يمكن القول إنه في ظل التنازلين الكبيرين اللذين قدمهما رئيس "أزرق أبيض" بني غانتس فيما يتعلق بعدم الجلوس في حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، وعدم تفكيك تحالف "أزرق أبيض" السابق [مع حزبي "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد و"تلم" برئاسة موشيه يعلون]، غاب عن الأنظار تنازل ثالث يتصل بموضوع تطبيق السيادة الإسرائيلية على مناطق في يهودا والسامرة [الضفة الغربية].
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه خلال جولة الانتخابات الثانية التي جرت في سبتمبر 2019، عُرض على غانتس استطلاع للرأي العام أشار إلى أنه في حال قيامه بإعلان مبادرة تنص على تطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في المناطق [المحتلة] بموافقة أميركية، فإنه سيفوز بثلاثة مقاعد أُخرى في الكنيست على حساب أحزاب اليمين ويحسم نتيجة الانتخابات، لكن غانتس فضّل عدم إعلان مبادرة كهذه.
تُعتبر بيئة غانتس الأيديولوجية أقرب إلى التنازل في المستقبل عن مناطق [محتلة] من ضمها الفوري. كما أن حزب "أزرق أبيض" الجديد يبدو أقرب إلى حزب العمل، فضلاً عن أن الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة غابي أشكنازي، حليف غانتس والمرشح لتولي منصب وزير الخارجية، هو من أشد المعارضين لخطة تطبيق السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة.
وعلى الرغم من ذلك يمكن ملاحظة أنه بعد أكثر من نصف قرن من الجدل بشأن مستقبل يهودا والسامرة، وبعد ربع قرن على اتفاقيات أوسلو، وفي غضون سنة واحدة فقط، أصبحت مسألة تطبيق السيادة الإسرائيلية محل إجماع واسع وأحد الخطوط الأساسية للحكومة التي من المتوقع أن تضم أيضاً وزيرين من حزب العمل، بينهما رئيسه الحالي عضو الكنيست عمير بيرتس.
مرت مسألة تطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق [المحتلة] بسيرورة طويلة جداً، بدءاً بانهيار اتفاقيات أوسلو سنة 2000، مروراً باستمرار إطلاق النار من قطاع غزة منذ خطة الانفصال سنة 2005، وانتهاء بالربيع العربي سنة 2011 ووصول دونالد ترامب إلى سدّة الإدارة الأميركية. غير أن نضوجها كان سريعاً على نحو مدهش. ولا شك في أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتمنى أن يتم تنفيذها بشكل أسرع، فطالما أن فيروس كورونا ما زال متفشياً، من الصعب أن يقوم مجلس الأمن الدولي بنشر بيان إدانة عن طريق تطبيق "زوم".
وخلال المفاوضات التي جرت بين الليكود و"أزرق أبيض"، فوجئ مندوبو الليكود بأن مندوبي الجانب الثاني مهتمون بتسلم وزارة العدل أكثر من الإصرار على رفض مسألة تطبيق السيادة على يهودا والسامرة. وهذا ما يفسّر الأزمة التي واجهت تلك المفاوضات في اللحظة الأخيرة، عندما بدا أنه تم تجاوز كل العقبات، بما في ذلك مسألة تطبيق السيادة [أفادت تقارير إعلامية أن تراجُع الليكود عما اتُّفق عليه بخصوص لجنة تعيين القضاة هو ما أدى إلى تفجر المفاوضات بين الحزبين].
ولم يكن من قبيل المصادفة أن هذا التأييد الجارف لمسألة تطبيق السيادة الإسرائيلية على المناطق [المحتلة] يتزامن مع موت حزب العمل وذوبانه داخل حزب وسط. وعلى غرار حزب الوسط السابق كديما [أسسه رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون بعد خطة الانفصال عن قطاع غزة سنة 2005] فإن حزب "أزرق أبيض" أقيم لكبح هيمنة اليمين، لكنه تسبب بانهيار اليسار، إذ تمكن من جذب ناخبي حزبي ميرتس والعمل، وفي نهاية المطاف انضم إلى حكومة برئاسة نتنياهو. وقبل سنة من الآن، كان لليسار الصهيوني نحو 30 عضو كنيست [أعضاء الكنيست من تحالف "المعسكر الصهيوني" بين حزبي العمل و"الحركة" بزعامة عضو الكنيست تسيبي ليفني، وحزب ميرتس] والآن لم يعد لديه سوى 3 أعضاء كنيست من حزب ميرتس. صحيح أن غانتس قد يكون جاء من بيت حزب العمل، لكن في النهاية فإن هذا الأخير هو من ذاب في "أزرق أبيض".