لم يكن يتخيل أحد أن يخرج الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ليقول إنه يعتقد أن «حركة حماس مستعدة للسلام، وأن على إسرائيل التوقف عن قصف غزة فورًا».
سيناريو التطورات المتسارعة مساء الجمعة الماضية فاجأ غالبية المراقبين والمتابعين للقضية الفلسطينية والعدوان الإسرائيلى المستمر منذ ٧ أكتوبر قبل الماضى، للدرجة التى جعلت كثيرين يعتقدون أن هناك مسارًا خلفيًا من المفاوضات والتفاهمات تم من وراء وسائل الإعلام.
والسبب من وجهة نظر هؤلاء أن أمرًا جللًا هو الذى يجعل حماس تشيد بخطة ترامب، والأخير يشيد برد حركة حماس، ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يعلن أنه أمر بأن يقتصر العدوان على الجوانب الدفاعية فقط.
نعلم أن ترامب أعلن خطته للتسوية فى قطاع غزة الأسبوع قبل الماضى خلال لقائه بقيادات عربية وإسلامية على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك.
ونعلم أن نتنياهو أعلن أنه أدخل تعديلات جوهرية على الخطة بحيث تصبح إسرائيلية تماما.
ونعم.. إن جهودًا مصرية وعربية كبيرة بُذلت فى الأيام والساعات الماضية لإقناع الولايات المتحدة بالعودة إلى الخطة الأصلية، وأن تكون هناك إجابات واضحة ومحددة على النقاط الغامضة الكثيرة فى الخطة، خصوصا بعد تصريحات نتنياهو.
ما علمته أن بعض العواصم العربية خصوصا القاهرة بذلت جهودًا ضخمة مع الولايات المتحدة، وأن الأخيرة نقلت تطمينات بشأن المخاوف العربية من الغدر الإسرائيلى المعهود والمتوقع.
والمفترض أن مفاوضات مهمة ستتم خلال الساعات المقبلة من أجل الاتفاق على التفاصيل الكاملة، خصوصا فيما يتعلق بالبنود المطاطة والملغمة فى خطة ترامب.
كثيرون توقعوا أن ترفض حركة حماس الخطة بالنظر إلى أنها مليئة بالشياطين الإسرائيلية، وتوقعت قلة أن توافق حماس على كامل الخطة، رغم أن ذلك يعنى نهايتها، بل وربما نهاية المقاومة.
فى حين توقع فريق ثالث ــ وكنت أحدهم ــ أن توافق حماس على الخطة ولكن مع بعض التحفظات، أو طلب التوضيحات.
وقلت بوضوح لقناة «إكسترا نيوز» قبل رد حماس بساعات هذا التوقع وأن «موافقة حماس على الخطة صعبة ورفضها أصعب».
ومن الواضح أن صياغة رد حماس كانت جيدة ومُحكمة، ومن المؤكد أن اتصالات عربية أغلبها مصرى وقطرى وسعودى جرت مع إدارة ترامب، وناقشت معه مضمون الرد، حتى لا يخرج رافضًا ومهاجمًا، وخصوصًا أنه أمهل حماس بطريقته المعتادة فى نفس اليوم مهلة حتى مساء اليوم الأحد للرد وألا يفتح أبواب الجحيم عليهم وعلى القطاع!!.
المؤكد أن ترامب لم يتفاجأ من رد حماس بفعل الاتصالات العربية المسبقة والتنسيق معه، والمؤكد أنه تفهم ملاحظات الحركة، رغم أن أسلوبه وطريقته ومجمل تصرفاته كانت تشير إلى العكس.
لكن السؤال هل فوجئ نتنياهو بتصرف ترامب؟!
سؤال تردد كثيرًا عقب رد ترامب، وذهبت العديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية للقول إن نتنياهو اندهش واستغرب وكان يتوقع أن يرفض ترامب الرد، بالنظر إلى السوابق الكثيرة الماضية، للدرجة التى جعلت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تقول إن «ترامب باع نتنياهو من أجل جائزة نوبل»!!!.
لكن لست من أنصار هذا الرأى الأخير فالعلاقة العضوية بين ترامب وإسرائيل لا تحتاج إلى برهان أو تدليل، بل فى لحظات كثيرة فإن ترامب أكثر تعصبا لإسرائيل من بعض قادتها، وبالتالى فالحكم الصحيح على ما حدث سيكون فى الأيام المقبلة.
يمكن فهم ترحيب ترامب وقبول نتنياهو لرد حماس، بالنظر إلى أنهم يريدون بأى ثمن الحصول على الأسرى الإسرائيليين فى الأيام الثلاثة الأولى من تطبيق الخطة، وبعدها وكما يقول المثل المصرى: «يحلها حلال»!!.
لو سارت الأمور بطبيعتها سوف يتسلم نتنياهو الأسرى، وبعدها سوف يخلق أو يختلق آلاف الأعذار كى يعود للعدوان أو على الأقل لا ينفذ ما هو مطلوب منه بالانسحاب من القطاع حتى لو كان تدريجيا. كل التطورات المقبلة تتوقف على موقف ترامب وهل سيجبر نتنياهو على السير قدما فى الخطة، حتى يستمر فى سرديته بأنه أوقف صراعًا مستمرًا من ٣ آلاف عام!!!، أم ينقلب على عقبيه ويغير رأيه كما فعل آلاف المرات؟!
الأيام المقبلة سوف يجيب عن هذا السؤال الجوهرى الذى يشغل الجميع.