لسنوات طوال لم يكن الاهتمام الرسمى بقمة الأطراف ومؤتمراتها المنعقدة لبحث أزمة تغير المناخ يعكس الثقل الحقيقى لدولة مصر. كنت شاهد عيان على ضعف التمثيل الرسمى فى مؤتمرات COP21 وحتى COP24 وذلك على الرغم من الزخم التاريخى الذى أطلقه اتفاق باريس، الذى تم إقراره والتوقيع عليه من قبل 194 دولة فى اختتام قمة المناخ 2015 (COP21). ولا أقصد بالتمثيل الرسمى حضور شخصيات بعينها، بقدر ما أقصد المساهمة الفاعلة فى صياغة المنتج الفكرى والعلمى لأعمال تلك المؤتمرات.
وإذا كانت قضية تغير المناخ قد التفت إليها العلماء منذ خمسينيات القرن الماضى، فإن التدشين الفعلى للخطوات الجادة للتعامل مع الأزمة قد بدأ متأخرا مع بداية تسعينيات القرن ذاته، وتحديدا فى عام 1992 الذى شهد فعاليات قمة الأرض فى ريو دى جانيرو بالبرازيل بتمثيل 170 حكومة وحضور 116 رأس دولة. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت قضية تغير المناخ ضيفا هاما ــ وإن كان ثقيلا ــ على مؤتمرات دولية، تعقد بشكل دورى وعلى أعلى المستويات بين الأطراف الفاعلة، بهدف إنقاذ الأرض من تداعيات تغير المناخ، والحد من الانبعاثات الكربونية المهلكة.
ولما كان الإعداد لمؤتمر COP22 بمراكش فى المملكة المغربية عام 2016 قد اتسم بجدية بالغة، خاصة فى مجال تمويل مستهدفات اتفاق باريس، وتحديدا هدف الحد من زيادة درجة الحرارة العالمية فى هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعى إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة. فقد كان على مؤتمر مراكش العناية بالبحث فى آليات تعبئة واستغلال 100 مليار دولار، هى إجمالى الالتزام السنوى للدول الموقعة لتخصيصه لتحقيق أهداف التحكم فى الانبعاثات الكربونية، وتمويل متطلبات التنمية المستدامة. وقد كنت أمثل سوق المال المصرية ومجموعة عمل التنمية المستدامة بالاتحاد العالمى للبورصات (كنائب رئيس لتلك المجموعة) فى ورش عمل خاصة استضافها المغرب الشقيق، قبل شهور من إطلاق قمة مؤتمر الأطراف بمراكش. وقد ضمت تلك الورش ممثلى أسواق المال والمصرفيين وممثلى مؤسسات التمويل من عدد من الدول الملتزمة باتفاق باريس، وقد أسفرت تلك الورش عن منتج قيم هو ثمرة جهد جمعى لنخبة من المتخصصين فى مجالات التمويل.
هنا تجدر الإشارة إلى أن حضورى لتلك الورش كان بدعوة كريمة من رئيس بورصة الدار البيضاء، ولم تعن البورصة المصرية بتغطية تكاليف المشاركة، وهو ما يعطى للقارئ الكريم لمحة عن عدم الاكتراث بتلك الجهود، بل وعزز من ذلك لاحقا اقتصار تمثيل البورصة المصرية فى أعمال القمة ذاتها على شخصى والذى لم يكن يتجاوز حينها منصب مدير عام إدارة المخاطر! وكان لى شرف التوقيع على التزام البورصة المصرية بمتطلبات اتفاق باريس، والذى لم تكتمل صياغته إلا فى ختام مؤتمر مراكش.
•••
من واقع تلك التجربة فقد استقر فى يقينى أن المخرَج الإعلامى لفاعليات هذا النوع من المؤتمرات لا قيمة له إن لم يكن قد سبق إنضاجه على موقد المختصين، واحتمل عصارة عقل جمعى لنخب من المفكرين وأهل الصناعة. وفى إطار استضافة جمهورية مصر العربية لقمة مؤتمر الأطراف COP27 المقرر انعقادها فى مدينة شرم الشيخ عام 2022، وفى سياق توجهات الاستراتيجية الوطنية المصرية لمواجهة التغيرات المناخية حتى عام 2050، فإنه يتعين على مراكز وبنوك الأفكار فى عموم الجمهورية أن تنشط خلال الفترة القادمة لتكوين فرق عمل، تعنى فى الأساس بإعداد المنتج العلمى للمؤتمر، بداية من مراجعة ما تحقق من أهداف المؤتمرات السابقة، وانتهاء بما يمكن اعتباره مسودة مبدأية لمخرجات مؤتمر شرم الشيخ المزمع استضافته العام القادم بإذن الله.
وإذا أمكن اعتبار مجموعات عمل التمويل نموذجا يصلح للتعميم على مجموعات ذات أغراض أخرى، فإن تشكيل مجموعات التمويل من أجل الاستدامة يجب أن يضم عددا من المختصين فى مجالات الاقتصاد الأخضر والتمويل وسوق المال والمصارف، تصبح معه تلك المجموعات نواة تهدف إلى وضع إطار عام لأدوات وأهداف وآليات التمويل المختلفة، التى يمكن طرحها فى جدول أعمال مؤتمر شرم الشيخ COP27. وتعد مراكز الدراسات التابعة لعدد من المؤسسات العريقة والجامعات المرشح الأول لتولى تلك المسئولية، باعتبارها منصات فكرية رائدة، تعكس نبض مجتمع المال والأعمال وتطلعات الشارع المصرى والعربى لمستقبل آمن مستدام.
ولما كانت مجموعات العمل المتخصصة يتم تشكيلها استباقا لعقد مؤتمرات الأطراف السابقة، وكانت بمثابة بنوك أفكار ومصانع فنية وعملية للمحتوى الذى يتم مناقشته فى فعاليات القمة المختلفة، وقد صدر عن مجموعات أسواق المال العديد من المنتجات المالية فى قمم أطراف COP21 إلى COP26 كما تم مراجعة الأهداف والتعهدات المحددة فى القمم السابقة، ومدى ما تحقق منها من خلال ذات المجموعات، ففى السطور التالية أعرض تصورا للأهداف الحاكمة لتلك المجموعات، والمنهجية التى يمكن أن تستعين بها مراكز الأفكار لدى تشكيل وإدارة هذا النوع من الجهود.
•••
بالنسبة للأهداف العامة لمجموعة عمل التمويل من أجل الاستدامة COP27، يمكن اختصارها فى النقاط التالية:
1. دراسة أهم بدائل التمويل المستدام (الأخضر والأزرق) وكيفية استحداثها وتنظيمها وطرحها للاستثمار مع التركيز على أكثر المنتجات المالية نشاطا وتحقيقا لأهداف الانبعاثات الكربونية الصافية الصفرية net zero emissions. وذلك لمناقشتها فى ورش عمل ومؤتمرات واجتماعات سابقة على انعقاد القمة، ثم عرضها فى فعاليات القمة.
2. إعداد أدلة العمل الاسترشادية المتعلقة بإصدار وتداول المنتجات المالية المختارة (المشار إليها فى النقطة السابقة)، وذلك فى إطار من التنسيق مع مؤسسات تنظيم أسواق المال والنقد بالدول الممثلة فى مجموعة العمل. على أن تطرح تلك الأدلة على المختصين المشاركين فى أعمال القمة.
3. إدارة نقاش دولى متعدد الأطراف للوقوف على أهم التجارب الدولية فى مجال التمويل المستدام خلال السنوات الخمس الماضية، وإعداد دراسة مجمعة لأبرز تلك التجارب بمشاركة فعالة من أعضاء المجموعة فى مصر والعالم.
4. المشاركة فى وضع أهداف مالية كمية وقابلة للقياس يمكن إطلاقها فى قمة الأطراف القادمة مع وضع مؤشرات القياس اللازمة للتحقق من إنجازها.
5. دراسة وتحليل ما تم التعهد به فى مجال التمويل المستدام فى قمة الأطراف COP26 ومقارنته بالأداء الفعلى للأسواق، بغرض الوقوف على أهم المعوقات.
6. إصدار تحليل شامل لعناصر القوة والضعف والفرص والتحديات SWOT Analysis لمجالات التمويل المستدام فى مصر، والحرص على اتساع دائرة التحليل لتشمل جميع الدول الممثلة فى مجموعة العمل.
7. الإعداد لورشة عمل التمويل المستدام على هامش فعاليا قمة الأطراف COP27 لتكون من تنظيم مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
وفى سبيل تحقيق تلك الأهداف بكفاءة وفاعلية هناك العديد من المتطلبات اللازم توافرها لمجموعات العمل أبرزها:
1. التواصل الفعال مع مراكز الأفكار والمؤسسات المالية وبنوك الاستثمار ومختلف الجهات المعنية بالتمويل المستدام داخل وخارج مصر
2. توسيع قاعدة المشاركة فى مجموعة عمل التمويل المستدام لتشمل ثلاثة أقسام أساسية وهى:
• الهيئة التنسيقية لمجموعة العمل: وتضم عددا محدودا من الأعضاء المؤسسين المنوط بهم إقرار النظام العام وشئون العضوية لمجموعة العمل وإدارة وإقرار منتجها الفكرى وفتح قنوات الاتصال بمختلف الأطراف المعنية بمجال عمل المجموعة.
• أعضاء منتسبون إلى مجموعة العمل: وهؤلاء يتم ترشيحهم واختيارهم بعناية من قبل الهيئة التنسيقية لتمثيل مختلف الجهات والدول الأطراف المشاركة فى COP27.
• الأمانة الفنية: وتلك يتم تشكيلها بمعرفة مراكز وبنوك الأفكار لتقديم الدعم الفنى واللوجيستى المطلوب لمجموعات العمل بصفة عامة، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها.
3. استمرار مجموعة عمل التمويل ككيان قائم بغرض الإعداد والتمهيد لقمة المناخ COP27 وذلك حتى تاريخ انعقاد القمة، مع تحويلها إلى كيان تطوعى أكثر استدامة بعد تقييم أدائها عن الفترة الممتدة من تاريخ التدشين وحتى نهاية انعقاد فعاليات القمة المشار إليها.
•••
فإذا ما حل موعد المؤتمر تكون مدينة شرم الشيخ على موعد مع نقاشات جادة حول منتج فكرى وعملى ضخم تم التمهيد له طيلة شهور قبل انعقاد المؤتمر، ويكون النجاح حليفا لجهود مصر فى استضافة هذا الحدث العالمى الهام، وتكليلا للمساهمة الجادة التى كان الرئيس السيسى حريصا عليها فى مؤتمر جلاسجو COP26.