ضحية تشابه أسماء.. 15 يوما «كعب داير» لمواطن بعد وقوعه في كمين الشرطة - بوابة الشروق
الخميس 27 فبراير 2025 3:03 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ضحية تشابه أسماء.. 15 يوما «كعب داير» لمواطن بعد وقوعه في كمين الشرطة

محمد جمعة
نشر في: الخميس 27 فبراير 2025 - 11:04 ص | آخر تحديث: الخميس 27 فبراير 2025 - 11:04 ص

• حكم جنائي يصدر ضد متهم باسمه الثلاثي فقط في قضية خطف.. وكمين للشرطة يقبض على مواطن يحمل الاسم نفسه

• الأسرة تبحث عن دليل البراءة في شوارع حلوان.. المقبوض عليه يخرج من "الزنزانة".. ولا يزال البحث مستمرًا عن صاحب الاسم المدون في كمبيوتر الداخلية

• قرارات إدارية وتعديلات تشريعية جديدة تمنع تحريك القضايا ضد المتهمين دون بيانات كاملة

 

في طريقه من مسقط رأسه بأسيوط إلى مسكنه بالقاهرة ازدحم الطريق فجأة، فيُحدث محمود أسرته بأنها "أمور اعتدنا عليها، فربما حادث على الطريق أو كمين للشرطة"، ومع اقتراب السيارة صدق التوقع الثاني للرجل، فقد أوقف الضابط سيارته لطلب الرخصة ثم البطاقة الشخصية مقررًا الكشف عليها في "كمبيوتر الداخلية".

بعد دقائق فوجئ محمود بعودة ضابط الشرطة إليه يطالبه بالنزول من السيارة، فقد تبين من الكشف على البطاقة صدور حكم قضائي ضده. يتساءل الرجل "كيف ذلك؟.. أكيد مش أنا، أرجو أن تتأكدوا جيدًا".

واقعة أيقظت الأزمة الأمنية والقانونية لتشابه الأسماء، إذ لا يخلو يومًا تقريبًا من وقوع ضحية جديدة في كمائن الشرطة، فهو إرث قديم لا تزال آثاره باقية رغم محاولات التصدي التي بدأت منذ سنوات بالتشديد على تضمين الرقم القومي في بيانات المتهمين، بما يمنع القبض على أبرياء بسبب تشابه الأسماء.

أوقعت هذه الأزمة "محمود" صاحب الـ 47 عامًا ضحية في دائرة "الكعب الداير" بين أقسام الشرطة وتحريات المباحث وتحقيقات النيابة، لأكثر من أسبوعين. ورغم انتهاء أزمته، لا يزال البحث الأمني والقضائي على صاحب "الاسم الثلاثي" مستمرًا، وربما سيقع أحد من يحمله في كمين آخر قريبًا.

- حكم قضائي ضد "اسم ثلاثي"

قبل 5 سنوات من مرور عبد الحليم على كمين الشرطة، صدر حكم غيابي بالسجن 5 سنوات ضد ثلاثة أشخاص والحبس عامين مع الشغل لمتهم رابع، بتهمة اختطاف مواطن وتعذيبه في حلوان في عام 2019.

جاءت بيانات ثلاثة متهمين واضحة في تحقيقات النيابة، تضمنت "اسم رباعي، ورقم قومي، وعنوان المسكن"، وذلك بعد القبض عليهم في محل الواقعة وخضوعهم للتحقيق أمام النيابة، قبل إخلاء سبيلهم وإحالتهم لمحكمة الجنايات.

غير أن المتهم الرابع ذكرت تحقيقات النيابة اسمه الثلاثي فقط "محمود محمد عبد الحليم"، وكتبت أمامه "لا يحمل بطاقة رقم قومي وهارب"، وأحيل "الاسم" للمحاكمة على تلك الحالة، فيما أشارت حيثيات الحكم إلى أنه جرى إعلان المتهمين بأمر الإحالة وورقة التكليف بحضور الجلسة.

- كعب داير على الأقسام والقضايا

بالعودة إلى كمين الشرطة في فبراير 2025، اقتاد رجال الأمن "محمود" إلى داخل سيارتهم لاصطحابه إلى القسم، تاركًا أسرته في الشارع مهرولة خلفه على أمل كشف سريع للحقيقة.

أُقتيد محمود إلى أحد أقسام الشرطة في بني سويف، لتبدأ رحلة الاستجواب والتحري والمبيت في "الزنزانة"، وبعد بضعة أيام قرر الأمن ترحيله إلى الجيزة ثم إلى حلوان -التي هي بالفعل مكان إقامته- ليس للإفراج عنه ولكن لعرضه على النيابة.

منذ حبسه في "الزنزانة" لجأ محمود إلى رئيسه في العمل هشام النجار، صاحب شركة استيراد وتصدير، بهدف نجدته، محاولات كثيرة لـ"النجار" لم تنه الأزمة، حتى عُرض "محمود" على نيابة حلوان، وبتأكيده أنه ليس الشخص المقصود، طلبت النيابة تحريات المباحث.

تمر الأيام دون الوصول إلى أي دليل يبرئ "محمود"، لكن بحديث "النجار" مع رجال المباحث، طُلب منه البحث عن المجني عليه في قضية الخطف والتعذيب، كونه الشخص الوحيد الذي يستطيع إنقاذه.

- رحلة بحث عن مجني عليه في قضية خطف

يروي النجار لـ"الشروق" بأنه تمكن من الحصول على أوراق قضية الخطف التي قُبض على "محمود" بسببها، وتوصل إلى منطقة إقامة المجني عليه، لكن الأمر لم يكن سهلًا على الإطلاق، فالاسم الحقيقي للمجني عليه المدون في أوراق القضية، كان مغايرا لاسم شهرته بالمنطقة.

قبل أن يتسلل اليأس إلى النجار، قرر إعادة البحث بشكل أعمق في أوراق القضية حتى توصل إلى اسم والدة المجني عليه التي تقدمت للشرطة ببلاغ اختفاء نجلها، وصارت شاهدة في القضية.

خيوط الحقيقة بدأت تتكشف مع توصل النجار أخيرًا إلى المجني عليه عبر والدته، وذهب بها إلى قسم الشرطة في حلوان حتى يبرئ "محمود"، وهو ما حدث بالفعل، إذا أكد للمباحث أنه ليس المتهم المقصود في القضية.

أعدت المباحث تقريرًا بالتحريات وقدمته إلى النيابة العامة، التي منحت "محمود" حريته أخيرًا بعدما تأكد للجميع أنه ليس هو الشخص المدان.

- قضية ثانية من 2009

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أخبر رجال المباحث "محمود" بأن هناك قضية تزوير أخرى تعود لعام 2009 باسم محمود محمد عبد الحليم، يجب أن يُثبت فيها أيضا بأنه ليس هو المحكوم عليه.

هذه المرة يبدو تكرار البحث عن الحقيقة أمرًا مستحيلًا، وصار الحل الأقرب هو تقديم محمود للنيابة، لتباشر إجراءاتها في إصدار حكم بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، فقد مر على الواقعة نحو 15 عامًا.

يقول النجار: "لم تمر دقائق معدودة من انتهاء كابوس قضية الخطف، حتى ظهرت قضية أخرى، لا يرى فيها الموظفون سبيلًا للحقيقة بعد دشت أوراقها، ولا مفر من صدور حكم بالتقادم حتى يعود محمود لمنزله".

رضي محمود مضطرًا بعرضه على النيابة في قضية التزوير، لتقرر إخلاء سبيله على اعتبار أنه متهم بالفعل وينتظر حكما بانقضاء الدعوى.

بعد تجربة مريرة نالت من نظرته للعدالة أُفرج عن محمود. فيقول النجار: "وسط أسرته يحاول محمود استعادة ما فقده من ثقة، ورفع الأذى النفسي الذي تعرض له، وقد يلاحقه هذا الأذى بتدوين حكم -وإن كانت عقوبته قد انتهت بالتقادم- إلا أنه سيحمل بالفعل اسم محمود دون وجه حق".

بعد 15 يومًا من القبض عليه، عاد محمود ضحية هذه القصة إلى بيته ووسط أسرته، لكن لا يزال البحث مستمرًا عن "محمود محمد عبد الحليم" الاسم المدون على "كمبيوتر الداخلية" في قضية الخطب والتعذيب التي تحمل رقم 12011 لسنة 2019 جنايات حلوان.


- محاولات التصدي لظاهرة تشابه الأسماء

تطبق النيابة العامة ووزارة الداخلية منذ سنوات نظامًا إلكترونيًا لتنفيذ الأحكام والمتطلبات الجنائية، في إطار التحول الرقمي الذي تسعى إليه الدولة في كل هيئاتها.

وفي ديسمبر 2019، بعد شهور قليلة من الإجراءات الأمنية والقضائية في واقعة الخطف، صدر عن النيابة العامة قرار إداري يشدد على ضرورة مراجعة المحاضر الواردة من أقسام الشرطة بشأن استيفاء بيانات المتهمين، لتتضمن الاسم الرباعي، ومحل الإقامة، والرقم القومي.

استهدف القرار منع إصدار أحكام قضائية يستحيل تنفيذها، ويترتب عليها القبض على أشخاص آخرين ليس لهم صلة بالجرائم المرتكبة سوى التشابه في الاسم، بحسب ما ورد في قرار المحامي العام الأول لنيابات جنوب الجيزة آنذاك.


- الرقم القومي للمتهم في قانون الإجراءات الجنائية

وفي إجراء سيترتب عليه إحكام الإجراءات القانونية بشأن القضاء على أزمة تشابه الأسماء، يتضمن مشروع قانون الإجراءات الجديد نصًا بشأن تدوين جميع بيانات المتهم في الأوراق، وهو المشروع الذي وافق مجلس النواب قبل 3 أيام على مجموع مواده.

وتنص المادة 107 من مشروع القانون على أنه "يجب أن يشمل كل أمر على اسم المتهم ولقبه ومهنته ومحل إقامته ورقمه القومي أو رقم وثيقة سفره وموطنه إذا كان أجنبيًا، والتهمة المنسوبة إليه..".

ستضمن التعديلات التشريعية الجديدة عدم جواز إحالة أي متهم للمحاكمة أو صدور أحكام قضائية ضد مواطن بدون تدوين بياناته كاملة، لكن تبقى الأزمة باقية لما هو موجود بالفعل من أوامر وأحكام مُسجلة بالفعل على النظام الإلكتروني للنيابة للعامة ووزارة الداخلية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك