يعيش سكان قطاع غزة كارثة صحية شاملة وغير مسبوقة، مع دخول الحرب شهرها العاشر، في ظل انهيار شبه كامل للمنظومة الطبية، وغياب الوقود، ونقص حاد في الإمدادات، ومنع دخول المساعدات. تكشف التقارير المحلية والدولية عن وضع إنساني متدهور، تهدد فيه المجاعة، والأوبئة، وانعدام الرعاية الطبية حياة الآلاف، بينهم أطفال ونساء ومرضى وذوو إعاقة.
94% من البنية الصحية مدمرة.. ونصف المستشفيات توقفت عن العمل
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 94% من البنية التحتية الصحية في غزة تضررت بشكل كبير نتيجة القصف الإسرائيلي المستمر، فيما توقف أكثر من نصف المستشفيات عن العمل بالكامل. وأشارت المنظمة إلى أن آخر شحنة طبية سُمح لها بالدخول كانت في 24 يوليو، وهي الأولى منذ فرض الحصار الكامل في مارس الماضي، ما جعل تقديم الرعاية الصحية شبه مستحيل، في ظل تزايد الإصابات وتفاقم الأزمة الإنسانية.
1500 مواطن فقدوا بصرهم ومخاوف من شلل الخدمات الجراحية
ذكرت مصادر طبية أن القطاع الصحي يشهد عجزًا خطيرًا في المستهلكات والأجهزة الخاصة بجراحات العيون. فقد 1500 مواطن بصرهم بسبب القصف وانعدام العلاج، فيما يُقدَّر عدد المعرضين لفقدانه بين 5000 - 6000 شخص. ويعاني مستشفى العيون في غزة من نقص حاد، إذ لا يمتلك سوى 3 مقصات جراحية مستهلكة تُستخدم مرارًا، وسط تحذيرات من توقف كافة العمليات الجراحية ما لم يتم التدخل العاجل.
شلل شبه كامل في الخدمات وأوبئة قاتلة في بيئة ملوثة
حذرت منظمة أوكسفام من ارتفاع خطير في الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل اليرقان الحاد، الإسهال الدموي، والإسهال المائي، بنسب وصلت إلى 302% خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ومع انهيار منظومة الصرف الصحي وتراكم النفايات، وحرمان السكان من المياه النظيفة، يعيش معظم سكان غزة على أقل من 15 لترًا من المياه يوميًا، وهو أقل من الحد الأدنى لمعايير الطوارئ.
وبحسب أوتشا، فإن 80% من منشآت المياه والصرف الصحي أصبحت داخل مناطق غير آمنة، وتشمل 97 محطة تحلية، و302 بئر مياه، و58 محطة ضخ، ما أدى إلى شلل شبه كامل في هذه الخدمات.
وفيات بين مرضى الكلى بعد توقف مراكز الغسل
تؤكد المصادر الطبية أن 41% من مرضى الفشل الكلوي توفوا منذ بداية الحرب، بسبب توقف جلسات الغسيل الكلوي. وأدى تدمير مركز نورة الكعبي شمال غزة، وهو أحد المراكز الحيوية، إلى تعقيد أوضاع مئات المرضى، وسط غياب البدائل. فيما أعلن مجمع الشفاء الطبي توقف غسيل الكلى بالكامل، مع بقاء أقسام محدودة فقط تعمل بالكاد.
النساء الحوامل والمرضعات: بين المجاعة والموت الصامت
تشير بيانات وزارة الصحة في غزة إلى أن 100,000 امرأة حامل ومرضع يعانين من المجاعة وسوء التغذية. وأدى غياب الرعاية الصحية إلى تسجيل 1,556 ولادة مبكرة و3,000 حالة إجهاض أو وفاة جنين داخل الرحم خلال 6 أشهر فقط. وقد وثقت أطباء بلا حدود تقديم العلاج لأكثر من 1,200 حالة تعاني من سوء تغذية حاد ومتوسط، في بيئة تفتقر للكهرباء، النظافة، والرعاية الأساسية.
الإعاقة في غزة: أرقام من قلب الألم
في واحدة من أكثر جوانب الكارثة قسوة، تشير التقارير إلى وجود 90,000 شخص من ذوي الإعاقة، بينهم 58,000 قبل الحرب، 47% منهم من ذوي الإعاقة الحركية، إضافة إلى 32,000 إصابة جديدة بالإعاقة، معظمها بسبب بتر الأطراف، حيث يفقد نحو 10 أطفال أحد أطرافهم السفلية أو كليهما نتيجة للقصف بشكل يومي. وتشير البيانات إلى أن واحدًا من كل أربعة جرحى يعاني من إعاقة دائمة، ما ينذر بكارثة ممتدة لأجيال.
ذوو الإعاقة وكبار السن: عزلة تامة وموت بطيء
بحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80% من الأشخاص ذوي الإعاقة فقدوا احتياجاتهم الأساسية من الكراسي المتحركة، أجهزة السمع، والمشايات، ما جعلهم محاصرين في منازلهم أو تحت الأنقاض، دون قدرة على الحركة أو الوصول إلى المساعدات. ويعاني كبار السن من العزلة والجوع ونقص العلاج، في ظل استهداف المرافق الصحية ومنع دخول الوقود.
استهداف متعمد للبنية التحتية.. الوقود ممنوع والموت مستمر
أفاد مركز الميزان لحقوق الإنسان بأن الاحتلال يستهدف بشكل منهجي البنية التحتية، بما يشمل المستشفيات، محطات المياه، مركبات جمع النفايات، ويمنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المرافق. وقد حذر مجمع ناصر الطبي من قرب وقوع كارثة إنسانية، خاصة لمرضى العناية المركزة والتنفس الصناعي.