٧٥ سنة تمر الآن على إنشاء حلف شمال الأطلسى «الناتو»، ويتصادف هذا الاحتفال مع القمة السنوية للحلف، التى تختتم أعمالها اليوم فى العاصمة الأمريكية واشنطن، وهى المدينة، التى تأسس فيها هذا الحلف بموجب معاهدة شمال الأطلسى التى تم التوقيع عليها فى واشنطن فى ٤ أبريل ١٩٤٩.
عدد أعضاء الحلف الآن بلغ ٣٣ دولة، كما تشارك ٢١ دولة أخرى فى برنامج الشراكة من أجل السلام التابع للحلف مع مشاركة ١٥ بلدا آخر فى برنامج الحوار المؤسسى.
بموجب اتفاقية إنشاء الحلف فإن نص المادة أو البند الخامس يقول إن أى دولة تتعرض للعدوان فالمفترض أن تقوم بقية الأعضاء بتفعيل المادة وهى تعنى دخول كل الدول الأعضاء فى حالة حرب ضد الدولة المعتدية، وربما بسبب هذه المادة أو البند تحديدا ترفض أو تتردد غالبية دول الحلف خصوصا أمريكيا فى الموافقة على ضم أوكرانيا رسميا للحلف، لأن معنى ذلك دخول الحلف فى حرب ضد روسيا، وهو ما قد يقود إلى حرب عالمية ثالثة.
المقر الرئيسى للحلف يقع فى منطقة هارين فى العاصمة البلجيكية بروكسل، أما مقر عمليات قيادة الحلف فيقع قرب مدينة مونس فى بلجيكا أيضا. تمتلك جميع دول الحلف جيوشا باستثناء أيسلندا التى ليس لها جيش نظامى نموذحى، بل مجرد خفر سواحل ووحدات صغيرة من المتخصصين المدنيين فى حين تمتلك ثلاث دول من الحلف أسلحة نووية وهى أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وهى نفس الدول التى لها حق استخدام الفيتو فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
الحلف تأسس فى البداية بـ ١٢ دولة فقط منها أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ثم انضم ٣ أعضاء آخرين بين ١٩٥٢ ــ ١٩٥٥، وهى اليونان وتركيا والمانيا ثم إسبانيا فى ١٩٨٢، وبعد نهاية الحرب الباردة أوائل التسعينيات انضم ١٥ عضوا آخرين ابتداء من عام ١٩٩٩ حتى عام ٢٠٢٣. الناتو تأسس عام ١٩٤٩ فى حين أن حلف وارسو الذى ضم البلدان الاشتراكية أو الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتى تم تأسيسه فى مايو ١٩٥٥ ردا على انضمام ألمانيا الغربية إلى الناتو وقتها، لكن حلف وارسو انهار وتفكك رسميا فى الأول من يوليو عام ١٩٩١. فى القمة الأخيرة التى انعقدت فى ليتوانيا تم الموافقة على انضمام كل من فنلندا والسويد والأخيرة هى آخر دولة تنضم رسميا هذا العام.
الحلف يتعامل مع كل من البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا كأعضاء طموحين فى إطار ما يسمى بسياسة «الأبواب المفتوحة». هذه السياسة هى أحد الأسباب الجوهرية للخلاف الروسى مع حلف شمال الأطلسى، فموسكو تؤكد أنه وقبل انهيار الاتحاد السوفييتى عام ١٩٩١، فإن وزير خارجية الولايات المتحدة جيمس بيكر قد أبلغ روسيا رسميا بأن الحلف لن يتمدد بوصة واحدة خصوصا نحو الحدود المشتركة والقريبة من الحدود الروسية.
لكن بالطبع فإن الذى حدث، أنه ابتداء من عام ١٩٩٩ فقد انضمت ١٥ دولة أولها بولندا ثم جاء انضمام فنلندا والسويد مؤخرا ليزيد من التوتر بين روسيا والحلف.
ثم إننا نعلم أن أحد الأسباب الأساسية لتفجر الأزمة الأوكرانية هو نوايا الحلف لضم أوكرانيا إليه، وبالتالى تقول موسكو أن الحلف نقض كل الوعود والعهود وبات يحيط بالحدود الروسية من جوانب كثيرة، لكن الحلف يرد بأن الغزو الروسى لأوكرانيا فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢ قد غير كل المعادلات وهدد حلف شمال الأطلسى فى الصميم، وأنه إذا لم يتحرك الحلف لمساعدة أوكرانيا، فإن ذلك سوف يغرى روسيا بالتمدد أكثر فى القارة الأوروبية.
يعتقد البعض أن الحلف كان مهددا بالتفكك أو على الأقل الضعف، قبل الغزو الروسى لأوكرانيا، وأن غالبية دول الحلف لم تكن تسدد ما عليها من التزامات مالية وعسكرية، فى حين تتحمل الولايات المتحدة النسبة الأكبر من ميزانية الحلف، وبالتالى فإن الغزو الروسى قد دفع دول الحلف خصوصا فى أوروبا إلى الشعور بالخطر والموافقة على الشروط الأمريكية المستمرة بضرورة رفع نسبة المساهمة فى ميزانية الحلف، وكذلك إمداد أوكرانيا بالمساعدات المختلفة خصوصا العسكرية حتى لا تتمدد روسيا أكثر باتجاه أوروبا. السؤال: كيف سيواصل حلف الناتو عمله فى ظل الأزمة الأوكرانية، وفى ظل احتمال عودة دونالد ترامب والانقلابات السياسية من أقصى اليمين لأقصى اليسار فى أوروبا؟!