يبدو أن غالبية حلفاء الرئيس السورى بشار الأسد قد اتخذوا قرارًا بالتخلى عنه فى أصعب محنة يمر بها، النظام ليس فقط منذ توليه السلطة فى ١٧ يوليو عام ٢٠٠٠، بل منذ تولى والده حافظ الأسد السلطة عام ١٩٧١.
نعلم أنه وبعد أن هدد رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو الرئيس السورى بأنه «يلعب بالنار»، مساء الثلاثاء ٢٦ نوفمبر الماضى، تفاجأ الجميع بالميليشيات والمجموعات السورية المسلحة تهاجم حلب، وتستولى عليها ثم حماة، والآن نحاصر حمص ودرعا، ورأينا أبومحمد الجولانى أو أحمد الشرع زعيم ميليشيا هيئة تحرير الشام يتحدث باعتباره الرئيس السورى المقبل بلا جدال.
ليس مفاجأة أن تكون إسرائيل الأكثر سعادة بما يحدث، فسقوط الأسد ونظامه سيحقق أهدافًا استراتيجية لها.
لكن الأكثر استفادة أيضًا الحكومة التركية الراعى الرئيسى لمعظم الميليشيات والتنظيمات المسلحة والإرهابية، لأن سقوط نظام الأسد يعنى أولًا عودة المهجرين السوريين المقيمين فى تركيا، ويقترب عددم من ٣ ملايين سورى، ما يخفف الضغط على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أمام معارضيه، وينهى تهديد الجماعات الكردية السورية التى تتهمها أنقرة بأنها تدعم حزب العمال الكردستانى.
وليس غريبًا أيضًا أن تدعم الولايات المتحدة هجمات الميليشيات المسلحة.
طبعًا هناك تناقض صارخ بين أقوال وأفعال واشنطن، هى تصنف هيئة تحرير الشام باعتبارها جماعة إرهابية من عام ٢٠١٨، بل رصدت مليون دولار لمن يدلى بمعلومات تقود للقبض على زعيم الحركة أحمد الشرع أو أبومحمد الجولانى، لكن المفارقة أن محطة «سى إن إن» الأمريكية أجرت حوارًا مطولًا مع الجولانى فى حلب، يوم الأربعاء الماضى، قدم فيه نفسه كرجل معتدل جدًا ولم يعد متطرفًا، وأنه يتعهد بسوريا جديدة سوف تحتوى الجميع بمن فيهم المسيحيون.
الإسرائيليون والأمريكيون والأتراك هم الأكثر استفادة من سقوط نظام الأسد، لكن السؤال الذى يشغل كثيرين: هل تخلى الداعمون الأساسيون للأسد عنه؟!
للإجابة عن هذا السؤال ينبغى أن نعود إلى ما قاله هؤلاء الداعمون وسنبدأ بالحكومة العراقية والتى ستكون أحد المتضررين الكبار من سقوط الأسد، وبعد أن راجت أخبار كثيرة عن تحرك قوات من الحشد الشعبى العراقى لدعم الجيش السورى نفت الحكومة ذلك، وقالت إن القوات التى تحركت كانت لتأمين الحدود العراقية مع سوريا وليس لدخولها. أما الأكثر لفتًا للنظر فهو ما أعلنه الزعيم الشيعى المعروف مقتدى الصدر يوم الخميس الماضى، بأنه لا ينبغى أن تتورط الحكومة والقوات العراقية فى أى تدخل فى المعارك الدائرة حاليًا فى سوريا.
الطرف الثانى هو روسيا، التى تتواجد لها قوات فى سوريا منذ عام ٢٠١٥، ولعبت دورًا مهمًا فى منع سقوط نظام الأسد وتوجيه ضربات مؤلمة للميليشيات المسلحة وحصرها فى جيوب قليلة فى إدلب. لكن كان مدهشًا لكثيرين أن رد الفعل الروسى الأساسى كان أن موسكو سوف تقرر موقفها بناء على التقييم الذى ستجربه بل تواترت أنباء عن بدء إخلاء وإجلاء قوات ومواطنين روس من مناطق القتال ونقلهم إلى دمشق واللاذقية.
صحيح أن روسيا تساعد القوات السورية وتشن هجمات جوية على مقاتلى الميليشيات المسلحة، لكن من الواضح إما أن موسكو لديها قناعة بأن سقوط الأسد مؤكد أو أنها تحتاج إلى هذه القوات على الجبهة الأوكرانية.
الطرف الرابع الأساسى هو إيران.
على المستوى اللفظى فإن إيران ما تزال تدعم نظام السد، لكن كان ملفتًا أن وزير خارجيتها عباس عراقجى قال إنه فى حال قدمت دمشق طلبًا رسميًا للتدخل، فسوف تدرس بلاده الطلب. غرابة هذا الأمر أن هناك وجودًا عسكريًا لإيران بالفعل فى سوريا خصوصًا على مستوى الخبراء. وإذا كانت طهران مهتمة فكانت ستفعل مثلما فعلت عام ٢٠١٥، حينما أرسلت قوات ومستشارين وأسلحة إضافة إلى الميليشيات والأذرع الدولية لها فى العديد من دول المنطقة.
نظريًا أيضًا قالت إيران إنها ستقدم المساعدة للجيش السورى، لكن السقوط السريع والسهل للمدن السورية المهمة فى يد الميليشيات يكشف عن أن الدعم الإيرانى والروسى والعراقى غير موجود أو ضعيف جدًا وقبل يومين تحدثت أنباء عن بدء ترحيل الإيرانيين من سوريا أو على الأقل من المناطق الخطوة ونقلهم إلى دمشق أو قرب الحدود السورية.
التطورات الميدانية وثقة الرئيس التركى بقرب سقوط دمشق، وحشد نتنياهو للجيش الإسرائيلى قرب حدود الجولان تحسبًا لسقوط النظام المحتمل، وتصريحات الحكومة العراقية ومقتدى الصدر، وكذلك الموقفان الإيرانى والروسى، كل هذه التطورات تقول بوضوح إن أكبر داعمى الأسد قد تخلوا عنه أو فى طريقهم لذلك، وما لم تحدث معجزة فمن الواضح أن هناك أسرارًا كثيرة سنعرفها إن آجلًا أو عاجلًا عن كيف حدث كل ذلك، وهل تم يأسًا أم باتفاق أم بتواطؤ أم بكل ذلك؟!