أهمية الجوانب التنظيمية فى مؤتمرات الشباب - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 1:45 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أهمية الجوانب التنظيمية فى مؤتمرات الشباب

نشر فى : الإثنين 7 نوفمبر 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 7 نوفمبر 2016 - 10:30 م
لم يكد هاتفى يتوقف ساعة واحدة عن استقبال اتصال أو اثنين من برامج تليفزيونية ونشرات أخبار لاستطلاع رأيى بخصوص مؤتمر شرم الشيخ للشباب الذى عقد منذ أيام. حقيقة لم أكن أملك الكثير من المعلومات بخصوص المؤتمر، ولم أستجب لطلب بعض معدى النشرات للحديث بصفة عامة عن «أهمية» الخطوة! لكننى استجبت بعد إلحاح لاتصال واحد للتعقيب على بعض الجوانب الاقتصادية التى تناولتها إحدى جلسات المؤتمر.
السبب فى عزوفى عن التفاعل مع الحدث بشكل مناسب هو الآلية التى تم بها «حشد» المشاركين ولا أقول دعوتهم، مع إيمانى الكامل بأن نجاح أى مؤتمر يبدأ بالإعداد الجيد لآليات الدعوة للحضور والمشاركة فى الفعاليات، وبتوافر معايير شفافة وموضوعية لتوجيه الدعوات أو تلقى طلبات المشاركة.

بالطبع أرحب بكل دعوة هدفها إدماج الشباب فى العمل العام، والمشاركة الفعالة فى بحث أزمات الوطن والمواطن وكيفية الخروج منها وإدارتها، لكن بعض الدعوات قد تحمل شبهة الرغبة فى السيطرة على الشباب واحتوائهم فى حظائر فكرية، والبعض الآخر يعمل على إقصاء غالبية الشباب بدلا من إدماج بعضهم، نظرا لعدم عدالة فرص المشاركة. كذلك أرحب بأى دعوة تعظم من قيمة التنوع وتغتنم فرص الاختلاف، لكن بعض الدعوات تحرص على حصر المشاركة فى طيف واحد وفكر واحد ورأى واحد فلا تكون ثمة أهمية للحوار!
شخصيا شعرت بمعاناة الرئيس وهو يفتش بين أمواج الحضور عن وجه يعرف أن صاحبه يحمل فكرا معارضا للتيار العام حتى يستمع إليه ويناقشه وحسنا فعل، ولمست استمتاعه بخلاف نشب فى جلسة حول الإعلام وصفها البعض بأنها أفضل الجلسات على الإطلاق، فقط لأنها حملت صورة من صور التنوع والاختلاف.. هذه الاستثناءات كنت أؤثر أن تكون القاعدة لهذا الحوار، وكان من الممكن أن تصير كذلك لولا نمطية التعامل مع تنظيم هذا النوع من المؤتمرات منذ ما قبل نشأة التنظيم الطليعى وحتى يومنا هذا. وإذ نبدع فى إهدار الفرص كما تعودنا فلا بأس من التعلم من أخطائنا المتكررة، ربما أمكن تحاشيها فى المرات القادمة.

التنوع هو القيمة الغائبة عن عقلية السيطرة الأمنية، وهو القيمة التى تبنى بها الدول الكبرى بل والإمبراطوريات أيضا. كانت مصر دولة كبرى وأكثر تأثيرا فى محيطها الإقليمى عندما اتسعت أرضها لمختلف الجنسيات، وعندما تقبلت مختلف الأعراق وأصحاب الديانات، ولم تزل أكبر دولة فى العالم وهى الولايات المتحدة الأمريكية تحرص بصفة دورية على منح آلاف البشر حول العالم تأشيرة للهجرة إليها تطلق عليها «تأشيرة التنوع»، وذلك بغرض المحافظة على التنوع العرقى داخل الدولة، والذى يعد إحدى دعائم استمرارها على قمة دول العالم.
●●●
تزامنا مع مؤتمر شرم الشيخ هناك دعوة «مفتوحة» لمؤتمر عالمى للشباب يعقد فى نيودلهى بالهند من 12 إلى 14 نوفمبر القادم تحت عنوان Youth for Sustainable Development أى «شباب من أجل التنمية المستدامة». هذا عنوان يضع المشاركين بالمؤتمر فى مواجهة واشتباك مع القضية الأهم على مستوى العالم والتى اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عنوانا لاجتماعها عام 2015 ووضعت على أثرها أهداف التنمية المستدامة 2030 والتى حددت مصر رؤيتها القومية فى إطارها. مؤتمر نيودلهى أعلنت فيه معايير المشاركة بوضوح، الفئة العمرية المشاركة بين 18 و30 عاما، أن يكون الشباب مؤهلا للمشاركة فى الحوار والنقاش ولديه القدرة على صياغة أفكاره بشكل واضح ومفهوم، أن يعرف اللغة الإنجليزية، وأن يكون مدعوما أو مرشحا من قبل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدنى، مع إعطاء وزن أكبر للشباب المهمش عند تصفية طلبات المشاركة. عملية فرز طلبات المشاركة أيضا تتم بعيدا عن الانحيازات السياسية أو العرقية، ملحوظة: أحد الشباب المدعوين للمشاركة فى مؤتمر شرم الشيخ كتب على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى أنه رفض المشاركة رغم انه تلقى أربع دعوات مختلفة للحضور بسبب صفته الحزبية فى الأساس! فى نهاية مؤتمر دلهى الشباب مطالب بصياغة خطة عمل واضحة للتحرك نحو تحقيق أهداف المؤتمر، مع تخصيص جلسات لمناقشة تلك الخطة وآليات تنفيذها فى الختام.
أستطيع رؤية الفرق بين مؤتمر عالمى وآخر محلى، لكن الرسالة التى يحملها المؤتمران واحدة، تتمثل فى تعظيم الاستفادة من الشباب ودمجهم فى محيطهم الفعال. يجب أن يشارك الشباب فعلا لا قولا ولا دعاية فى رسم خارطة المستقبل، وأن تكون لهم الخيرة من أمرهم. لا أظن ان الرئيس يريد تصنيفا للشباب بين مؤيد على الدوام وآخر معارض منبوذ، أو يكون هناك شعبان، شعب مع وآخر ضد، وإلا ما كان حرصه على البعد عن الانتماءات الحزبية، رغم ما لذلك من أثر سلبى ناتج عن غياب أى ظهير سياسى لقراراته المهمة.
الاقتصاد كان حاضرا بقوة فى مناقشات الشباب بمؤتمر شرم الشيخ، والجلسات التى تناولت مسائل اقتصادية كانت متعددة وثرية بالمتحدثين من أهل التخصص، وكم أتمنى لو خرج المؤتمر بأوراق يتم مناقشتها فى ورش عمل تستمر طوال العام، وفقا لأجندة يقوم على إعدادها ورقابتها لجنة منظمة من الشباب المؤهل للقيادة والتنظيم، بعيدا عن حسابات الولاء.
الدرس الذى تعلمناه من الولاءات التى صنعها الإخوان عبر تاريخ طويل من العمل السياسى والاجتماعى أنها ميزتهم عن الشعب، وعزلتهم عن نسيجه، وجعلت منهم جسما غريبا يسهل لفظه بعيدا عن كرسى الحكم، بل وبعيدا عن الشارع الذى برعوا فى استقطابه لسنوات. هذا الدرس نتعلمه لتجنب التجربة الإخوانية بمختلف تفاصيلها، لا لمحاكاتها بمسميات وصور مختلفة.
كنت قد شاركت من قبل كمتحدث عن سوق المال فى البرنامج الرئاسى لإعداد القادة، وسعدت كثيرا بطبيعة الشباب المشارك وتنوع خلفيات المشاركين وكونت منهم صداقات مشرفة، لكننى سرعان ما أعلنت اعتذارى عن الاستمرار فى البرنامج نظرا لاعتراضى على مسائل تنظيمية، وعدم شعورى بحرص المنظمين على تعظيم الاستفادة من المحاضرين والمتحدثين فى البرنامج.
النواحى التنظيمية غاية فى الأهمية ولا يمكن تجاوزها لصالح النوايا الحسنة أو حتى النوايا المغرضة. التجرد فى التعامل مع أهداف التأهيل والتفاعل والتوعية.. وغيرها من أهداف حيوية يجب أن يكون حاضرا، خاصة إذا اتصل الأمر بجهود مؤسسة مهمة مثل مؤسسة الرئاسة، التى كثيرا ما أثنيت على جهودها لسد فراغ غياب وأحيانا ضعف كثير من المؤسسات الأخرى. تتمتع مؤسسة الرئاسة بموارد كبيرة وبتمكين غير متوافر لجهات ومؤسسات أخرى، هذه أيضا فرصة يمكن اغتنامها إذا ما قامت الجهود المؤسسية على مفهوم الشمول والإحاطة، وعلى عقيدة ملكية الشعب لمؤسساته وحقه فى الانتفاع بخدماتها.
●●●
الشاب المبدع المنطلق يجب أن يتحرر أولا من قيود التبعية بشتى صورها، وألا يدين لأحد بمشاركته فى العمل العام وبرامج الإعداد والتأهيل، لأن تلك المشاركة هى واجب وطنى ودين يقضيه الشاب لبلده، وهى فى المقابل دعامة أساسية لأى نظام حاكم يريد أن ينطلق بشبابه نحو المستقبل.
مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات