ثقافة عامل الشاى - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:27 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثقافة عامل الشاى

نشر فى : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 9 مارس 2015 - 8:30 ص

إذا كان أمر ومصير قاعة المؤتمرات الكبرى فى مدينة نصر، تركناه فى يد عامل غلبان أحرقها فى ثوان بغلاية الشاى، فكيف نتصور مصير باقى المؤسسات الموجودة فى المحافظات البعيدة؟!.
قاعة المؤتمرات يفترض أنها تقع فى قلب المنطقة الأكثر أهمية فى مصر، هى وسط غابة من المواقع والمنشآت الحيوية والسيادية جدا.
تحيط بها منشآت عسكرية وسيادية ورمزية متعددة، يمر عليها كبار المسئولين يوميا، ويفترض أن بها الحد الأدنى من اليقظة والمسئولية مقارنة بالأماكن الأخرى.
هذا المكان يفترض أنه يستضيف العديد من الفاعليات والأنشطة المهمة، ويفترض أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء يترددون عليه بصفة دائمة، هو أيضا يستقبل العديد من الضيوف الأجانب المشاركين فى أنشطة ومعارض متنوعة.
إذا المفروض أن الحد الأقصى من الحماية والحراسة واليقظة متوافر فيه، لكن حريق يوم الأربعاء أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه حتى الحد الأدنى من هذه الحماية غير موجود. تخيلوا لو أن هذا الحريق اشتعل فى أثناء وجود مؤتمر دولى أو عربى أو محلى.. كيف ستكون الخسائر وسمعتنا وسط الأمم؟.
هل نلوم الرئيس أو الحكومة أو الأجهزة والمؤسسات فقط، وينصرف كل منا إلى حال سبيله ويعتقد أنه أدى دوره فى النضال والوعظ والإرشاد؟!.
مرة أخرى الحكومة والنظام وكل من له صلة بهذا المرفق المهم مسئولون مسئولية أساسية عما حدث، لكن علينا أن نناقش الموضوع بجدية أكبر ونتحدث فى صلب الموضوع.
فيروس الكسل والبلادة والإهمال اخترق كل مناحى حياتنا وأصاب معظمنا. كل واحد منا يقوم بإلقاء المسئولية على أى شخص غيره، ولا يريد أن يتحمل المسئولية ويصلح نفسه أو المرفق الذى يعمل به أو يرأسه.
نعم هناك أزمات متعددة فى المجتمع، اقتصادية واجتماعية وأمنية تعرقل الكثير من العمل، لكن على الأقل علينا أن نحاول وألا نيئس.
صار واضحا أن مشكلة مصر لا تكمن فقط فى مواجهة الإرهاب أو حتى عنف جماعة الإخوان المتصاعد. بالطبع هى مشكلة كبيرة، لكن أزمتنا الحقيقية هى فى مرض انعدام الكفاءة الذى يضرب غالبية قطاعات ومؤسسات البلد، إن لم يكن كلها تقريبا، ويمنعنا من هزيمة الإرهاب والعنف بسرعة.
لو أردنا الحل الجذرى، فعلى كل مسئول أن يبدأ بالإصلاح فى مكانه ويتأكد قبل أن يلوم الحكومة أنه أصلح بيته ومكان عمله، ولا ينتظر تعليمات الحكومة أو توجيهات الرئيس.
لا أحد يتعلل بالإمكانيات وندرتها، هناك أشياء كثيرة إصلاحها لا يحتاج إلى أموال، بل إلى همة ووعى، وحب حقيقى للوطن، بالأفعال وليس بالكلمات، لأن هناك معادلة شبه حقيقية، وهى أنه كلما علا صراخ البعض بحب الوطن والشكوى من الفساد، فتأكد أنهم الأكثر خطرا على هذا الوطن من كل أعدائه!!.
أن يلتزم كل منا بعمله، وأن يؤديه بإتقان، أى يراعى ضميره ويراعى القانون، كل ما سبق لا يحتاج إلى مال أو إمكانيات.
نحتاج أيضا إلى تدريب الجميع على الحد الأدنى من المسئولية، كيف نقنع مثلا العامل البسيط فى الموقع المهم أن «صنع كباية شاى على غلاية» من الممكن أن يدمر منشأة حيوية ويكبد اقتصاد البلد ٣٠٠ مليون جنيه وربما أكثر.
السؤال هو: هل يمكن ألا نكتفى بجلد الذات، ويقوم كل مسئول بالمرور على المنشآت المهمة التى تقع فى نطاق مسؤليته، ويتأكد من أن العامل هناك لن يقوم بعمل شاى بنفس الطريقة، وأن إجراءات الأمن والسلامة مطبقة فعلا، وأن هناك مرورا يوميا للتأكد من ذلك، وأن هناك تجارب وتدريبات مكثفة لمواجهة أى كوارث متوقعة.
السؤال الآخر: متى يمكن أن نزرع هذه الثقافة داخل عقولنا جميعا، حتى لا نعود إلى تكرار الكلام نفسه فى الكارثة المقبلة ــ لا قدر الله؟!

عماد الدين حسين  كاتب صحفي