نجحت زيارة وفد حزب الحرية والعدالة لواشنطن طبقا لآراء الأغلبية العظمى ممن تحدثت معهم «الشروق». أعضاء الوفد الأربعة لم يجيدوا فقط اللغة الإنجليزية، بل أجادوا بصورة أكبر التعبير عن أفكارهم بطريقة أمريكية واضحة مختصرة. استخدم الوفد لغة بسيطة وتكنولوجيا هادفة كما حدث فى ندوة جامعة جورج تاون، وأضافوا فى مداخلاتهم بعدا إنسانيا سواء فى صورة معاناتهم الشخصية أثناء حكم النظام السابق، ووصفوا علاقاتهم الشخصية فى دوائرهم بناخبين أقباط، وهو ما يترك أثر كبير فى عقل وقلب المستمع الأمريكى. وكان لمطالبة عضو الوفد الدكتور عبدالموجود درديرى، الجميع بالوقوف دقيقة احتراما لأرواح شهداء الثورة المصرية، أثرا كبيرا وتجاوب من الحضور.
ضم الوفد أربعة أفراد هم الدكتور عبدالموجود الدرديرى، عضو لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشعب والنائب عن الأقصر، والدكتور حسين القزاز، وهو مستشار اقتصادى لحزب الحرية والعدالة، والأستاذة سندس عاصم مسئولة موقع الإخوان باللغة الإنجليزية، والمهندس خالد القزاز، منسق السياسة الخارجية فى الحزب.
وتمتع الوفد بشجاعة لا يقدم عليها معظم زوار واشنطن من المسئولين العرب والمتمثلة فى مواجهة جمهور أمريكى من إعلاميين وسياسيين وأكاديميين، وغيرهم من المهاجرين المصريين. وعلى عكس ممثلى الحزب الوطنى المنحل وافق الوفد على المشاركة فى ندوات مفتوحة للعامة يعرض فيها وجهات نظره ويرد على أى أسئلة واستفسارات بدون انتقائية أو رقيب، وتضمن ذلك بعض الأسئلة الغاضبة والناقدة فى أحيان كثيرة.
نجح الوفد فى تقديم رؤيته وعروضه داخل أهم وأكثر مراكز الأبحاث قوة ونفوذا فى الساحة الأمريكية. تحدث الوفد فى مجلس العلاقات الخارجية مرتين، فى مدينة نيويورك ومدينة واشنطن، إضافة إلى معهد بروكينجز، ومؤسسة كارنيجى، وهذه المعاهد معروف عنها الاعتدال بمعايير واشنطن، إضافة لقربها من دوائر صنع القرار. وتجنب الوفد الوقوع فى أخطاء وقع فيها السيد راشد الغنوشى، زعيم حزب النهضة التونسى، الذى تحدث فى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المعروف بقربه من أهم الدوائر المؤيدة لإسرائيل فى واشنطن.
ألغام أمريكية فى طريق الوفد
لم تكن مهمة وفد الجماعة «المحظورة سابقا» فى واشنطن سهلة حيث واجه هناك الكثير من الأسئلة الصعبة التى حاول أعضاؤه تفاديها بدبلوماسية شديدة منها، هل تعترف جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بدولة إسرائيل؟ وما هى طبيعة علاقات الجماعة بتنظيم حماس؟ وما هو مستقبل التعاون الأمنى والاستخباراتى المصرى الأمريكى؟ ولماذا يتم تهميش دور المرأة فى الجماعة والحزب؟
وبالفعل أكد الأمريكيون الذين تحدثوا لـ«الشروق» أن الوفد غادر العاصمة الأمريكية دون أن يقدم إجابات وافية على هذه الأسئلة.
لقاء مع السفير
حسنا فعل الوفد بزيارته مقر السفارة المصرية، وقضائه ما يزيد على الساعة مع السفير المصرى سامح شكرى وأعضاء السفارة. وتعد زيارة السفارة المصرية خطوة رمزية ذات دلالات كبيرة من الوفد الزائر ومن السفير المصرى فى واشنطن. فهذا اللقاء يقول بوضوح إن سفارات مصر اليوم لا تمثل أنظمة ديكتاتورية حاكمة، بل تتسع لتمثل الدولة المصرية بما تتضمنه من كل القوى السياسية المنتخبة فى مصر.
تاريخ قديم جديد بين الإخوان وواشنطن
64 عاما عمر علاقات جمعت جماعة الإخوان المسلمين بالولايات المتحدة. ومنذ 1948 وحتى اليوم تأرجحت العلاقات لتشكل نمطا غريبا بين تنظيم كان حتى العام الماضى سريا وغير قانونى، وبين الدولة الأقوى عالميا. فبعد يوم واحد على تأسيس دولة إسرائيل واعتراف واشنطن الفورى بها، أرسل السيد حسن البنا، المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين، يوم 16 مايو 1948، خطابا للرئيس الأمريكى هارى ترومان يحمل تهديدا واضحا، وجاء فيه: إن «اعترافكم بالدولة الصهيونية إعلان حرب على العرب والعالم الإسلامى. وإن اتباعكم لهذه السياسة الخادعة الملتوية هو انتهاك لميثاق هيئة الأمم والحقوق الطبيعية للإنسان وحق تقرير المصير، وسيؤدى حتما إلى إثارة عداء دائم نحو الشعب الأمريكى، كما سيعرض مصالحه الاقتصادية للخطر ويؤذى مكانته السياسية، فنحملكم المسئولية أمام العالم والتاريخ والشعب الأمريكى».
ورغم أن قضية إسرائيل، وتبعاتها، ما زالت تمثل معضلة حقيقية بين الطرفين، إلا أن ذلك لم يمنع من التواصل السرى أو غير المباشر بين الطرفين خلال العقود الماضية. ومنذ خمسينيات القرن الماضى تركزت علاقات واشنطن مع جماعة الإخوان حول محاربة الشيوعية. وكانت مباركة جماعة الإخوان المسلمين للجهود الأمريكية فى دعم كفاح المجاهدين المسلمين ضد الاحتلال السوفييتى لأفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضى ممثلة أعلى درجات التوافق بين الطرفين.
ثم عاد وأكد قادة الجماعة مرارا أنهم لا يؤيدون الدخول فى حوارات مع المؤسسات الرسمية فى دول الغرب إلا تحت مظلة وزارة الخارجية المصرية.
ثم حدثت ونجحت ثورة 25 يناير، وفى يوليو الماضى أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، عن بدء اتصالات رسمية بين الطرفين فى الصيف الماضى، وذكرت «أنه من مصلحة واشنطن إجراء مثل هذه الاتصالات». وشهد مقر الجماعة الجديدة فى حى المقطم زيارات أمريكية متكررة حملت معها شخصيات بارزة مثل السيناتور جو كيرى، والسيناتور جون ماكين والرئيس السبق جيمى كارتر، وكبار مسئولى ملفات الشرق الوسط فى وزارة الخارجية.
الزيارة علامة تاريخية فارقة
كانت واشنطن تنتظر الزيارة الرسمية الأولى لممثلى جماعة الإخوان لواشنطن منذ وقت طويل. ومثلت الزيارة علامة فارقة فى تاريخ الجماعة. وعلى الرغم من ذكر الدكتور عبدالموجود درديرى للراديو القومى الأمريكى أن الزيارة «ليست فقط حملة علاقات عامة، بل هى سعى من جانبنا لنتعرف أكثر على بعضنا البعض. ومن الأهمية بمكان أن نفهم الاهتمام والقلق الأمريكى، وعليهم كذلك أن يفهموا تطلعات الشعب المصرى عقب الثورة».
كما أنها المرة الأولى التى تظهر الجماعة لواشنطن وهى تتحدث عن «المصلحة المصرية»، إذ أكد السيد خالد القزاز، عضو الوفد، ومنسق السياسة الخارجية بالحزب أن «مصلحة الشعب المصرى هى ما يحركنا داخليا وخارجيا، ونحن نقوم بتقييم ما هو الأفضل لمصر على المدى القصير والمدى الطويل». وحسنا دافع الوفد عن ضرورة الاستمرار فى تقديم مساعدات أمريكية عسكرية للجيش المصرى والتى تقدر بـ1.3 مليار دولار سنويا، إضافة إلى مئات الملايين من المساعدات الاقتصادية.
تضمن جدول الزيارة الأولى لقاءات رسمية مع مسئولين أمريكيين فى البيت الأبيض، فقد عقدت مقابلات مع مسئولى الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومى الأمريكية. وتعد هذه هى المرة الأولى التى تجرى فيها مباحثات من هذا النوع فى واشنطن. وذكر تومى فيتور المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض «بعد الثورة المصرية، وسعت الإدارة الأمريكية وعمقت من اتصالاتها مع القوى والأحزاب السياسية الجديدة.. نحن نعتبر أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تكون على اتصال مع جميع الأحزاب التى تعهدت باحترام المبادئ الديمقراطية ومن بينها اللا عنف»، وأشار إلى أن مسئولى بلاده «يشددون فى كل حوار مع هذه المجموعات على أهمية احترام حقوق الأقليات، ومشاركة النساء وينقلون قلقهم حول الأمن الإقليمى».
كما عقد أعضاء الوفد اجتماعا فى مقر وزارة الخارجية الأمريكية مع نائب وزيرة الخارجية وليام بيرنز ضمن عدة وفود عربية مشاركة فى مؤتمر نظمته مؤسسة كارنيجى. ثم طلبت وزارة الخارجية عقد اجتماعا موسعا مع الوفد المصرى مساء الخميس الماضى وقبيل ساعات من مغادرته واشنطن للاستفسار عن موقف الحزب من قضايا عديدة.
ويؤكد دبلوماسى أمريكى ممن يعرفون القاهرة وواشنطن جيدا، نحن نلام سواء فعلنا، أم لم نفعل!
«لقد كان الكثيرون ينتقدون عدم تعاملنا الرسمى مع جماعة الإخوان المسلمين بعدما خرجت للشرعية وأصبح لها حزب سياسى معترف به. الآن ينتقدنا الكثيرون من الليبراليين المصريين ومن أعضاء الكونجرس ومن اللوبى اليهودى على بدء هذه الاتصالات مع جماعة الإخوان. نحن نقوم بذلك ببساطة لأننا نعتقد أنه يحقق مصلحة أمريكية».
إعلام أمريكا وصورة الجماعة
طرق وفد حزب الحرية والعدالة واشنطن ساعيا لمد جسور التواصل الرسمية مع الإدارة الأمريكية، وهادفا بصورة رئيسية للوصول المباشر للإعلام الأمريكى. ويحسب لأعضاء الوفد عدم ممانعتهم التحدث لكل من طلب من الإعلاميين الأمريكيين وغير الأمريكيين. ونجح صوت الإخوان فى الوصول للعديد من وسائل الإعلام المهمة التى من خلالها وصلت رسائلهم إلى ملايين الأمريكيين.
صحيفة «نيوزويك» الأسبوعية المرموقة نشرت تقريرا عن زيارة الوفد، وقالت إن الوفد الذى تم إرساله إلى واشنطن كانوا جميعا متحدثين جيدين للإنجليزية، واثنان منهما يحملان الدكتوراه من جامعات أمريكية، لم يكونوا مراوغين وأجابوا على أسئلة حماسية من جمهور جامعة جورج تاون حول الاضطهاد الدينى والشريعة، ولم تكن الرسالة مرتبطة بشكل خاص بالإسلام. ولم ينتقدوا أو حتى يأتوا على ذكر إسرائيل، وشددوا على أن مصر مفتوحة للأعمال، بل وشجعوا على التجارة والحرية والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وذكرت النيوزويك أن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر تسعى لكسب رضاء واشنطن، مشيرة إلى أن زيارة وفد حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، بمثابة علامة فارقة فى السياسة الأمريكية. وأضافت المجلة قائلة «فى السابق، كان الإسلاميون يحرمون من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت واشنطن تتجنبهم، وترفض انتصاراتهم الانتخابية، ولكن الزمن يتغير».
كما ظهر عضوان من الوفد على شاشات السى إن إن وأجابوا على أسئلة تتعلق بمخاوف أمريكية على حقوق المرأة والأقليات، والمسار الديمقراطى لمصر ومعضلة كتابة الدستور.
وفى رده على سؤال لصحيفة واشنطن تايمز حول ما إذا كان الحزب يخطط لطرح معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية للاستفتاء، ذكر الدكتور الدرديرى أن الحزب «لن يطرح أى نوع من أنواع الالتزامات الدولية لاستفتاء، فالحزب يحترم هذه الالتزامات بما فيها كامب ديفيد».
أما صحيفة واشنطن بوست فقد سلطت الضوء على المرشح المحتمل للرئاسة خيرت الشاطر، كما توقعت الصحيفة أن يقوم الوفد الزائر بمحاولة تحسين صورة الجماعة أمام مسئولى الإدارة الأمريكية وإبرازها حركة معتدلة ذات وعى اجتماعى، وأنها تخوض العملية السياسية من أجل صالح المصريين جميعهم بشكل عام.
ونسبت واشنطن بوست إلى عضوة الوفد الأستاذة سندس عاصم القول «نحن نمثل وجهة نظر إسلامية وسطية معتدلة، وإن الأولويات لدينا هى اقتصادية وسياسية بشكل أساسى، وذلك من أجل المحافظة على المثل العليا لثورة العدالة الاجتماعية والتعليم والأمن».
حديث القاهرة غير حديث واشنطن
لطالما اتهمت جماعة الإخوان المسلمين فى واشنطن بوجود موقف متشدد تعبر به باللغة العربية للشعب المصرى فى القضايا الحساسة مثل قضية الاعتراف بإسرائيل، أو حقوق النساء والأقليات، يقابله موقف معتدلا يعبر عنه باللغة الإنجليزية ويستهدف العالم الخارجى.
ويرى أريك تريجر من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن وفد الجماعة قد لواشنطن من أجل «الترويج لأجندة تتضمن أنهم يمثلون قوى الإسلام المعتدل». ويرى تريجر أن الوفد أنكر وجود فكرة طرح معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية للاستفتاء الشعبى، رغم تكرارها على لسان العديد من كبار قادة الجماعة والحزب.
وتعد قضية الاعتراف بإسرائيل نموذجا لغياب موقف واضح للجماعة، فقد ذكر السيد مهدى عاكف المرشد العام السابق للجماعة أن «إسرائيل فى نظر الجماعة مجرد كيان صهيونى مغتصب لأراضينا العربية والإسلامية المقدسة، قام على الجماجم والدماء، وسنعمل على إزالته مهما طال الزمن»، وأن هذه المسألة «ثابت من ثوابت الجماعة وليست محل جدل أو نقاش».
ثم جاء المرشد الحالى للجماعة، الدكتور محمد بديع ليؤكد ما قاله المرشد السابق فى عدة مناسبات. إلا أنه وبعد نجاح ثورة 25 يناير، تغير الخطاب الإخوانى تجاه إسرائيل، وأعلن المرشد العام أنه لا تراجع عن معاهدة كامب ديفيد، وإن كان من الممكن تعديل بعض البنود. وهذا الموقف فى حد ذاته يعد اعترافا إخوانيا كافيا بدولة إسرائيل.
إلا أن الباحث ستيفن كوك، من مجلس العلاقات الخارجية، فيرى أن على المسئولين الأمريكيين أن يستمعوا جيدا، فممثلى الجماعات الإسلامية «لم يتحدثوا كثيرا عن تفاصيل العديد من القضايا الهامة الأسبوع الماضى».
ويرى كوك «أن الإجابات الفضفاضة من وفد الإخوان يجعلك تستشعر حجم التغيير الذى ربما يكون طرأ على العلاقات المصرية الإسرائيلية، أو على العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطن».
ويرى كوك انه على الرغم من تكرار الوفد الزائر لواشنطن من تكرار التزام الجماعة بالمعاهدات السابقة بطريقة ولغة جيدة، إلا أن الأهم هو ما يقوله قادة الجماعة الكبار للشعب المصرى بهذا الخصوص.
غموض موقف
تذكر الباحثة ميشيل دان من المجلس الأطلنطى فى تعليق لها على الزيارة أن تغيير الإخوان المسلمين لمواقفهم هو علامة على تطور الجماعة التى ظلت ممنوعة وسرية لسنوات طويلة، وعلينا جميعا أن ننتظر ونرى ما سيقدمون عليه فى عملية كتابة الدستور وتركيز السلطة فى أيديهم. خاصم مع ما بدا انه فهم خاطئ حيث أن الأغلبية لا تعنى تركيز السلطات فى يدك.
أما معضلة موقف جماعة الإخوان المسلمين من «العنف ــ المقاومة المسلحة» فهى معضلة لم تحسم بصورة كاملة بعد. ففى الوقت الذى تلتزم فيه الجماعة بالحرص على نبذ العنف، منذ سبعينيات القرن الماضى، كوسيلة سياسية شرعية، إلا أنها تمانع فى القيام بأعمال «مقاومة مسلحة» فى حالة فلسطين والعراق وأفغانستان.. وهو موقف يتناقض مع موقف الدولة المصرية الرسمى!
وتبقى الشكوك
تبقى شكوك كبيرة بين الطرفين، ولم تنس الجماعة أنه وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، لم تنل عمليات القبض المتكرر على كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين، وتقديمهم للمحاكمات العسكرية، وسجنهم لسنوات طويلة، اهتماما كبيرا فى وسائل الإعلام الأمريكى. ولم يعترض أحد فى واشنطن على اعتقال المهندس خيرت الشاطر، وزملائه على سبيل المثال، كذلك لم ينل الموضوع أى أهمية من الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية. وعلى النقيض من الصمت الأمريكى تجاه معتقلى جماعة الإخوان، وإعلام وكونجرس وساسة ومعاهد واشنطن العالم ضجيجا وصخبا على اعتقال بعض رموز التيارات الليبرالية المصرية مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم أو الدكتور أيمن نور.
ولليوم يتم النظر للجماعة حتى من أكثر القوى ليبرالية فى واشنطن بشكوك كبيرة. ولن تنجح زيارة أو عدة زيارات فى القضاء على هذه الشكوك. يرى الباحث جيمس فيليبس، من مؤسسة هيرتيدج المحافظة، أن إدارة أوباما أظهرت حسن النية تجاه «منظمات إسلامية تعادى الغرب» وهى المنظمات التى خطفت الثورة المصرية الديمقراطية، ونجحت فى الانتخابات غير العادلة. وتعكس هذه الرؤية موقف فريق أنصار متشددين لإسرائيل لا يخفى قبوله باستمرار حكم المجلس العسكرى، أو باللواء عمر سليمان بديلا، وعدم ممانعته لعدم تسليمه السلطة لقوى مدنية منتخبة، وتخطى العملية الديمقراطية بأكملها، من أجل الحفاظ على العلاقات الخاصة التى جمعت واشنطن والقاهرة لعقود طويلة خاصة فى المجالات الأمنية والعسكرية.
ويرى هذا الفريق أن حجج نظام الرئيس السابق مبارك، المتمثلة فى خطر الإخوان، واستخدامه فزاعة «أنا أو الإخوان»، والتى طالما لجأ إليها مبارك لمقاومة الضغوط الأمريكية التى كانت تطالبه بالإصلاح السياسى، لم تكن إلا تعبيرا حقيقيا عن الواقع المصرى الذى فوجئت به واشنطن الآن.
وينتقد هذا الفريق عدم توقع إدارة أوباما انتصار الإخوان، وغياب وجود إستراتيجية أمريكية للتعامل مع مصر يحكمها الإسلاميون.
وينتشر أعضاء هذا الفريق فى عدة مراكز بحثية نافذة مثل معهد واشنطن، ومعهد أمريكان انتربرايز ومعهد هيدسون، ومؤسسة هيريتيج.
الفريق الآخر، الأكثر واقعية، يمثله بصورة عامة باحثون من معهد بروكينجز، ومؤسسة كارنيجى للسلام الدولى، ومجلس العلاقات الخارجية. ويرى هذا الفريق أن على إدارة أوباما أن تتواصل مع الجماعة نظرا لدورها الكبير فى مستقبل حكم مصر كما يعتقدون.
إلا أن هذا الفريق يواجه معضلة كبيرة تتمثل فى عدم قدرته على بلورة طريقة عملية للتواصل مع الإخوان. ويرى هذا الفريق أن على إدارة أوباما فهم أن الضغط على الجماعة عن طريق مطالبتها بإعلان مواقفها من بعض القضايا الشائكة مثل الاعتراف بإسرائيل أو مستقبل العلاقات مع إيران، وحقوق الأقباط. ويحاول هذا الفريق إيجاد وسيلة «تواصل ذكى» للتعامل مع الإخوان.
ماذا بعد؟
مقدار نجاح الجماعة والحزب فى إدارة ملفات السياسة الداخلية المصرية، وخاصة القضايا الخلافية منها، هو ما يسمح بتحسين صورتها داخليا وخارجيا.
على الإخوان وحزبها السياسى بلورة إستراتيجية سياسية واقعية تجاه التعامل مع واشنطن تقوم على أساس مصلحة «الدولة المصرية» سواء حكم الإخوان مصر أو شاركوا فى الحكم، أو حتى مع بقائهم تماما خارج الحكم. حديث السياسة الخالى من عنصر المصلحة هو حديث هواة، وليس حديث محترفين. على قادة الإخوان ألا يغيروا قناعاتهم مرضاة لأمريكا أو غيرها، عليهم تذكير دوائر العالم أن جموع الشعب المصرى أصبح أهم لاعب فى الحياة السياسية الجديدة، وأن مستقبل مصر ستقرره حوارى وشوارع مصر، وليس قاعات ودهاليز واشنطن.