى والطرح الجاد.
رواية ميرنا المهدى ليست نصًا تقليديًا يُروى على مهل أو يُستساغ عبر مشاهد وجدانية مطوّلة، بل هى سرد مكثف أشبه بكتابة سينمائية شديدة التكثيف والسرعة، كل مشهد فيها ينبض بالحركة، كأنك تتابع مشاهد فيلم مشوّق لا يمنحك فرصة لالتقاط أنفاسك. اللغة قوية ومباشرة، دون أن تقع فى فخ التصنع أو المبالغة، وهو ما يجعل النص قريبًا من القارئ، خاصة القارئ اليافع، الذى غالبًا ما ينفر من التعقيد اللغوى أو الإسهاب الإنشائى.
الرواية تتعامل مع نكبة 1948، ولكن المثير للدهشة أن بداية الحكاية ونهايتها تأتيان بصوت لا يمتّ للعروبة بصلة، بل إنه صوت ينتمى لجنسية أخرى، وربما كان هذا ما أضفى على السرد بعدًا إنسانيًا شاملًا، يتجاوز الأطر الإقليمية والدينية التى غالبًا ما تُختزل فيها القضية الفلسطينية، إن هذا المنظور المختلف لا يضعف حضور المأساة، بل على العكس، يعيد تقديمها بزاوية نظر غير مألوفة، تمنح القارئ فرصة لرؤية المسألة الفلسطينية من موقع المحايد المتعاطف، لا المتورط أو المتهم.
والمفاجأة أن الساردة تنتمى للأرمن، لتُدخل الرواية تلقائيًا فى مقارنة غير مباشرة بين جراح الأرمن التى لا تزال تنزف حتى اليوم، ومآسى الفلسطينيين الممتدة عبر عقود. هذه الموازاة لم تأتِ ادعاءً أو تعسفًا، بل كانت مدخلاً ذكيًا لربط قضايا الإبادة والتشريد بين شعبين يختلفان جغرافيًا وتاريخيًا، لكن يتقاطعان فى تفاصيل الألم والاقتلاع والضياع.
وعلى الرغم من أن الرواية تمثل محاولة سردية لإعادة توثيق الجرائم التى ارتكبتها الميليشيات الصهيونية عام النكبة، فإنها لا تأتى فى شكل تقرير أو سجل تاريخى مباشر، بل تأخذ هيئة قصة تجسسية مثيرة، تشدّ القارئ بخيوطها البوليسية إلى قلب شبكات التجسس التى أرست لاحقًا دعائم جهاز الموساد الإسرائيلى، هذه الحبكة البوليسية، بما تحمله من توتر وتشويق، كانت الوعاء المثالى لتمرير كم هائل من المعلومات التاريخية دون أن يشعر القارئ بالملل أو التلقين.
أما الشخصيات، فهى ليست مجرد أدوات للحبكة أو رموز نمطية تُستخدم لتمرير الأفكار، بل هى أرواح نابضة بالتفاصيل، مرسومة بعناية بالغة. كل شخصية تحمل حكاية مكتملة، مشحونة بالضعف الإنساني، والأمل، والخيبة، والتوق للحياة. بعضها يربكك بتناقضاته، وبعضها يُحطمك بانكساراته، لكنها جميعًا تفرض وجودها فى ذاكرتك بعد إغلاق الكتاب.
وتكمن جرأة الكاتبة فى تقديم عمل بهذه الحساسية دون أن تغرق فى تنظير تاريخى أو تعقيد سياسى، بل اختارت أن تسرد كل شىء ببساطة مدروسة، تحترم وعى القارئ الشاب دون أن تستهين به، هذا التوازن الدقيق بين التبسيط والعمق هو أحد أعظم إنجازات الرواية. فبينما تتحرك الحكاية عبر محطات متعددة – من يافا إلى حيفا، ومن عكا إلى قرى فلسطينية أُبيدت عن بكرة أبيها – لا يشعر القارئ أن ثمة استسهالًا أو اختزالًا لما حدث.
والأكثر بروزًا أن الرواية تخلع عن الفلسطينيين الصورة النمطية المكررة عن شعب مستسلم أو عاجز. فهى تؤكد فى كل مشهد، وفى كل قرار تتخذه الشخصيات، أن الأرض لم تُسلّم طواعية، وأن المقاومة لم تكن وهمًا، بل حقيقة واقعة، حتى وإن تعرضت لانتكاسات مؤقتة، فالرواية تُفكك الكذبة المتكررة بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم، وتعيد سرد الوقائع بلغة قادرة على الوصول إلى وجدان القارئ الصغير قبل الكبير.
وربما ما يجعل النص مؤثرًا بهذا الشكل هو قدرته على خلق حالة شعورية متكاملة: مزيج من الألم العميق، والحزن النبيل، والغضب النقى، يرافقه لحظات من الأمل والانتصار والارتباك والتساؤل. هو كتاب يدفعك للبكاء، ثم يعيد لك شيئًا من الرجاء. يشدك إلى الوراء لتفهم الماضى، ثم يدفعك إلى الأمام لتعيد التفكير فى الحاضر.
«قنبلة للاستخدام الشخصى» ليست مجرد رواية، بل هى شحنة وجدانية مشتعلة، صيغت ببراعة فنية عالية، لتمنح القضية الفلسطينية وجهًا جديدًا، وصوتًا أوسع، وساحة تعاطف لا تقتصر على أصحاب اللغة أو الدين، بل تمتد لتشمل الإنسانية كلها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك